مواضيع اليوم

تكرار لسيناريو البلقان أم العراق؟

ممدوح الشيخ

2010-02-28 15:24:37

0


تكرار لسيناريو البلقان أم العراق؟
المرشحون الجنوبيون في الطريق لكرسي الرئاسة السوداني


تقرير: ممدوح الشيخ


جارانج في محاضرة قبل عشرين عاما: سنحكم الخرطوم!

معظم قادة الحركة الشعبية وجماهيرها يريدون حلاً من كلمة واحدة "الانفصال"!

قراءتان لعدم ترشيح سلفا كير للرئاسة: زهد في المنصب واليأس من إمكانية الفوز.. أو صفقة مع البشير

الصوت الجنوبي قد يذهب للبشير... برعاية سلفا كير.. مقابل ترك رئاسة حكومة الجنوب له

أكثر من ربع الناخبين جنوبيون.. ولو توحد "الصوت الجنوبي" سيكون حاسماً.. لأنه مؤثر حتى في الشمال

فكرة انتخاب رئيس جنوبي للسودان بحد ذاتها أصبحت ذات بريق لأطراف سودانية أخرى

رئيس حركة العدل والمساواة يحذر من "كارثة شاملة" ويدعو لترك الترشح للرئاسة للجنوبيين!

خبراء يحذرون من "النموذج الباكستاني" عند انفصال جنوب السودان

أطراف إقليمية تحذر من حروب ومذابح على أكثر من جبهة ويرجحون الانفصال بقوة

في مقدمة الصراعات المحتملة صراع مسلح بين فصائل الجنوبيين ...وتدفق الأسلحة بدأ بالفعل


 

خمسون عاما من الحرب سقط فيها مليونا قتيل لم تستطع رأب الصدع بين جنوب السودان وشماله بينما يأمل السودانيون أن تجبر الاتفاقات الموقعة كسور السودان، وأم تأتي الديموقراطية بالتوافق الذي كلف غيابه السودان كثيرا. وقد دفع الشماليون والجنوبيون معا ثمن الصراع على هوية السودان، فلا الشماليون نجحوا في الاستئثار – وحدهم – بالسلطة والثروة، ولا الجنوبيون نجحوا في أن يستخدموا "حق الفيتو" ضد انتماء السودان لمحيطه العربي، وبوفاة جون جارنج وحلول أجل الاستحقاقات الانتخابية، يبدو الجنوبيون مرشحين بقوة لإيصال أحد أبناء الجنوب لكرسي الرئاسة في الخرطوم.
بين العراق ويوغوسلافيا
ووصول مرشح جنوبي للمنصب يعني أحد احتمالين: أن تخطو السودان خطوة أولى بطريق "سيناريو" البلقان عندما تسبب رفض الصرب تسليم الرئاسة لعضو مجلس رئاسة كرواتي في فتح الباب لانفصال كرواتيا، ومن ثم اندلاع حرب أهلية استمرت سنوات وسقط فيها مئات الآلاف من القتلى وامتدت لتشمل البوسنة والهرسك. كانت وفاة الرئيس اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو قد خلفت فرغا كبيرا في السلطة تم ملؤه بتشكيل مجلس رئاسة جماعي من المجموعات السكانية المكونة للاتحاد اليوغوسلافي مع هيمنة ظاهرة للصرب على مقدرات الدولة.
وعندما جاء دور ممثل كرواتيا سيتو ميسوفيتش لتولي الرئاسة تحت ضغط من الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسفيتش، فاشتعلت الحرب الأهلية ثم تفاقمت عندما ساند الجيش اليوغسلافي الاتحادي صربيا بحكم انتماء معظم كبار الضباط إليها وعجزت رئاسة البلاد في حل الأمور وانتشر الخلاف السياسي بين زعماء البلاد فانفلت الجيش من أيديهم وعجزوا عن ضبط زمام الأمور.
والاحتمال الثاني: أن تكون السودان على طريق النموذج العراقي حيث يتولى الرئيس الكردي جلال الطلباني رئاسة الدولة دون أن تكون له سلطات تنفيذية تذكر، في إشارة إلى أن التاريخ أنصف الأقلية الكردية التي ظلت طوال حكم البعث موضوع إقصاء وتهميش واضطهاد.
وبين السيناريوهين البلقاني باحتمالاته الخطيرة والعراقي بدلالاته الرمزية يعبر السودان عنق زجاجة قد "تنفرج" بعده الأزمة وقد "تنفجر"!
حلم جارانج القديم
وقد أسفرت الأسابيع القلية الماضية عن ترشيح اثنين من السياسيين الجنوبيين للمنصب مدعومين بزخم سياسي وترحيب دولي، وقبل هذا وبعده، تراجع كبير في مكانة المؤتمر الوطني الحاكم بسبب أزمات داخلية كبيرة وانتقادات دولية أكبر.
وطموح الجنوبيين إلى حكم الخرطوم ليس جديدا، ففي صيف عام 1989، وقبل حوالي أسبوعين من انقلاب حزيران/ يونيو الذي أطاح بالديمقراطية الثالثة في السودان، قال الزعيم السوداني الراحل العقيد جون قرنق في محاضرة له بمركز إفريقيا بلندن، إن ثمة ضرورة لتغيير سياسي جذري في البلاد. كان جارانج يتحدث بعد أن قبول الحكومة السودانية وقتها الاتفاقية التي وقعت بين الجنوبيين وزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي عثمان الميرغني بإثيوبيا (تشرين الأول/ نوفمبر 1988).
كان حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي ومعه الجبهة القومية الإسلامية بزعامة حسن الترابي عارضا تلك الاتفاقية، وأدت ضغوط داخلية خارجية لإسقاط الحكومة (شباط/ فبراير 1989)، وبناء على هذه الاتفاقية قال جارنج إنه يعتزم قيادة الحركة الشعبية في الانتخابات متوقعا أن تربح الحركة كل مقاعد الجنوب (68 مقعداً آنذاك) مضافا إليها 30 مقعداً أخرى من مناطق السودان الأخرى. وختم قائلاً: "إن الصادق المهدي يتولى رئاسة الوزارة اليوم وحزبه لا يمتلك سوى 100 مقعد"!!
وبعد المسار التفاوضي الطويل فإن هدف الحركة الشعبية لتحرير السودان قد تحول من "اقتسام السلطة والثروة" إلى الطموح إلى حكم السودان كله، وأصبح صندوق الانتخابات وحده ما يحدد ما إذا كان بإمكان الجنوبيين أن يحكموا السودان كله أم لا!.
وطموح جارنج الذي بدأ يجد طريقه للتحقق جزء من رؤية أشمل يقصد بها مفهوم "السودان الجديد" كما بشر به جارانج، وتطبيقه العملي أن تتولى الحركة الشعبية الحكم في السودان في إطار تحالفات مساندة لها، وهو ما لم يكن موضع إجماع بين قادة الحركة الشعبية ولا بين جماهيرها، ممن كانوا يريدون حلاً مبسطاً يتمثل كلمة واحدة "الانفصال"!
بين الترضية والصفقة
وهذه الخلفيات أدت إلى وجود ثلاث قراءات للوجود الجنوبي في خارطة مرشحي الرئاسة:
الأولى تقوم على أن ترشيح ياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة للرئاسة بدلاً من رئيسها سلفا كير، أو أمينها العام باقان أموم، يعني زهدا في منصب الرئيس ويأس ضمني من إمكانية الوصول إليه.
الثانية: أن اختيار عرمان خطوة ذكية قصد منها حرمان المؤتمر الشعبي من ميزة أن يبدو أكثر وحدوية باختياره عبد الله دينق نيال، وهو جنوبي مسلم، مرشحاً رئاسياً، لكنه من ناحية أخرى أيضا ينتمي إلى قبيلة "الدينكا" أكبر قبائل الجنوب، ما يمكن أن يساهم في إنهاء الحديث عن احتكار الشماليين للمناصب الكبرى. والمؤتمر الشعبي في النهاية حركة قاعدتها في الشمال تختار مرشحاً رئاسياً من الجنوب لأول مرة في تاريخ السودان.
فضلا عن أن اختيار مسلم جنوبي مرشحا تشيع مناخا من التعايش والقبول الديني بين المسلمين والمسيحيين وتحول المنافسة إلى منافسة وطنية لا يتم الفرز فيها بناء على الدين، بعد أن كان الخطاب العام السائد يركز على الجنوب كطرف مسيحي في مواجهة الشمال كطرف مسلم في حرب وجود مفتوحة انتهت إلى لا شيء!
القراءة الثالثة ترجح أن ثمة صفقة تحت الطاولة بين الرئيس البشير والقيادي الجنوبي سلفا كير ميارديت حيث أحجم حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن ترشيح منافس لسلفا كير على منصب رئيس حكومة السودان، وبالتالي ربما فتح الباب لصفقة يذهب جزء كبير من الصوت الجنوبي – برعاية سلفا كير – للرئيس البشير، وكثيرون لا يعرفون أن أكثر من ربع الناخبين هم من الجنوب، ما يعني أن الصوت الجنوبي سيكون حاسماً لو توحد ولا يقتصر ذلك على أصوات الجنوبيين في الجنوب، فالصوت الجنوبي في الشمال موجود ومؤثر حتى أن الشماليين يعبرون عن ذلك بتعبير "الشمال أسمر".
وفي المقابل يحتفظ سلفا كير بسهولة بحكم الجنوب، بينما يبقى لمرشحي الجنوب المتنافسين على منصب الرئيس الدلالات الرمزية لا أكثر!!!
فكرة براقة
وقد أصبحت فكرة انتخاب رئيس جنوبي للسودان – بحد ذاتها – ذات بريق بالنسبة لأطراف أخرى في السودان، فمثلا، الدكتور خليل إبراهيم رئيس "حركة العدل والمساواة" السودانية التي تحمل السلاح في إقليم دعا إلى توافق سوداني على رئيس جنوبي ليحكم السودان كله. محذرا من أن الانتخابات المقبلة في السودان لن تقود إلى تحول ديموقراطي بل إلى "كارثة شاملة". والنظام السوداني لا يريد السلام. ويرى الدكتور خليل إبراهيم أن البشير يسعى إلى انتخابات تبقيه في الحكم لشرعنة نظامه ومواجهة المحكمة الجنائية الدولية. والانتخابات بالنسبة للبشير لن تتعدى توزيع صناديق الاقتراع ومنح بعض الناس جوالات سكر للتصويت دون برنامج، فالقادر هو من يسيطر. وبناء على ذلك يدعو رئيس حركة العدل والمساواة صراحة إلى: "ترك الترشح لرئاسة الجمهورية للجنوبيين"!
السيناريو الباكستاني الهندي
وإذا كان ترشيح أكثر من مرشح جنوبي يشير إلى رغبة في إنقاذ الوحدة بعد أن ضاعت الفترة الانتقالية التي كانت مخصصة لجعل خيار الوحدة جاذبا، فإن خيار الانفصال يظل واردا، والمخاطر التي يمكن أن تترتب على الانفصال لا يكفي لدرئها تأكيد قيادات النظام السوداني أنهم سيقبلون خيار أهل الجنوب إذا قرروا الانفصال. ويستحضر خبراء "النموذج الباكستاني" التي ترفق انفصالها عن الهند بمذابح واسعة رافقت عملية تبادل سكاني كبيرة سقط فيها مئات الآلاف من القتلى.
وعلى أرض الواقع في السودان هناك مخاوف لها ما يبررها بينها مخاطر نشوب حروب ووقوع مذابح على أكثر من جبهة. وبعض العليمين بالشأن السوداني يؤكدون أن نتيجة الاستفتاء المقرر تنظيمه العام المقبل تكاد تكون محسومة لصالح انفصال جنوب السودان عن شماله.
والخطر المقبل هو عندئذ سيكون كبيرا وفي مقدمة الصراعات المحتملة صراع المسلّح بين فصائل الجنوبيين. وما يجعل هذا الاحتمال واردا بقوة تدفق الأسلحة من الآن. والمخاوف لا تقتصر على هذا بل تمتد لتشمل أيضاً احتمال وقوع مذابح متبادلة لإجراء تهجير واسع للجنوبيين اللاجئين منذ سنوات في ضواحي الخرطوم، ولأبناء الشمال الموجودين في المناطق الحدودية التي ستشهد نزاعات مؤكدة بين الشطرين اللذين سينقسم إليهما السودان. وهناك أكثر من ميليشيا مسلحة تنشط في المناطق الجنوبية.
فهل يؤدي وصول مرشح جنوبي لمنصب الرئيس في السودان – وهي خطوة رمزية – إلى إنقاذ بلد أنهكته الصراعات على الرموز والهوية أم تفتح الباب لصراعات حقيقية تلطخ خريطة السودان كلها بالدم؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !