محمد أبو علان:
http://blog.amin.org/yaha1948
تقرير "ريتشاد غولد ستون" الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جاء ليؤكد حقيقية ثابتة منذ أكثر من ستون عاماً، وأكدتها العديد من التقارير الحقوقية السابقة وهي ارتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلي لجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في عدوانها الأخير على قطاع غزة والذي حمل اسم "الرصاص المصبوب".
مع صدور التقرير استنفرت كل المستويات السياسية والأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل دحض الحقائق التي أكدها هذا التقرير ألأممي الجديد ، ومن أجل منع مجلس الأمن الدولي من تحويل التقرير لمحكمة الجنايات الدولية كانت أولى هذه المحاولات سعي ممثل دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة لتنسيق هذا الموقف مع مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة.
رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي قال " التقرير يعمل من التاريخ مهزلة، التقرير لم يفرق بين مهاجم وبين مدافع نفسه، الحرب هي جريمة، ولكن المهاجم هو المجرم، وللمدافع لا يوجد مبرر غير ذلك، واضع التقرير كان سيغير أقواله لو كان أبنائه مقيمين في سديروت، وعاشوا حقيقية هذه الصواريخ".
شمعون بيرس مارس مهارته المعروفة في الكذب وتزيف الحقائق والوقائع على الأرض، فهو يحاول أن يصور الاحتلال بأنه الضحية، والمجرم في نظره هو من يحاول مقاومة الاحتلال، وتناسى أن دولته تفرض حصار دائم وشامل على قطاع غزة دون ذنب، لا بل أكثر من ذلك فتوجهات التهدئة لدى حكومة حماس في قطاع غزة كانت باتجاه التهدئة وليس باتجاه تصعيد المقاومة قبيل هذه الحرب.
وزارة الحرب الإسرائيلية لم تكن بعيدة في أقوالها عن محتوى ما صرح به رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي والذي تمثل في رفضها المساواة بين الضحية والمجرم، وأن هذا الأمر لا يمكن احتماله، في المقابل أعلنت وزارة الحرب الإسرائيلية عن كامل استعدادها لتوفير الحماية القانونية والقضائية لضباط جيش الاحتلال في حال ملاحقتهم من قبل أية جهات دولية.
أما وزارة الخارجية الإسرائيلية تصب جل جهدها من أجل التقليل قدر الإمكان من التأثيرات السلبية لهذا التقرير على الصعيد الدولي، وفي الوقت نفسه تحاول أن تضمن الدعم الأمريكي والأوروبي في دفاعها عن نفسها تحت عنوان أن صدور مثل هذه التقارير عن الأمم المتحدة من شأنها أن تحد من قدرة هذه الدول على محاربة الإرهاب في العراق وأفغانستان على حد تعبير الموقف الإسرائيلي.
في المقابل تقر بعض الجهات القانونية والإعلامية عن قصور إسرائيلي مسبق تجاه هذا التقرير، "البروفسور "يافا زلبرشاتش" من جامعة "بار إيلان" المختصة في شؤون المحكمة الدولية قالت: "كان على إسرائيل استباق التقرير ألأممي وتشكيل لجنة مستقلة عن الجيش والتحقيق في مجريات الحرب".
الصحفي في صحيفة معاريف الإسرائيلية "بن درور" قال في هذا الموضوع "إسرائيل أخطأت في استمرارها في الحرب بعد الضربة الجوية الأولى، كان عليها الإعلان عن وقف إطلاق نار من طرف واحد، وفي حال رفض حماس لوقف إطلاق النار سيكون لديها المبرر في الاستمرار بالحرب".
في ظل هذا التكاتف الإسرائيلي بين السياسيين والأمنيين والإعلاميين والقانونيين للدفاع عن مؤسستهم السياسية والأمنية أمام المجتمع الدولي، نرى الموقف الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام كعادته في عدم الارتقاء لمستوى الحدث وحجم المسئولية، فالموقف لم يتعدى تصريح إدانة من هنا، أو طلب بمحاكمة مجرمي الحرب على طريقة رفع العتب لا أكثر ولا أقل، وهذا ليس الموقف العربي الوحيد السلبي تجاه جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقبل ذلك كان موقف المحكمة الدولية تجاه جدار الفصل العنصري للصالح الفلسطيني ولكن بقي هذا القرار مجرد حبر على ورق، ولم يلاقي المتابعة اللازمة، والمواقف الفلسطينية والعربية ليست إلا مواقف إعلامية وللاستهلاك المحلي لا أكثر ولا أقل.
والسطوة الإسرائيلية على المجتمع الدولي في موضوع دفاعها نفسها في الجرائم التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني تأثيرها يترك بصماته في كافة العواصم الأوروبية، فمن بلجيكا التي أوقفت ملاحقة قانونية ضد "آرئيل شارون" على جرائمه في لبنان، إلى إسبانيا التي أوقفت ملاحقات قانونية سبعة قادة عسكريين كبار من دولة الاحتلال الإسرائيلي كان على رأسهم "موفاز" و " بن إليعازر".
والمثير أكثر من ضعف المواقف الرسمية الفلسطينية والعربية تجاه جرائم الحربية الإسرائيلية موقف المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي تبدع في توثيق الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ولكن هذا الإبداع لا يوازيه إنجازات على الصعيد الدولي في ملاحقة ومحاكمة القادة الإسرائيليين في المحاكم الدولية، فهل لموضوع مصادر التمويل لهذه المنظمات الحقوقية الفلسطينية دور في محدودية تأثيرها خارج حدود الوطن المحتل.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)