مواضيع اليوم

تقوب في الثوب العربي

جمعة الشاوش

2009-12-06 16:40:38

0


ثقوب في الثوب العربي

ثقوب الثوب العربي كثيرة...تُرى نُغيّر الثوب أم نرْتقُه؟..
حبّذا لو كانت المسألة تُعالج ببساطة الاختيار بين:رتْق الثّوب أم تغييره... إذا كان الثوب العربي رمزا للهوية وإفصاحا عن الملامح والذات فإنّ القضيّة أخطر وأعمق.
التخلّي عنه ليس تنكّرا له فحسب إنّما هو لا يكفي...يستوجب،أيضا،القدرة على اقتناء ثوب آخر مستورد وحذق طقوس ارتدائه وقبول الملامح الجديدة التي يُحدّدها للابسه...
لكن،قبل هذا،ما هي ثقوب "الثوب العربي" التي أخجلتنا وأعاقت نهضتنا وعسّرتْ علينا التّواصل مع الآخر؟..
...من تلك الثقوب:
-الحلم العربي واحد،والتجسيم يُصاغ بصياغات عديدة مخادعة أو رديئة أو مشوّهة أو منقوصة...وهي صياغات يُدلّل عليها الواقع فيما نُسمّيه بالإقليميّة الضيّقة أو تشتّت الصفّ العربي وما شابه من تسميات...
-الاستهانة بالنّخب الفكرية العربية وتهميشها وتواضع الاستثمار في المعرفة،فضلا عن أنّ المفكّر العربي لا يكون جديرا ،في منظورنا،بهذه التسمية إلا إذا كانت مرجعيّته فكر الغرب أو فكر الآخر...
-غياب آليات حوار جدّيّة تُنظّم العلاقة مع الأنا(بين العرب فيما بينهم)من جهة ومع الآخر من جهة أخرى،تستفيد من الموروث القيمي وتكبح السلوك المتهوّر وتقدح فكر الإبداع...إلى حدّ أنّنا قد لا نبالغ إن ادّعينا أنّ الحوار العفوي والطوعي الذي أتاحته تكنلوجية "الانترنات"-بواسطة "الفيسبوك" وما شابهه من مدوّنات وغيرها-هو أكثر عمقا وصدقا وصراحة وتعبيرا عن المأزق الحضاري الذي نروم معالجته وعن طبيعة "الثقوب" الحقيقية التي يشكو منها "الثوب العربي"...
من تلك الثقوب،أيضا،ما لا نراه إلا من خلال نظرة الآخر لنا،وهي نظرة ليست موضوعية ولا محايدة،ما دامت تستعمل منظاره وذوقه الجمالي ومعاييره التقييمية وتنطلق من سعيه المشروع إلى المحافظة على تفوّقه وتأمين مصالحه،حتى إن أضرّت بمصالحنا أو كان طريقه الأيسر لتحقيقها على حسابنا ...
من الثقوب التي نراها في ثوبنا من خلال قرارات الآخر إيماء وتلميحا أو تهديدا وأوامر للتنفيذ:
-قصورنا عن استيعاب حضارته الحديثة رغم أنّه استعمرنا وما يزال،وعلّمنا بيانه وسحره وإفكه،وقبلنا بتعاليمه راغبين أو مكرهين،ونهلنا،وما نزال،من معين ثقافته وإفرازاتها،لكننا-والحال أننا نجلد ذاتنا لإقرارنا بقصورنا-لا نجد لديه من وصفة جديدة لنتداوى بها إلا اتّهامنا بالإرهاب...بكراهية اليهود...بقمعنا للمرأة وولعنا بها إلى حدّ الزّواج بأكثر من واحدة...ب"تلويثنا" لسحر الكون بفكرنا الغيبي...باعتدائنا على الذوق الغربي بمآذننا وجلبابنا وعمامتنا وحجابنا...بعدائنا للديمقراطيّة والحال أننا نهيم بها لكنّها تستنكف ولوج "خيمتنا"...
إنّ الثقوب في ثوبنا،كما يراها الآخر،تمكّننا من معرفة نظرته لنا أكثر من معرفة ذواتنا،وهي ثقوب لا تستوجب الخجل أو القلق ،إن كنا نرى فيها أو في بعضها أصالة ثوبنا وأناقته وشكلا من أشكال الدّفاع عن هويّتنا أو نرى فيها احتجاجا على الآخر أو اعتبارها ثقوبا من فعله ونتيجةَ أسلوبه الأهوج في مغازلتنا...
ومهما كان الحال فإنْ كنّا نُقرّ بتقصيرنا في الإخلاص للغرب إلى حدّ الذّوبان فيه،فإننا نجد العزاء في تركيا "الأتاتيركية"(نسبة إلى كمال أتاتورك) التي خلعت ثوبها الإسلامي واعتنقت العلمانية الغربية بإخلاص وحماسة،لكنّ الغرب خذلها وأمعن في إذلالها بتعلّة أنّ علمانيّتها حبُلتْ بها في أرض لم تتطهّر من "لقاح إسلامي" يُمثّل خطرا على "النادي الغربي المسيحي"
ولكي نجد للغرب ما يُبرّر سلوكه الحذر من تركيا،إن لم نقل تأصُّلَ عدائه لها،فإننا نعتبر الانتقال التركي من "الإسلامية" إلى "العلمانية" هو تحوّل إيديولوجي...والتحوّل الإيديولوجي هو بمثابة تغيير ثوب بثوب آخر مغاير،والأمم الأصيلة لا تُغيّر ثوبها بكلّ هذا اليسر...وهذا ما كانت ولا تزال تخشاه أوروبا...إنّ الإيديولوجيا،أيّ،إيديولوجيا،ليست فكرا معزولا عن تاريخ وخصوصية تجربة،ولذلك فهي مفهوم شديد الالتباس والتعقيد. يقول المفكر عبدالله العروي(العرب والفكر التاريخي):"إنّ مفهوم الأيديولوجيا ليس مفهوما عاديا يعبّر عن واقع ملموس فيوصف وصفا شافيا،وليس مفهوما متولّدا عن بديهيات فيحدّ حدّا مجرّدا،إنما هو مفهوم اجتماعي تاريخي،وبالتالي يحمل في ذاته آثار تطوّرات وصراعات ومناظرات اجتماعية وسياسية عديدة.إنه يُمثّل تراكم معان مثله في هذا مثل مفاهيم محورية أخرى كالدولة أو الحرية أو المادة أو الإنسان..."
لكن ما الحلّ للثقوب التي نُعيبها في ثوبنا العربي،التي تُخجلنا وتقضّ مضاجعنا،والتي نراها من خلال قيمنا ومعاييرنا؟..
علينا،أوّلا،أن نتمسّك باعتزازنا ب"ثوبنا العربي" رغما عن الثقوب التي تُحرجنا وتُربكنا أمام ذواتنا والآخر،والتي نراها بمنظارنا لا بمنظار الآخر...وعلينا ان نقتنع،دون أن يعترينا أدنى شكّ،في أنّ مهابة ثوبنا ووقاره وحمايته لنا من لهيب غدر الأعداء و برد خذلان الأشقاء يجد تفسيره أساسا في الإسلام دينا لا يُقصي واللغة العربية خطابا لا يتملّق...
علينا،ثانيا،أن نرفض مقولات تجرّنا إلى الهزيمة والاستسلام من قبيل "غياب الوعي لدينا بالتاريخ" أو أننا أمة "فاقدة للذاكرة"-لو كنّا كذلك لارتحنا وأرحنا-أو أنّ "لغتنا العربية لم تعد قادرة على مواكبة العصر" أو أنّ "جلبابنا العربي" يعُوق قدرتنا على الرّكض...
وعلينا،ثالثا وأخيرا،أن نكون مفعمين بالروح الإنسانية،في أنبل توقها وفعلها،مؤمنين بقدرتنا على النّهوض من الكبوة وحطام الهزيمة بعزيمة أمضى على الانتصار واقتلاع موقع لأحلامنا وطموحاتنا...
إنّ إيماننا بقدرتنا على ضرب موعد جديد مع التاريخ ليس إيمانا من فراغ لا يجد ما يسنُدُه،بل هو هذا "الثوب العربي" الذي نتمسّك به بالثقوب التي خلّفها فيه الزّمن وبالبؤر التي تترصّد جغرافيته وتتهددها...
هذا الثورب العربي نفيس معدنا وحياكةً،ثرواته البشريّة والمادّيّة طائلة وكذلك إرثه الحضاري...والثروة أعظم مُولّد للقوة متى أجدْنا استثمارها وتوظيفها...أما سبيلنا إلى الإجادة فقد نراها فيما رآه المفكّر محمّد حسنين هيكل(في صفحة من الصفحات الأخيرة من كتابه "السلام المستحيل والديمقراطية الغائبة".) حين فال:
"حين تسمع في بلد من البلدان صوتا واحدا يتكلّم وما حوله صمت عميق-فهذا حديث إلى الغرائز.
وحينما تسمع في بلد من البلدان صوت حوار-ربّما علا فيه صوت واحد-ولكنّ الصوت الواحد حوله أصوات أخرى وحركة حيّة-فهذا حديث إلى الحلم.
هل تعرف الأغنية البرازيلية الشهيرة عن الحلم؟..تقول الأغنية:
إذا كنتُ أحلم وحدي...فهذا مجرّد حلم
إذا كان الحلم مشتركا...أنت وأنا وهو
وكلّ الناس معنا فيه
إذن فهذه الخطوة الأولى في تحقيقه. "
ربما كان هيكل يُلمّح لمقارنة بين عهدي جمال عبدالناصر وأنور السادات...لكنّ صياغةَ طرحه جاءت أشمل وأعمق،وهي أشدّ تأثيرا بحكَم انتقاها من أغنية برازيلية...
والذي يعنينا أنّ الحلم العربي بقي واحدا مُتشبّثا بثوبه رغم ثقوبه التي متى رُتقَتْ انْبرتْ عن طرح مبتكر في فنّ "الرّتق البديع" والإيديولوجيا التي تتغذّى من بيئتها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !