لهم أذرع في مجالات الحياة المختلفة.. ومعاهد.. وقناة فضائية.. وإذاعة FM.. وبعضهم أساتذة جامعات
مصلون في المسجد الكبير بالخرطوم.. ولم يسلم المصلون في أكثر من مسجد في العاصمة السودانية من هجمات شنتها جماعات متطرفة في السابق (أ.ف.ب)
الخرطوم: إسماعيل آدم
يحتدم الجدل في العاصمة الخرطوم حول ما يسمى بتنامي النشاط التكفيري العلني في البلاد، على خلفية إصدار رابطة دينية موصوفة بالتشدد فتوى بتكفير الحزب الشيوعي السوداني المعارض في السودان، ووصفه بأنه «سرطان» في المجتمع السوداني، فيما رفض الأخير بشدة بأنه كيان «كافر وملحد»، وبدوره وصف خطوة الرابطة بأنها «هوس ديني». وحرصت الحكومة على التزام جانب الصمت حيال المعركة بين الطرفين. وأعادت الواقعة إلى منابر الخرطوم سجل النشاط التكفيري في السودان، وما ارتبط في جوانبه بالعنف والأحداث الدامية. واندلعت الشرارة الأولى للمعركة القائمة حتى الآن بين الحزب الشيوعي والرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان، أثناء احتفال للحزب في ضاحية «الجريف غرب» شرق العاصمة السودانية بمناسبة افتتاح دار للحزب فيها، حيث وقع اشتباك بالأيدي بين عناصر من الطرفين، تباينت الروايات حول ملابساتها. ففيما تقول الرابطة إن عناصرها ذهبت إلى مكان الاحتفال لتوزيع بيان للرابطة حول نشاط الحزب الشيوعي، يقول الأخير إن ما حدث بمثابة اقتحام من قبل عناصر الرابطة على المحتفلين، وكان أحدهم يحمل «سلاحا أبيض».
وتقول الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان، وهي تضم أسماء دينية لامعة في البلاد بينهم أساتذة جامعات إن تكفير الحزب الشيوعي ليس بالأمر الجديد، وإنما جرى تكفيره من قبل الأزهر الشريف في السبعينات من القرن الماضي. وقال الدكتور علاء الدين الزاكي، الناطق باسم الرابطة لـ«الشرق الأوسط»، إن الحزب الشيوعي خرج من جحره وصار يتمدد مثل السرطان في المجتمع. وينظر الحزب الشيوعي إلى الفتوى بعين سياسية، وليست دينية، ويرى أن توقيته يدل على ذلك، وقال يوسف حسين الناطق باسم الحزب الشيوعي لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه ربط الأمر بالموقف السياسي السائد في البلاد، لأن هناك جهات توجست خيفة من انتظام أحزاب المعارضة في التنسيق مع بعضها في القضايا الأساسية مثل التحول الديمقراطي وتنفيذ اتفاقيات السلام والانتخابات، وقال حسين «منذ شهرين تقريبا قرأنا بأن المؤتمر الوطني لديه مصلحة في نسج مؤامرة للقضاء على التنسيق بين المعارضة ونسف لقاء جوبا بين القوى السياسية السودانية وهناك منهم من يتحدث عن عودة الإنقاذ إلى سيرتها الأولى. وحسب تجربتنا فإن الحزب الشيوعي دائما هو الحائط القصير». واعتبر الخطوة هوسا دينيا، وقال إن الهوس الديني خارج من تحت عباءة حكم الإنقاذ، أي نظام حكم الإسلاميين، وليس من خارجه، حسب تعبيره. ويرى حسين أن نشاط الرابطة نشاط سياسي في المقام الأول، واعتبر أن الفتوى بتكفير الحزب هي «تكفير سياسي»، وليس «تكفيرا دينيا».
وتنفي الرابطة بشدة، وعبر عدة منابر، بأنها عندما لجأت إلى الخطوة كانت تفكر في أي أمر سياسي، وإنما ما دفعها إلى الخطة «هو خروج الحزب الشيوعي من جحره وسعيه للتبشير بالإلحاد وسط الناس»، طبقا لمسؤولين في الرابطة. وقال الداعية الدكتور علاء الدين الزاكي في هذا الخصوص «نحن لسنا رابطة سياسية»، فيما قال الشيخ محمد عبد الكريم، وهو قيادي في الرابطة وأستاذ في جامعة الخرطوم وخطيب مسجد في ضاحية الجريف غرب، إن الرابطة لا علاقة لها بالسياسة، ولا علاقة لفتوى تكفير الحزب الشيوعي بالسياسة، وشدد على أن الرابطة ليست جهة سياسية وإنما رابطة علمية مستقلة تتألف من علماء ودعاة وهم قادة فكريون معروفون في المجتمع وأساتذة في الجامعات وأئمة مساجد، وأضاف أن «الفتوى التي صدرت ليست موقفا مؤقتا ولا تكتيكا سياسيا يمكن التراجع عنه في المستقبل دون إعلان التوبة من قبل المعنيين بها». وتتحاشى المؤسسات الدينية الرسمية الخوض في المعركة، التي تدور بين الحزب الشيوعي ورافضي النشاط التكفيري من ناحية، والرابطة الشرعية والتكفيريين من الناحية الأخرى، وفي اتصال هاتفي بأحد النافذين في المؤسسات الدينية حول نظرته حيال ما يدور، اكتفى بالقول «أفضل الصوم عن الكلام في هذا الموضوع».
وترى تيارات إسلامية أخرى، بعدم جواز تكفير الأشخاص «المعينين»، لصعوبة إثبات الأمر لأنه يتعلق بضمائر الناس، وقال الداعية مبارك الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي السوداني لـ«الشرق الأوسط»، إن ما وصفه بالغلو في تكفير الآخرين من الأمور الخطيرة، وأضاف أن تكفير المسلم كقتله، ومضى «عليه انظر من يكفر طائفة من الناس كم من الأنفس يقتل»، وحسب الكودة «إننا مأمورون بحماية الأنفس فلماذا نقتلها بتكفيرها». وشدد الكودة على أنه «لا يجوز لأي داعية أو مسلم أن يكفر مجموعة من الناس لأن التكفير مكانه المحاكم، لما يترتب على مثل هذه الأمور من إجراءات مثل تطليق زوجة الكافر وألا يدفن في مقابر المسلمين، وغيرها من الإجراءات». ويقول الكودة «قد يكون هناك شخص منغمس في أفعال كفرية إلى أخمص قدميه ولا يلزم تكفيره وإقامة الكفر عليه لأن الحجة لم تقم»، وعليه يرى بأنه لا يجوز تكفير المعين، فردا أو جماعة، وشدد «من هنا لا يمكن الحكم على أفراد الحزب الشيوعي بأنهم كفار». ويشدد الكوة على أنه فقط علينا أن نكتفي بأن نقول «هذا الفعل كفر خوفا من أن الكلمة لا تنزل في مكانها فترتد إلى المكفر».
ويرى الكودة أن النشاط التكفيري في البلاد في زيادة، ويفضل أن يطلق عليه «ظاهرة الغلو في التكفير». ويعزو الداعية الكودة ذلك إلى «أننا نسلك الطريق الخاطئ لمداواته»، وقال «يجب ألا نستخدم العنف مع التكفيريين ولكن يلزم نشر ثقافة الاعتدال بينهم بالحوار والمناقشة بدلا عن السجون».
ويقول رئيس حزب الوسط الإسلامي إن من يكفر الآخرين يعتبر وفقا للمصطلحات الحديثة «تكفيري»، ووفقا للمصطلحات القديمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم «خارج» نسبة إلى الخوارج الذين كفّروا أشخاصا وصحابة في دولة المدينة.
ويغضب التكفيريون في السودان من إطلاق هذا الصفة عليهم من قبل خصومهم ومخالفيهم في الرأي. أما الرابطة الشرعية فترى أن من يتهمها بذلك فهو يهدف إلى إشانة سمعتها، وقال علاء الدين الزاكي لـ«الشرق الأوسط» إن الرابطة تضم مجموعة من الدعاة والعلماء، وإنها «لا تكفر إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع». بينما يذهب الحزب الشيوعي في هجومه على الرابطة الشرعية إلى أبعد من اتهامها بالهوس الديني، حيث إن الرابطة تحمل أفكار تنظيم القاعدة، وقال سليمان حامد العضو البارز في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي إن أفعال الرابطة تتطابق تطابقا كاملا مع ما تقوم به التنظيمات الإرهابية، واستدل بأقوال للشيخ محمد عبد الكريم بأن «المجاهدين مثلما دحروا الشيوعيين في أفغانستان هم قادرون على فعل ذلك في السودان».
ويقدم منتقدو الرابطة قائمة من الفتاوى التكفيرية أصدرتها الرابطة في حق أشخاص وجهات، للتدليل على أنها رابطة تمارس تكفير الآخرين، ويذكرون في هذا الخصوص أن الرابطة كفّرت من قبل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض وإمام طائفة الأنصار الدينية في السودان وطالبته بالاستتابة، لأنه طالب بمساواة الرجل مع المرأة حتى في الميراث، كما كفرت مجموعة منسوبة للرابطة عبر شريط مسجل للدكتور حسن عبد الله الترابي زعيم الإسلاميين في السودان، بعد قيام الأخير بسلسلة من الفتاوى تتعلق بالمرأة وحور العين، وشاركت عناصر من الرابطة في بيان شهير أصدرته مجموعة من العلماء في السودان في عام 2000 يكفرون فيه الحزب الشيوعي وعددا من الكتاب في الصحافة السودانية، وإصدار الرابطة لفتوى تكفر الحركة الشعبية ومن ينتمي إلى الحركة الشعبية، كما كفّروا الصحافي السوداني الراحل محمد طه محمد أحمد، عندما نشرت صحيفته «الوفاق» قبل خمسة أعوام مقالا لكاتب اسمه «المقريزي»، يقلل فيه من شأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ويقول خبراء في شؤون الحركات الدينية تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن الرابطة الشرعية تكونت بعد أن رأى مجموعة من عناصرها وهم أعضاء في «هيئة علماء السودان» وهي هيئة ينظر إليها على أنها موالية للحكومة في قراراتها، بعد أن رأت المجموعة أن الهيئة «تتساهل في بعض الأمور التي تتطلب فتاوى واضحة» فخرجوا وكونوا الرابطة فيما ظلت عضويتهم في الهيئة باقية، ومن أبرز قادتها الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد وهو رئيس الرابطة، والدكتور علاء الدين الزاكي الناطق باسم الرابطة، والدكتور محمد عبد الكريم قيادي ناشط في الرابطة، والدكتور محمد عبد الحي، ويقولون إن أغلب قياداتهم أساتذة في الجامعات، وتخرجوا في الجامعات السعودية مثل جامعتي أم القرى والمدينة المنورة، حيث تخرج محمد عبد الكريم في جامعة أم القرى وهو أستاذ في جماعة الخرطوم، كما درس الدكتور عبد الحي يوسف في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
ويعتقد أن الدكتور العبيد عبد الوهاب أستاذ اللغة في جامعة الخرطوم الذي قتل قبل شهرين في مطاردة مع رجال الأمن لإلقاء القبض عليه، يعتقد بأن له علاقات قوية مع عناصر في الرابطة، وكانت سلطات الأمن اتهمت عبد الوهاب بأنه يروج لأفكار متشددة، وأنه كان ينوي السفر للجهاد في الصومال ويحرض الآخرين على الخطوة ذاتها، فأرادت التحقيق معه إلا أنه اختفى، وعندما عثر عليه بعد أيام، دخل معه فريق من الأمن في مطاردة حيث كان يستقل دراجة بخارية، قذفه أحد السكان بحجر أصابه في مقتل فسقط من دراجته صريعا فارق الحياة في الحال، غير أن ذوي القتيل وأصدقاءه وزملاءه يتشككون في الرواية التي ترددها الأجهزة الأمنية، كسبب في مقتل عبد الوهاب. ويقول الخبراء إن هناك منظمات كثيرة في الخرطوم ينظر إليها على أنها أذرع للرابطة في مجالات الحياة المختلفة، ومنها منظمة دعوية باسم «مشكاة» وأخرى باسم «ذو النورين»، وقناة فضائية دينية أطلقت أخيرا باسم «طيبة»، وإذاعة تعمل على موجة الـ «FM»، ومعهد «الإمام مسلم للدراسات الإسلامية»، وهي مؤسسات يرى الخبراء أنها تقوم بأعمال دعوية. ويرى كثيرون أن تنظيم «قوى المسلمين» الطلابي، الذي ينشط في عدد من الجامعات السودانية، خاصة جامعة الخرطوم، متأثر بصورة واضحة بأفكار قيادات نافذة في الرابطة. وتتباين الروايات حول ظهور الجماعات التكفيرية في السودان، فهناك من يرى بأنهم ظهروا في السودان في الثمانينات من القرن الماضي، أي بعد أعوام من ظهور جماعة «التكفير والهجرة» في مصر، بزعامة «شكري مصطفى» وهي جماعة تكونت في معتقلات الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، حيث كفّروا من داخل المعتقلات حكومة ناصر، ثم كفّروا المجتمع الذي يقبل بحكومة عبد الناصر التي تمارس التعذيب على الناس بالصورة التي تعرضوا لها هم في المعتقلات، ويقول خبراء في الخرطوم تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن سودانيا «اعتنق الفكرة من المصريين في أواخر السبعينات، وبدأ نشرها في السودان، ولكنه تركها وألف كتابا أدان فيه الفكر التكفيري بشدة. ويقسم الخبراء التكفيريين في السودان إلى نوعين: الأول «تكفير وهجرة» وهؤلاء حسب الخبراء عددهم قليل جدا، والثاني جماعات تكفّر الأشخاص أو كيانات مثل الحزب الشيوعي وغيرها من الكيانات، وهؤلاء موجودون تحت سقف لافتات عديدة في السودان، وتظهر و«تختفي عند اللزوم»، حسب الخبراء، ويرجح بأن السياسيين في كثير من الأوقات يستعينون بهم لتمرير أجنداتهم السياسية. ويقول إن أغلب التكفيريين في السودان هم من يسمون من قبل الباحثين في مجال الحركات الدينية بـ«القطبيين» نسبة إلى سيد قطب، وهؤلاء تفكيرهم يزاوج بين تفكير الإخوان المسلمين وجماعة التكفير والهجرة، كما يطلق عليهم أيضا بـ«السروريين» نسبة إلى مؤسس جماعة تنزع إلى التكفير في السودان يتزعمهم شخص اسمه «سرور».
ويعتقد الخبراء أن النشاط التكفيري ظهر بصورة واضحة في التسعينات من القرن الماضي، وأن أول من تصدى لهم هم جماعة أنصار السنة المحمدية، بعد أن شعروا بانتشار الفكر التكفيري بصورة متصاعدة، ودخلوا في صراعات متعددة بلغت ذروتها عندما قامت مجموعة تعرف بأنها تفكيرية ولها صلة بعرب أفغانستان الذين دخلوا السودان مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، قامت هذه المجموعة بزعامة «محمد الخليفي» بشن هجوم على مسجد في حي الثورة الحارة الأولى في مدينة أم درمان يعتبر أحد معاقل جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان، أثناء صلاة الجمعة حيث يؤم فيها المصلين الشيخ أبو زيد محمد حمزة أحد أشهر قيادات أنصار السنة في السودان، وأسفر الهجوم عن مقتل 20 شخصا وجرح العشرات، وطوي الملف فيما بعد، بمحاكمة الخليفي في الخرطوم، وصدر الحكم في حقه بالإعدام شنقا حتى الموت، ونفذ عليه الحكم. وواصل التكفيريون حملتهم على أنصار السنة، فيما عرف بحرب المساجد في العاصمة والولايات. وفي عام 2001 هاجم أحد المنسوبين إليهم ويدعى «عباس الباقر» أحد مساجد جماعة أنصار السنة المحمدية السلفية في ضاحية «الجرافة» شمال مدينة أم درمان أثناء صلاة التراويح، وحصد ببندقية كلاشينكوف أرواح 20 من المصلين وأصيب في الحادثة 33 مصليا، وقتل منفذ الهجوم في مكان الحادثة.
وفي النصف الأول من التسعينات من القرن الماضي حمل «تكفيري» سكينه ودخل دار الفنانين السودانيين، وبحث عن مطربين سودانيين بأسماء محددة، وعندما أشاروا إليه بأن الذي يجلس هناك هو الفنان «خوجلي عثمان» انقض عليه وسدد له طعنات أودت بحياته في الحال، كما تعرض في الحادثة ذاتها الفنان السوداني «عبد القادر سالم» إلى إصابة بسكين «التكفيري».
في النصف الأخير من التسعينات تحركت مجموعة من التكفيريين من مسجد شهير في ضاحية الكلاكلة بجنوب الخرطوم وتوجهوا، راجلين إلى قرية مجاورة لمدينة «ود مدني» ثاني أكبر مدينة سودانية، نحو 400 كيلومتر جنوب الخرطوم، ودخلوا هناك مع جماعة تكفيرية أخرى مناوئة، في اشتباك بالأيدي والأسلحة البيضاء، لم تخلف قتلى، ولكنها خلفت جرحى من الطرفين.
ويضع الخبراء في العاصمة السودانية واقعة اغتيال الدبلوماسي الأميركي مايكل غرانفيل وسائقه في شوارع الخرطوم في مطلع عام 2008 «ليلة رأس السنة»، ضمن النشاط التكفيري في السودان، ويستدلون بأقوال المتهمين، ومن بينهم عبد الرءوف محمد أبو زيد زعيم جماعة أنصار السنة الذي درس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، حيث قالوا إنهم خرجوا في تلك الليلة فقط يبحثون عن الكفار في شوارع الخرطوم، وعندما عثروا على الدبلوماسي وسائقه أطلقوا عليهما النار من بنادقهم دون أن يدروا من هم الذين بداخل السيارة، ولكنهم عرفوا فقط أنهم «خواجات كفار».
ولا يتردد الخبراء في القول بأن من قاموا العام الماضي بتفجير أسلحة في منزل في ضاحية «سوبا» جنوب الخرطوم، بانفجار هائل هز العاصمة السودانية، أثناء قيامهم بتجريب نوع من السلاح، بأنهم مجموعة من المتأثرين بالأفكار التكفيرية، وأشارت التحقيقات معهم، حسب مصادر مطلعة، إلى تأثرهم بقيادات دعوية سودانية لها نزوع تكفيري، وبعضهم تتلمذ على أيدي دعاة وعلماء دين مشهورين في الخرطوم. وقال ناشط في جماعة أنصار السنة المحمدية في الخرطوم طلب عدم ذكر اسمه لـ «الشرق الأوسط» إن التكفيريين في السودان، ليسوا في حالة تنظيم دائم، ومن الصعب أن تجد لهم كيانا معروفا، ولكنهم جماعات تتحرك، وفقا لتواتر الأحداث؛ تجدها تتحرك في الغالب من داخل مساجد منتشرة في العاصمة والولايات، خاصة ولاية الجزيرة، وأوضح «لهم وجود واضح في مناطق أبو قوته» جنوب الخرطوم، ويعتقد الناشط أن التكفيريين في السودان «يسهل اختراقهم لأنهم ليسوا في تنظيم ويكمن أن توجههم أية جهة منظمة أخرى بالطريقة التي تراها». ويرجح الناشط في أنصار السنة بأن الحكومة في التسعينات من القرن الماضي عندما كانت في حالة صدام مع معارضيها استعانت بهم لتوجيه ضربة لأنصار السنة. فيما قال مصدر حكومي مطلع إن الحكومة تتحاشى الدخول مع التكفيريين في مواجهة، وأشار إلى أنها اعتقلت قيادات منهم بعد وقوع أحداث عنف يكون للتكفيريين ضلع فيها، ودخلت معهم في حوارات داخل السجن، قبل أن تفرج عنهم، وقال «بعضهم تخلى عن النهج التكفيري والبعض الآخر بدأ يتحاشى الدخول في أية فتاوى تكفيرية ضد الحكومة، ولا يستبعد خبراء من أن قطاعات حكومية تستفيد من وقت لآخر من الجماعات التي تحمل الأفكار التكفيرية «لإثارة الرأي العام» لتمرير بعض إجراءات أو قرارات أو توجهات. ولكن هناك من يرى أن الفكر التفكيري في السودان يعود إلى عهد مملكة سنار في عام 1504، وكانت تعرف أيضا بمملكة الفونج والسلطنة الزرقاء وكان لقب «السنانير» يطلق على رعاياها، والتي تعتبر أول دولة عربية إسلامية قامت بالسودان بعد انتشار الإسلام واللغة العربية، وقال باحث سوداني في شؤون الحركات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» إن التكفيريين ظهروا في هذا العهد ووجدوا الرعاية من قبل السلطة وكانت تستعين بهم لردع المعارضين في أوقات محددة، ويقول «كما استعان بهم حكام الدولة العثمانية التركية خاصة محمد علي باشا أثناء حكمه للسودان، لوضع حد لنشاط معارضي دولته في السودان، ولكن البحث قال إن الثورة المهدية في السودان التي فجرها محمد أحمد المهدي في عام 1881، ضربت التكفيريين، وكادت تنهي وجودهم، وكان المهدي يسميهم «علماء السوء»، ويرى أن الاستعمار الإنجليزي الذي بدأ في السودان عام 1885 استعان بهم عبر ما سمي بـ «مجلس علماء أم درمان» في تمرير الكثير من القضايا المحلية، دون أن يتعرض المستعمرون لضغوط محلية، ويواصل الباحث السوداني الذي طلب عدم ذكر اسمه القول إن التكفيريين انتعشوا في عام 1903 في مسجد أم درمان الكبير، يصدرون الفتوى التكفيرية ضد جهات عديدة، ويقول إن وجودهم يعلو ويهبط، فيما بدا عاليا عندما نشط الجمهوريون في السودان، ودخل معهم نميري في مواجهات، جعلت نميري يستعين في نهاية المطاف بأفكار تكفيرية لمحاكمة زعيم الجمهوريين محمود محمد طه بتهمة الردة وشنقه حتى الموت. ويعتقد أن الحرب الكلامية التي دارت بين الإسلاميين السودانيين بعد خلافهم الشهير بين الرئيس عمر البشير وزعيم الإسلاميين حسن الترابي، المعرف بـ«صراع البشير ـ الترابي» أدت إلى استدعاء كل طرف من الطرفين أفكارا تكفيرية للنيل من خصمه، فيما عرف بـ «حرب الآيات»، في عام 1999. ويعلق على واقعة تكفير الحزب الشيوعي المفكر الإسلامي الطيب زين العابدين، بالقول إن القانون الجنائي يجرم العديد من الجرائم بينما لا يجرم الجنائي تهمة التكفير التي تعد أخطر من كل تلك الأفعال لأنها تهدد حياة الأفراد والمتهمين كما تهدد أمن المجتمع وسلامته، وحسب زين العابدين فإنه «يصبح الأمر شاذا وغريبا إذا تعرض المرء لتهمة التكفير حين يمارس حقا سياسيا وفكريا يكفله له القانون والدستور! وإذا ما تهاونت الدولة في هذا الأمر فلن يقف عند هذا الحد». فيما حذر عثمان عمر الشريف، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، في تصريحات في الخرطوم من مغبة تكفير الأفراد أو الأحزاب والمطالبة بوقف نشاطها من قبل جهات ما أو أفراد في المجتمع مهما كانت مكانتهم، وقال شريف «الذين لديهم ملاحظات أو طعون على الحزب الشيوعي كان يجب تقديمها في فترة الطعون التي أعقبت تسجيل الحزب، أما وأن تفعل ذلك الآن فإنني أشتم رائحة سياسية في الأمر». ومنذ عام 2003 أنشأت مجموعة من الكتاب والمحامين والصحافيين كيانا باسم «حركة من أجل الضمير» هدفها التصدي للنشاط التكفيري في البلاد، ورفعت في العام ذاته مذكرة للرئيس عمر البشير تدعوه فيها إلى العمل على وقف النشاط التكفيري في البلاد، خاصة باعتبار أنه توجه يقود البلاد إلى دائرة العنف، ولكن الحركة، لا يعرف لها نشاط منتظم.
التعليقات (0)