مواضيع اليوم

تقرير د محمد عمارة 6

amel khattab

2009-12-28 04:32:41

0

تقرير علمي (6)ـ المسيحية ديانة موحدة



د. محمد عمارة | 27-12-2009 23:39

وفي الفصل الثالث من هذا الكتاب .. وتحت هذا العنوان .. ادعى كاتب هذا « المنشور التنصيري » أن « كلمة الله .. التي هي المسيح ، تعنى « عقل الله » وقدرته على إِعلان ذاته وتنفيذ إِرادته » .. فالكلمة هي العقل – اللوجس .

وفي الحوار مع هذه الدعوى نقول :

إِذا كان المسيح هو كلمة الله .. وإِذا كانت الكلمة – المسيح - « تعني العقل الإِلهي وقدرته على إِعلان ذاته وتنفيذ إِرادته » .

وإِذا كان المسيح – الكلمة .. العقل – قد ولد من مريم .. فهل قبل المسيح كان الله بلا عقل وبلا قدرة على إِعلان ذاته وتنفيذ إِرادته ؟ ! .

وإِذا قيل : إِن عقل الله اتحد بالمسيح – أي بالناسوت – في رحم مريم .. فهل دخل الله بعقله في رحم مريم ؟! .. أم دخل عقله وحده رحم مريم ، وبقي الله بلا عقل ؟! .. وإِذا كان الله قد اتحد بالمسيح في رحم مريم – اتحاد اللاهوت والناسوت – فهل كان الله يدب الكون ، ويعلن ذاته وينفذ إِرادته من داخل رحم مريم ؟! .

وإِذا كان الثلاثة – الآب .. والابن .. والروح القدس – هم واحد – لا ثلاثة – مثل حرارة الشمس .. وضوئها ، المتحدان بها – كما يحلو لهم التمثيل بذلك في تفسير « وحدة الثالثوث » .. فإِن الضوء وحده لا تقوم بوظيفة الشمس .. وإِنما لابد من مكونات الشمس : الضوء .. والحرارة .. وغيرها للقيام بوظائف الشمس .

لكن المسيحيين يجعلون المسيح إِلها كاملا يقوم بكل وظائف الإِله ، حتى لقد جعلوه بديلا للآب .. فهو – عندهم – خالق كل شيء .. وبه كان كل شيء .. وبدونه لم يكن شيء .. وهو الألف والياء .. وبذلك سقط « تسويق » وحدة الثالوث ، بالقياس على مكونات الشمس .

لقد تجاوزوا التثليث وتعدد الآلهة إِلى الشرك ، الذي حل فيه المسيح محل الله – الآب .

ولقد سبق للإِمام الفخر الرازي أنه سد الطريق على النصارى في هذا التخريج الذي حاولوا به جمع المتناقضات – التثليث والتوحيد – وذلك عندما عرض مذهبهم هذا فقال :

« إنهم يقولون : إِن أقنوم الكلمة اتحد بعيسى عليه السلام ، فأقنوم الكلمة إما أن يكون ذاتا أو صفة ، فإِن كان ذاتا فذات الله قد حلت في عيسى واتحدت بعيسى ، فيكون عيسى هو الإِله على هذا القول .

وإِن قلنا : إِن الأقنوم عبارة عن الصفة ، فانتقال الصفة من ذات إِلى ذات أخرى غير معقول .

ثم ، بتقدير انتقال أقنوم العلم عن ذات الله تعالى إِلى عيسى يلزم خلو ذات الله عن العلم ، ومن لم يكن عالما لم يكن إِلها .. » (27) .

أما كون المسيح – في القرآن الكريم - « كلمة الله » :

{ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ } [ النساء : 171 ] .

فمعناها : خلق الله .. فكلمات الله لا نهائية .. أي خلقه ومخلوقاته .

{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [ لقمان : 27 - 28 ] ، { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [ الكهف : 109 ] . فلكلمات الله هي خلقه .. ووحيه .. وقضاؤه .

وأما كون المسيح – في القرآن – هو روح من الله .

{ وَرُوحٌ مِّنْهُ } [ النساء : 171 ] .

فإِنها لا تعني ألوهيته .. فلقد نفخ الله – سبحانه وتعالى – في آدم من روحه .. ولم يقل أحد إِن آدم قد صار إِلها بسبب احتوائه على روح من الله .

{ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ } [ السجدة : 9 ] ، { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ] . ثم .. إِن هذا القرآن الكريم – الذي يستشهد به هذا الكتاب ، في هذه المواطن ، وبهذه الآيات ، ليوهم قراءه انحياز القرآن لعقائد النصرانية في ألوهية المسيح .. إِن هذا القرآن هو ذاته الذي نفى نفياقاطعا ألوهية المسيح وبنوته لله ، وحكم على من قال ذلك بالكفر والشرك .

{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } [ المائدة : 72 – 77 ] .

هذا هو القرآن ، الذي يحاول كاتب هذا « المنشور التنصيري » أن يستشهد به .. يعلن أن المسيح : كلمة الله .. أي خلقه .. نفخ فيه من روحه .. كما نفخ في آدم من روحه .. وأنه – المسيح – عبد الله ورسوله ، كالخالين من الرسل .. وأن الذين ألهوه ، وقالوا بالتثليث قد كفروا بالوحدانية .. وسقطوا في مستنقع الإِشراك بالله الواحد الأحد .

وأما تفويض القرآن الكريم للمسيح – عليه السلام – معجزات الخلق .

{ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ } [ آل عمران : 49 ] .

فهو معجزة بإِذن الله ، وليست خلقا ابتدائيا كخلق الله .

وكذلك شفاؤه للمرضى .. وإِحياؤه للموتى .. هو إِعجاز بإِذن الله :

{ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ } [ آل عمران : 49 ] .

فهو إعجاز يظهره الله على يديه ، وليس ثمرة لألوهيته .. وإِلا كان شريكا لله في الخلق والإِحياء والإِماتة .. والشراكة تعنى الشرك لا التوحيد .. ثم إِنه هو – المسيح – مخلوق لله ، بإِعجاز دون إِعجاز خلق آدم – عليهم السلام .

واستدلال الكتاب بآية سورة الزخرف :

{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [ الزخرف : 61 ] .

استدلاله بجعل القرآن المسيح من علامات الساعة .. يتجاهل أن هذه الآية مسبوقة بالآية 59 التي تقول :

{ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ } [ الزخرف : 59 ] .

فهو عبد الله ورسوله .. جعله آخر أنبياء بني إسرائيل .. وعلامات الساعة – كل علاماتها – مخلوقة لله الواحد الأحد .. وليس من بينها علامة تشارك الله في الألوهية والخلق .. ولم يقل عاقل إِن علامات الساعة – وهي كثيرة – هي آلهة مع الله ! .

وميلاد المسيح بلا أب بشري ، لا يعني ألوهيته .. وإلا لكان آدم – عليه السلام – أولى بذلك .. فلقد خلق دون أب ولا أم .. إِنهم خلق الله .. وكلمات الله .. خلقوا بقدرة الله الواحد الأحد :

{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] .

فهو معجزة ، خلقه الله دون أب .. والإِعجاز في خلقه أقل من الإِعجاز في خلق آدم .. ولذلك عبر القرآن الكريم بلفظ : « كمثل آدم » .. والمشبه « خلق آدم » لم يبلغ – في الإِعجاز – مبلغ المشبه به « خلق آدم » .

وإِذا كان المسيح قد جاء بمعجزات كثيرة ، فإِنما كان ذلك لغلاظة القلوب والعقول في بني إسرائيل والرقاب في بني إِسرائيل .. وإِلا فتكفى للداعي معجزة واحد تتم بها المفارقة للواقع والخرق لقوانينه ، والتحدي المعجز ، المعلن عن صدق الرسول .

ثم إِن المسيح – عليه السلام – قد تألم .. وبكى .. وصرخ .. واستغاث .. وهي من نواقص البشر الممتازين – فضلا عن الأنبياء – وإِن تكن نواقص خارجه عن نطاق التبليغ عن الله .

وقبل كل هذا وبعده .. فإِن مصدر عقائد المسيحية في ألوهية المسيح ، وبنوته لله ، وصلبه .. مصدرها الأناجيل ، التي ثبت – بالعقل والنقل واستقراء واقعها – افتقارها للشروط الضرورية التي تجعلها مصدر صد لنظرية اجتماعية أو فلسفية ، فضلا عن أن تكون مصدر صدق لدين من الأديان .

إِن ألوهية المسيح .. وبتوته لله :

ترفضها أسفار العهد القديم .. وترفضها اليهودية .. التي جاء المسيح – عليه السلام – ملتزما بشريعتها وعقيدتها .. ومضيفا إِليها « التعاليم » .

ويرفضها القرآن الكريم .. والإِسلام .. ويعدها شركا بالله وكفرا بوحدانيته .

وإذا كانت الأناجيل – التي ذكرت في دوائر المعارف والموسوعات والدراسات المسيحية ، قد وصل عددها إِلى مائة إِنجيل .. فإِنه لم يقل بألوهية المسيح ، من بين تلك الأناجيل المائة ، سوى إِنجيل واحد هو إِنجيل يوحنا !! .

فهل من الجائز : والمعقول أن تهمل كل الأناجيل الأخرى الإِشارة إِلى هذه العقيدة المحورية – الألوهية وطبيعة الإِله – وينفرد بها إِنجيل واحد – من بين مائة إِنجيل ؟ ! .

بل لقد أنكرت هذه العقيدة – ألوهية المسيح – كثير من هذه الأناجيل ، التي قالت إِن المسيح مخلوق ، كان بعد أن لم يكن ، وهو عبد الله ورسوله .

بل لقد ظلت هذه العقيدة – القائلة إِن المسيح هو عبد الله ورسوله – العقيدة السائدة في النصرانية إِبان القرون الأولى من تاريخ المسيحية .

وإِذا كان عمدة الأدلة المسيحية على ألوهية المسيح هو أنه « الكلمة » بمعنى : الوحي .. أو الأمر الإِلهي .. أو الرسالة النبوية ، عند أنبياء العهد القديم .. ولم تشر هذه الأسفار بمصطلح « الكلمة » إِلى المسيح – ابن مريم – أو أي مسيح آخر .

وكذلك صنع القرآن الكريم .. فكلمة الله – كما سبق وأشرنا – هي : قوله .. ووحيه .. ووعده .. وقضاؤه .. وحكمه .. وخلقه ..

{ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } [ المؤمنون : 100 ] ، { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ } [ آل عمران : 64 ] ، { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] ، { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا } [ لأعراف : 137 ] ، { وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } [ التوبة : 40 ] ، { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ } [ التوبة : 74 ] ، { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى } [ الفتح : 26 ] ، { وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [ يونس : 19 ] ، { إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } [ آل عمران : 45 ] ، { إنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ } [ النساء : 171 ] ، { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [ الكهف : 109 ] .

وفي الأناجيل الأربعة المعتمدة لدى الكنائس النصرانية لم يرد مصطلح « الكلمة » في متى ومرقس .. وورد في لوقا بنفس معناه في أسفار العهد القديم Word « اسمعوا الكلمة التي تكلم بها الرب عليكم يا بيت إِسرائيل » إِرميا 1 : 1 .. وقال عن يوحنا المعمدان : « كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية » إِصحاح 2 : 3 وعن يسوع : « إِذا كان الجميع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله » إِصحاح 5 : 1 .

كما أطلق مصطلح « الكلمة » على تعليم تلاميذ المسيح للناس : « وكثيرون من الذين سمعوا الكلمة آمنوا » أعمال 4 : 4 .. وعلى تعليم بولس : « هكذا كانت كلمة الرب تنمو وتقوى بشدة » أعمال 19 : 20 .

هكذا اتفق التراث اليهودي – في أسفار العهد القديم – وأناجيل : متى ولوقا ومرقس وأعمال الرس على أن معنى « الكلمة » هو التعليم .. أو الوحي .. أو الأمر الإِلهي الصادر عن قصد واختيار من قبل الله تعالى إِلى الناس عن طريق إِنسان معين ، هو النبي أو تابع النبي .

ومع العهد القديم وهذه الأناجيل وقف القرآن الكريم في معنى « الكلمة » .

لكن الشذوذ الذي أوقع المسيحيين في تأليه المسيح – عليه السلام – قد جاء من الإِنجيل الوحيد – إِنجيل يوحنا – الذي فسر « الكلمة » - أي المسيح – بأنها العقل Logos وهو المعنى اليوناني الذي ساد في الفلسفة الوثنية اليونانية .. فجعل المسيح – كلمة الله – عقل الله ، ومن ثم فهو متحد به .. أي إِله !! .

ولذلك ، كان هذا الإِنجيل هو الوحيد .. من بين الأناجيل .. المعتمدة – وهي أربعة – وغير المعتمدة – والتي يصل عددها في بعض الدراسات إِلى مائة إِنجيل – كان هذا الإِنجيل هو الوحيد الذي ادعى كاتبه ألوهية المسيح ، لأنه « الكلمة » - بمعنى « العقل » - عقل الله – ومن ثم كان هذا الإِنجيل وحده هو المصدر لعقيدة الحلول والاتحاد والتثليث والتأليه للمسيح .

ففي هذا الإِنجيل – وحده – جاء : « في البدء كان الكلمة ، وكان الكلمة عند الله ، وكان الكلمة الله » يوحنا 1 : 1 .

وبعد هذا التصوير للكلمة بأنها هي الله .. ذهب هذا الإِنجيل – وحده أيضا – فجعل الكلمة كيانا مستقلا : « والكلمة صار جسدا ، وحل بيننا » يوحنا 1 : 14 .. فدخل في الحلول والاتحاد والتعدد .

ثم ذهب هذا الإِنجيل – وحده – فأوغل على درب الوثنية والشرك إِلى حيث جعل الكلمة – المسيح – بديلا عن الله ، قائما بكل وظائف الإِله ! .. « هذا كان في البدء عند الله ، كل شيء به ، كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان » يوحنا 1 : 2 – 3 .

وهكذا نجد هذا الإِنجيل – الذي انفرد بتأليه المسيح .. وانفرد بتبني المعنى اليوناني الوثني للكلمة – العقل .. اللوجس ، والنزعة الغنوصية اليونانية .. الحلولية .. نجده قد جمع كما هائلا من التناقضات .

فإِذا كانت « الكلمة » هي الله ، فكيف تصير الكلمة – الله – جسدا حل بيننا ؟! .. هل خلق الله ذاته وجعلها جسدا ؟ ! .. أم أنه خلق جسدا – كما يخلق كل المخلوقات ؟ .

وإِذا كان قد خلق وصيّر جسدا حل بيننا .. فكيف يحل هذا المخلوق محل الخالق ، فيكون به كل شيء كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان ؟! .

ولا مخرج لهؤلاء الذين اعتمدوا في أم العقائد – الألوهية – على عبارات شاذة انفرد بها – وشذ – إِنجيل واحد – على عكس الأناجيل التي اقترب عددها من المائة .. وعلى عكس معنى الكلمة في العهد القديم والتراث اليهودي .. وعلى عكس القرآن ، والتراث الإِسلامي .. وعلى عكس معناها في أناجيل أخرى .. لا مخرج لهم من هذه التناقضات ، التي أدخلت الحلول والاتحاد والتعدد والشرك والوثنية إِلى التوحيد النصراني .. لا مخرج لهم إِلا العودة إِلى المعنى الحقيقي للكلمة : .

وحي الله ، ووعد الله ، وقضاء الله ، وحكم الله ، وخلق الله .

بدلا من المعنى الوثني ، الذي شع في الفلسفة الوثنية اليونانية – العقل .. اللوجس .. والذي تسرب إِلى المسيحية عندما تروَّمت ، واتخذت صورتها الرومانية – على يد بولس .

وبهذه العودة إِلى أصول النصرانية الموحدة .. ومعاني الكلمة في التراث الديني التوحيدي ، تعود المسيحية إِلى حقيقتها : تعاليم المسيح – عليه السلام – وبشارته ، في إِطار دين الوحدانية والتوحيد لله الواحد الأحد .. الفرد الصمد .. الذي لم يلد ولم يولد .. ولم يكن له كفوا أحد .

 

هوامش:

27ـ « تفسير الرازي » جـ 11 ص 195 – طبعة دار الفكر – القاهرة سنة 1401 هـ 1980 م .





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !