مواضيع اليوم

تقرير عن سكان غابة الضريبة

تقرير عن سكان غابة الضريبة

عبد الهادي فنجان الساعدي

دعاء : "اللهم اكفنا شر الحاكم والحكيم"

لقد ثبت خطأ مقولة الكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي "لايجعلنا عظماء الا ألم عظيم ".. والا لكانت الأُمة العربية اعظم الأُمم في العالم لانها عانت اعظم الآلام .. ولم تتحرك..

غابة من الفوضى والكذب والمظاهر الكاذبة تستقبلك وانت تدخل في دائرة الضريبية مضطراً، وتعتريك اللعنة وأنت تتذكر المطالبين بحقوق المرأة اللعينة وكأنهم لا يرون الاعداد الهائلة من النساء وهن يملأن الدوائر والمصارف والمحلات والشوارع وياتي صاحب النظرية الاجتماعية ليقول بان المجتمع العراقي مجتمع رجولي!

الارصفة ومناضد البيع في الشوارع الرئيسة فقط رجولية اما باقي المجتمع فهو نسائي، نسائي حد اللعنة.

لم امارس دفع الرشوة في حياتي ولكن ما حدث لي في دائرة الضريبة في الكاظمية لم احتسب له حتى فاجأني صديقي الدلال اللعين الذي خرج من بين قوسي الموت بعد تعرضه الى حادث ارهابي او ارهابي ضد ارهابي ووقع هو بين ظلمتين وبالرغم من كل ذلك الا انه لم يمت ولم يتعظ لانه تجاوز "المرّة الاولى" كما يقال في علم النفس وعاد ليمارس مهنة الدلالة المهينة التي تشبه الى حدما مهنة اخرى اكثر صراحة وعهراً واعمق في مجال التاريخ. كل ذلك لان جروحه شفيت.

الا يعرف هؤلاء بان "في حلالها حساب وفي حرامها عقاب"(1) وما معنى القتال بالأظافر والانياب الذي حدث في مجلس النواب حول المادة القانونية او الدستورية التي تجعل من الاسلام او "الدين هو المصدر الاساسي للتشريع". ما الذي تعنيه هذه الصراعات بعد ان اصبح الدين اكذوبة او قنطرة للعبور الى ضفة الاثراء الرخيص والمنصب العاهر.

لقد " تلاقفوها تلاقف الكرة"(2) ولم يتركوا لنا سوى الندم والعظ على اصابع تلونت بالحبر البنفسجي بالامس.

نظرت الى وجوه الموظفات امامي واذا بهن محجبات والقسم الاخر محنكات ممن ذهبن لزيارة سيد الشهداء مشيا على الاقدام او زحفا على الركب او شاركن في "ركضة طويريج". اما من المشاركات من المذاهب الاخرى فقد رايت القسم الاكبر منهن يشاركن في احتفالات المولد النبوي او في وفاته امام مقام الامام الاعظم. فهل خلت التيارات السياسية او الطوائف الدينية او الاثنية من احداهن؟!

لا ادري ما الذي دهاني، كيف رضيت ان اعطيهن الرشوة التي اسميتها امامهن "رشوة".

"ومن حكايات الفرس ان ملكهم انوشروان ذهب ذات يوم في رحلة صيد، ولما حان وقت غدائه افتقدوا الملح فلم يجدوه، فأمر احد غلمانه ان يذهب الى قرية قريبة ويجيء بالملح، ثم اوصاه ان يشتريه بحقه، ولا يأحذه مجانا لئلا يحل الخراب بالقرية. فقال الوزير: ابحفنة ملح تؤخذ بلا ثمن تخرب القرية؟ فقال كسرى: هكذا بدأ الظلم في الدنيا، بدأ قليلاً جدا، ثم تمادى الحاكم فيه حتى بلغ الحد الذي نراه"(3).

كل ذلك لم يؤلمني وانا اعلم ان الحديث المأثور عن الرسول "لعن الله الراشي والمرتشي"، "الراشي والمرتشي كلاهما في النار". ولكن ماذا افعل لقد اشترطت في اعطاء الرشوة الكتابة في الصحف ولم يخفن ولم يخشين واعود الى ما آلمني كثيرا وهو تقنين الرشوة إذ قالت لي احداهن بعد ان جادلتها عن اسم الرشوة قالت: الرشوة تعتبر رشوة في حالة كون المعاملة مزورة او غير قانونية ونجعلها قانونية اما في كون المعاملة قانونية فهذه ليست رشوة..

وما مقام الراتب الذي يتقاضاه الموظف، الا يتقاضى الموظف الراتب عن هذه الامور الكتابية؟!

ذكر الشعبي قال: "مرَّ رجل من مراد على اويس القرني فقال: كيف اصبحت؟ قال: اصبحت احمد الله عز وجل. قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل ان اصبح ظنَ انه لا يمسي. وان امسى ظن انه لا يصبح: فمبشر بالجنة او مبشر بالنار. ان الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً، وان علمه بحقوق الله لم يترك له فضة ولاذهبا. وان قيامه لله بالحق لم يترك له صديقاً"(4).

لقد اخذوها "على عينك ياتاجر" اما المؤلم في هذا الامر فهو تقنين الرشوة وتخريجاتها القانونية او المنطقية التي تم خلقها في اطار الحيل الشرعية والاختصاص ولا يعرفون بان العبادة هي خمس الدين وان اربعة اخماس الدين المعاملة. والمعاملة هي المعاملة الصحيحة، فهل تحول الشعب كله الى شرطة، لِمَ لم يتحول الشرطة في العهد الجديد الى شرطة بمستوى العصر او بمستوى الحدث؟ كيف يتحول الشرطة الى مستوى العصر وهم ينتسبون الى هذا الصنف "بالرشوة" وبالورق الاخضر الذي قضى على الاخضر واليابس في البنية التحتية لاخلاق الانسان.

"بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ { 3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ { 8}"

 لم يساهم في ابتزازي في هذه الدائرة اثنين "زينب والعرش" أي زينب والمدير .. اما سائق السيارة الذي آلمه ما لاقيت وحاول ان يساعدني فقد ضحكنا كثيراً لانه عرف ما آلمني.

ما الذي فعله يوسف بالثقافة(6)، وما الذي فعلته المرأة الموظفة بالمجتمع وبالقيم، كيف سيستقيم الاعوجاج في امة تهوي نحو قاع الكارثة؟!..

الخاتمة: كان صوت الراديو ينطلق بآيات من القرآن الكريم بصوت رخيم، هادئ، حتى علا صوت احدى الموظفات تطلب من السائق ان يرفع صوت الراديو. اما الراديو الذي في داخلي فقد علا صوته ايضا وهو يصيح .. كذب .. كذب .. كذب.

 دعاء الخاتمة: اللهم اكفنا شر الحاكم والحكيم وسكان غابة الضرائب.

 

الحواشي

(1)            قول الامام الصادق (ع).

(2)            كلمة قالها ابو سفيان عندما اصبح الملك في بني امية.

(3)            من كتاب حبر على ورق / مارون عبود، ص51.

(4)            من كتاب تاريخ التصوف الاسلامي/ د. عبد الرحمن بدوي/ الشعاع للنشر ص155.

(5)            سورة التكاثر الآيات من 1-8.

(6)            عنوان مقالة كتبناها عن احد وزراء الثقافة السابقين.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !