مواضيع اليوم

تكوين حول البحث الصوفي بالمغرب

 

تقرير
حول تكوين في موضوع:
البحث الصوفي بالمغرب

 

سياق التكوين: تعاون مثمر بين المركز والجامعة
    نظم مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بمدينة فاس التابع للرابطة المحمدية للعلماء- نظم يوما تكوينيا لفائدة الباحثين في سلك الماستر والدكتوراه، تخصص "التصوف في الأدب المغربي؛ الفكـر والإبـداع" التابع لشعبة اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب والعلوم الإنسانية –ظهر المهراز- بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في موضوع: " البحث الصوفي بالمغرب" (الحلقة الثانية: تطبيقات في مجال البحث الصوفي)، وذلك يوم الاثنين 22 ربيع الثاني 1432 الموافق لـ 28 مارس 2011.
أشرف على هذا اليوم التكويني الأستاذين: الدكتور عبد الله معصر (رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك)، والدكتور عبد الوهاب الفيلالي (المنسق البيداغوي لماستر: التصوف في الأدب المغربي؛ الفكـر والإبـداع)، إضافة إلى الأستاذ عبد الرحيم السوني باحث بمركز دراس بن إسماعيل.
حصاد التكوين: عرض ومداخلات ثم ضرورات
    افتتح هذا التكوين بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها الأستاذ محمد الهاطي باحث بمركز دراس بن إسماعيل. بعد ذلك، أخذ الكلمة السيد رئيس المركز الدكتور عبد الله معصر، حيث أكد أن هذا اللقاء العلمي يأتي استمرارا للتوصل الفعال بين المركز والباحثين، بغرض إكساب الباحث منهجية في مجال تداولي خاص، هو المجال الصوفي، الذي له تقنيات في القراءة والكتابة. وقال بأن الهدف من وراء إجراء هذا التكوين هو فتح آفاق جديدة أمام الباحثين المتخصصين في مجال البحث الصوفي، كما أن المركز يضع بنك المعلومات الذي يتوفر عليه رهن إشارة الباحثين، ويوفر لهم الاستشارات العلمية التي يحتاجونها. ثم أشاد بجهود الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي في النهوض بالبحث الصوفي في المغرب، حيث كان من أوائل الباحثين الذين خاضوا غمار البحث في الكتابة الصوفية بالمغرب، وكانت الحصيلة مشرفة جدا؛ تكوين جيل من الطلاب والباحثين المتخصصين في مجال التصوف المغربي، ويظهر ذلك من خلال نموذج الطالب الباحث عبد الرحيم السوني الذي ألقى في هذا اللقاء عرضا حول بعض الخطط المنهجية المرتبطة بمجال البحث الصوفي وكذا الحديث عن تجربته في المجال.
أما مداخلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي، فقد أكد على أهمية هذه الفرصة، التي جمعت بين ثلاثة أجيال من الباحثين؛ طلاب الماستر في الفصل الثاني، والفصل الرابع، وطلاب الدكتوراه. حيث هناك من أنجز بحثه، وهناك من ينجز، وفئة ثالثة ستقتحم المجال. وأكد أن الهدف من اللقاء هو فتح المجال أمام الباحثين في الماستر والدكتوراه للوقوف على بعض الثغرات المنهجية التي يمكن استدراكها وفق مناهج محدّدة، وكذا مد جسور التواصل بينهم، كما أنه يدخل في سياق متابعة الباحث في سائر مراحل بحثه.ثم أشار إلى عمل الباحث عبد الرحيم السوني، حول آليات الخطاب الصوفي وأنواعه، فإذا كان التصوف تجربة ذاتية فردية، فهو أيضا تجربة جماعية، ذلك أن الخطاب الصوفي، خطاب تواصل بامتياز، والبحث العلمي في المجال، كذلك، ينبغي أن يعيش في الواقع.
مداخلة الباحث عبد الرحيم السوني، تمحورت حول ثلاث نقاط:
1- طبيعة الخطاب الصوفي والآليات المنهجية التي يتطلبها البحث.
2- الخطط المنهجية المتبعة في إنجاز البحوث، دراسة وتحقيقا.
3- تجربته الخاصة في البحث (الدكتوراه).
أما طبيعة الخطاب الصوفي، فهو غير ثابت، بل متلون بحسب التجارب الذاتية، وتراتب البعد المقامي، ولا يعني هذا أنه متعدد الأصول، إذ أصل التصوف كتاب وسنة، وعموده الخلق الحسن، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكل قول بوجود تأثيرات غير إسلامية في التصوف، فلا يعتد به، وما عند بعض الشعوب والطوائف فمجرد روحانيات، لا يمكن تسميتها تصوفا. فالتصوف مرتبط بالأصول الإسلامية. ثم تناول بعض الآليات المنهجية التي يقتضيها التعامل مع الخطاب الصوفي، ومنها معرفة السياقات التداويلة التي تحكمه، والاجتهاد في تمثل طبيعة التجربة المسهمة في إنتاجه والوقوف على خصوصياتها، وكذا الإحاطة بالجهاز المفاهيمي الذي ينبني عليه هذا الخطاب وضبط حقوله الدلالية، مؤكدا على أن الباحث في مجال التصوف يتعين أن تكون له رؤية شمولية بخصوص الأجناس التي يشملها الخطاب الصوفي كالكتب التي تؤصل للتجربة والممارسة الصوفية وتشرحها، وكتب التفاسير والشروح، والمناجاة، والمخاطبات، والأدعية، والتصليات، والشعر، والرحلات، والرسائل، وكتب الفهارس والتراجم والمناقب، والأحزاب والأوراد، والمعاجم الصوفية، وغير ذلك، والإحاطة بهذه الأجناس من شأنه أن يفتح للباحث آفاقا واسعة أمام العديد من المواضيع البحثية التي لم تطرق من قبل.
أكد الباحث أن غرض التجربة الصوفية هو التواصل مع الذات، ثم مع الخالق؛ ذلك أن من عرف نفسه عرف ربه، ومن عرف ربه تواصل مع كل المخلوقات؛ الجماد والحيوانات والملائكة والجن.. مستدلا بأمثلة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار وبعض التابعين لهم بإحسان.
النقطة الثانية تناول فيها الباحث منهجية إعداد البحوث، مؤكدا على ضرورة معرفة الباحث بخصوصيات الخطاب الصوفي، من خلال ضبط الجهاز المفاهيمي لهذا الخطاب، وتعرف أنواع الكتابة فيه، وتبين خطة البحث؛ بدءا بالمقدمة ومكوناتها، ومرورا بالمنهج وأنواعه، ثم مدخل البحث وفصوله ومباحثه، وانتهاء بالخاتمة التي تمثل الاستنتاجات والخلاصات التي توصل إليها الدراس. كما تناول منهجية تحقيق النصوص باعتبارها مهارة ضرورية للباحث في مجال التصوف، خاصة وأن معظم التراث الصوفي لا يزال مخطوطا.
النقطة الأخيرة، استعرض فيها الباحث تجربته في بحث الدكتوراه الموسوم بـ: "آليات التواصل وأنواعه في الخطاب الصوفي: دراسة من خلال نماذج" والذي لخصه في فكرة جوهرية هي أن الخطاب الصوفي يمتلك آليات تواصلية عديدة تتيح إمكانية الإغناء الذاتي للتجربة الصوفية كما يتيح إنكانية التفاعل بينه وبين سائر الخطابات كيفما كان انتماؤها التداولي. كما تفيد آليات التواصل الصوفي في انفتاح الطريق أمام بناء استراتيجية شاملة التواصل النموذجي والمبدع. وقد كشف الباحث عن بعض هذه الآليات أثناء العرض، كما تعرض للعديد من التفاصيل البحثية التي تهم مجال التواصل عموما وما يرتبط منها بمجال التصوف على الخصوص.
تعليقات على مداخلة الباحث:
أكد الدكتور عبد الله معصر على ضرورة أن يفهم الباحث موضوعه، وأن هذا الفهم العميق للموضوع، يساعد الباحث على تقديم موضوعه في ساعة واحدة أو دقيقة واحدة، فالبحث يمكن أن يُلخص في صفحة واحدة، وهي طريقة إنجليزية في إعداد البحوث والدراسات.
أوضح الدكتور عبد الوهاب الفيلالي مسألة تقديم موضوع البحث، بتبين الفرق بين المدرسة الأنجلوساكسونية التي تستند إلى التحليل، والمدرسة الفرنسية التي تستند إلى تقديم المعلومة.


أسئلة الباحثين: المناقشة
انفتحت أسئلة الباحثين على جوانب من مداخلة الباحث المحاضر، استفسارا، وإضافة، وإغناء، يجمع بينها الرغبة في إتقان البحث في المجال الصوفي، والتمكن من منهجيته، وقد جاءت معظم تدخلاتهم منوهة بهذه المبادرة ومعربة عن استفادتهم منها، وقد طرحت العديد من الأسئلة والاقتراحات، أجاب عنها السادة الأساتذة في جو من التواصل الخلاق المنبني على الحوار وتبادل للأفكار.
ضرورات فكرية ومنهجية: ثمرات التكوين
     من ثمرات هذا التكوين، تلك الضرورات الفكرية والمنهجية التي قدمها الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الفيلالي ارتباطا بموضوع التكوين، وترسيخا لمجموعة من المبادئ العامة التي ينبغي على كل باحث في المجال الصوفي، أن ينتبه إليها، ويأخذها بعين الاعتبار، أثناء ممارسة البحث أو التحقيق. وفيما يلي أهم الضرورات المنهجية والفكرية:
- ضرورة ربط الخطاب الصوفي بسياقه التداولي، إذ لكل خطاب خصوصياته.
- الخطاب الصوفي خطاب منفتح، ومن هنا تستقى قيمته الكبرى، ارتباطا بأصله الديني الإسلامي الشرعي وأصله الإنساني الوجودي الكوني.
- البناء الببليوغرافي للموضوع يتطلب في المغرب الانفتاح على أنواع من الكتابة والتأليف (التاريخ، التراجم..).
- ضرورة تكاثف الجهود بين التخصصات المتفاعلة مع الخطاب الصوفي؛ الفلسفة، علم النفس، التاريخ..
- ضرورة التأقلم مع خصوصية التراث المغربي، حيث جله مخطوط، ومن ثم ضرورة التحلي بكفاءات التحقيق.
- ضرورة الانتباه إلى التحقيقات الضعيفة، بإعادة التحقيق.
- ضرورة استخلاص هوية التواصل من داخل الخطاب الصوفي، إلى جانب الإفادة من الدراسات والنظريات القائمة في المجال التواصلي.
- ضرورة التقصي والبحث ارتباطا بالموضوع من حيث السبق إليه، مع عدم إغفال ما يوجد في الغرب.
- الخطاب الصوفي بهويته التواصلية، وبارتباطه بالأصل الشرعي، هو خطاب كفيل بتبيان البعد التواصلي الإيجابي القائم في الخطاب الديني الإسلامي، وكذا الإسهام في بناء المجتمع الإنساني..
- ضرورة الانتباه إلى تعدد المشارب، التي يفتحها البحث، انتباه الحرص، حتى لا يزيغ الباحث إلى عناصر كثيرة دون أن يشبع نهم البحث فيها جميعا. لذلك فإن الذي ينطلق من جزئية، لا خوف عليه.
- ضرورة الضبط الببليوغرافي، من خلال مراجعة الكشافات الموجودة (فهرس مخطوطات الخزانة الملكية، فهرس المكتبة الوطنية..).
اختتام اليوم التكويني:
اختتمت أشغال هذا اليوم، بكلمة رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك الدكتور عبد الله معصر، الذي لخص منهج البحث بشكل عام في ثلاث نقاط أساس:
1- تحقيق تراكم على مستوى المعلومة.
2- عملية التنقيح والاختبار والتقويم لما تراكم.
3- إبداع خطاب (الكتابة).
ثم دعا المستفيدين من هذا اليوم التكويني للقيام بجولة داخل المركز، لتعرف مرافقه؛ كالمكتبة وقاعة الباحثين ومكتب الإدارة..، وختم اللقاء بتوزيع شهادات المشاركة على الباحثين.
انطباعات حول التكوين: كلمة شكر
على الرغم من الانشغالات العلمية والإدارية المتعددة للدكتور عبد الله معصر رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك ، إلا أنه أبى إلا أن يحضر التكوين لإفادة الباحثين ودعمهم وتشجيعهم، ووضع إمكانات المركز رهن إشارتهم، وليس هذا غريبا على أستاذ تخرجت على يديه أجيال من الباحثين، ولا يزال يواصل إسهامه في البحث، تدريسا، وإشرافا، وتأليفا ونشرا. ولذلك فمن باب الاعتراف بالفضل وتقدير أهله، أوجه كلمة شكر عميقة لهذا الرجل العظيم.
رجل ثان أبى إلا أن يفيد الباحثين كعادته كلما سنحت الفرصة، فأغدق على المشاركين في التكوين من فيض موهبته وعلمه، ومن خزائن تجربته وفنه، ما أنار به دروبا مظلمة وأضاء به عتمات تعترض طريق باحثين مبتدئين في المجال. يتعلق الأمر بخبير التصوف المغربي الدكتور عبد الوهاب الفيلالي رئيس ماستر: التصوف في الأدب المغربي؛ الفكـر والإبـداع. والذي مهما قيل في حقه من كلمات شكر وثناء، فلن نوفيه جميله وسنظل مدينين له للأبد.





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات