في الخامس من أبريل الماضي صدر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الصحراء، وأعقبه يوم 24 أبريل قرار مجلس الأمن 2044 الذي مدد مهمة "المينورسو" إلى 30 أبريل 2013، وأكد على ضرورة تعزيز مسلسل المفاوضات بين طرفي النزاع والرفع من وتيرة اللقاءات وإضفاء طابع أكثر جوهرية على النقاشات والبعد عن المواقف المتصلبة والمقاربات المتجاوزة. وها هو التقرير الأخير للمبعوث الأممي إلى الصحراء، "كريستوفر روس" تخلص إلى فشل المفاوضات وعدم جدوى استمرارها على المنوال الذي سارت عليه إلى حد الآن.
وقد أقرّ الكثيرون أن التقرير الذي أعده المبعوث الأممي إلى الصحراء، "كريستوفر روس"، أنجز مطبوع بدرجة كبيرة من المهنية، ومُشبع بالحيادية الاعتبارية، وملفوف الدِقة الدبلوماسية. وهذا أمر لا يستقيم مع الموقف الرسمي السابق في حق مبعوث بان كي مون والقاضي بسحب الثقة منه. فهل يعني هذا أن القيّمون على أمر ملف الصحراء والوحدة الترابية فاهمون حق الفهم ما يقومون به لدرجة أنهم امتلكوا قدرة استيباقية للتعاطي مع تطور الأحداث أم أنهم يخبطون خبط عشواء عملا بمقولة " حسّن بلّي كاين"ّ. ويبدو أن درجة واضحة من التفاؤل و الاحتفالية طبعت ردة فعل الحكومة و وسائل الإعلام مع مضمون تقرير "كريستوفر روس"، كما بدا جليا من تصريحات وزير الخارجية والتعاون، عز الدين العثماني، أمام الجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، حيث اعتبر مضمون تقرير المبعوث الأممي الأخير بمثابة نصر كبير للمغرب.
لا مستقبل للمفاوضات بالمنظور السابق
الأكيد والواضح الذي لا غبار عليه ، والذي لا تأويل له إلا تأويل واحد لا ثاني له، هو إقرار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء، كريستوفر روس، في تقريره الأخير، بفشل المفاوضات. كما قال : " لا يمكنني أن أدافع عن اقتراح محدد. أنا أدافع عن العملية التفاوضية".
يؤكد "كريستوفر روس" قائلا : "في كل مكان زرته، أكدت لي السلطات العليا لكل طرف التزامها بالعمل مع الأمم المتحدة لتحقيق حل سياسي للوضع النهائي للصحراء الغربية، بينما في الوقت نفسه تجدد تمسكها بالمقترح الخاص بها. ففي المغرب، أكد لي الملك محمد السادس استعداد بلاده لمواصلة العمل معي في إطار مقترحه للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وفي تندوف، أكد لي الأمين العام للبوليساريو، عبد العزيز، عن استعداد جبهة البوليساريو لتعزيز التزامها على أساس أن يتضمن الحل استفتاءا حقيقيا لتقرير المصير. وفي الجزائر، ذكر الرئيس بوتفليقة مرة أخرى بأن الجزائر ليست ولن تكون أبدا طرفا في الصراع، ومع ذلك فإنها لا تزال على استعداد لمرافقة الطرفين في بحثهم عن حل. ومع ذلك، أضاف، أن الجزائر ترى أن أي تسوية لا تتضمن استفتاءا حقيقيا ليست تسوية على الإطلاق. أما في موريتانيا، فقد أكد رئيس الوزراء "لغظف" رغبة بلاده في أن تكون مفيدة على أساس تبنيها "الحياد الإيجابي".
من الخطأ الكبير الإبقاء على الوضع الحالي
لقد اعتبر "كريستوفر روس" أن الوضع العام في هذا النزاع – الذي دام طويلا - مقلق للغاية ويعتبر خطئا كبيرا الإبقاء على الوضع الحالي على أساس أنه يساهم في الاستقرار بسبب تنامي التهديدات الإرهابية في منطق الساحل الصحراوي. ودعا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى مشاورات مع الدول الكبرى لتجاوز مأزق المفاوضات. هذا هو لبّ خلاصة الجولة التي قام بها للمغرب ومخيمات الحمادة بتندوف وموريتانيا والجزائر واسبانيا بغية تحريك المفاوضات.
وإذا كان البعض يعتقد أن الوضع الحالي يساهم في الاستقرار وأن هناك خطر المس باستقرار السلام في حالة التغيير ، فإن "كريستوفر روس" ظل يعتقد أن هذه النظرة غير واقعية وهي خاطئة لأن المنطقة مهددة بمعطيات إرهابية تنشط في منطقة الساحل. لذا شدد على ضرورة أن يهتم المنتظم الدولي بهذا النزاع، إذ استخدم عبارة "يجب أن يبقى النزاع مرصودا في رادار المجتمع الدولي" بحكم أن النزاع يقع في منطقة أصبحت بؤرة للحركات الإرهابية في الساحل، لا سيما ما يجري في شمال مالي. في هذا الصدد، اعتبر "روس" أن اليأس والإحباط وانسداد الأفق في ظل هذه الظروف قد يقود لا محالة إلى انفجار الأوضاع. هذا في وقت استبعد فيه القيام بمفاوضات غير مباشرة جديدة معتبرا أنها لن تقود إلى أي نتيجة، وفي المقابل أصرّ على ضرورة الاستمرار في إجراء مشاورات بالأطراف المعنية، المغرب والبوليساريو والجزائر وإسبانيا، وقوى دولية مأثرة في القرار السياسي العالمي .
علما أنه بخصوص العلاقة بين انفصاليي البوليساريو و الجماعات الإرهابية، جاء في التقرير:" في المغرب، تواصل وسائل الإعلام الحديث عن وجود صلة بين جبهة البوليساريو و الجماعات الإرهابية، إلا أن كبار المسؤولين في الرباط ونواكشوط كانوا واضحين في القول أنه لا وجود لأي صلة من هذا القبيل".
الانفصاليون يختارون استراتيجية الهروب إلى الأمام
في ظل هذه الأجواء اختار انفصاليو البوليساريو اعتماد استراتيجية الهروب إلى الأمام لمحاولة خلط الأوراق من جديد. إذ ترغب جبهة البوليساريو حاليا لاستنساخ ما قامت به السلطة الفلسطينية و طلب من الأمم المتحدة الحصول على صفة دولة عضو مراقب، حيث بدأ بعض قادة البوليساريو في التلويح بهذه الورقة، وإن كانت العملية تبدو صعبة للغاية، لكن على الدبلومساية المغربية أن تكون مستعدة لكل مستجد في هذا السياق وغيره. علما أن انفصاليي البوليساريو دأبوا على تقليد واستنساخ ما يجري حولهم في العالم. فعندما تمّ إجراء استفتاء تقرير المصير في تيمور الشرقية منذ سنوات أسفر عن الانفصال عن أندونيسيا، شنوا حملة قوية على المستوى الدولي للمطالبة بالمعاملة بالمثل. وهذا ما تكرر أيضا كوسوفو، ثم مع جنوب السودان. وأخيرا في أعقاب تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على فلسطين كدولة عضو مراقب، بدأ انفصاليو البوليساريو يتحدثون عن اعتماد استراتيجية مماثلة لتحقيق هدف مماثل . في هذا الصدد، بدأت أصوات اليسار الراديكالي ترتفع في اسبانيا وبعض الدول الأوروبية وجنوب إفريقيا وفنزويلا مطالبة بتعامل مماثل للانفصاليين. ولبلوغ هذا المرمى يعمل الانفصاليون كل ما في وسعهم لدفع بعض الدول للاعتراف بكيانهم الوهمي، ويراهنون في هذا الصدد على بعض دول شمال أوروبا مثل السويد والنرويج والدنمرك وإيرلندا لأحداث شرخ وسط الأوروبيين حول الموقف من نزاع الصحراء، وتنطلق البوليساريو من عضويتها كدولة في الاتحاد الإفريقي لتحقيق هذا الحلم.
لكن تبرز مختلف المعطيات أن هذا الاحتمال يبقى في الوقت الراهن صعبا للغاية. فالدول التي تعترف بالبوليساريو مثل الجزائر والمكسيك وجنوب إفريقيا وفنزويلا لن تساند البوليساريو في الوقت الراهن، لكن إذا نجحت البوليساريو في الحصول على اعتراف دولة من دول أوروبا، وقتها قد تتغير الأمور. فخلال السنتين الأخيرتين، ركزت جبهة البوليساريو على دول شمال أوروبا، وحظيت في الماضي بدعم من جزء من الرأي العام فيها وجمعيات مدنية في أوروبا الشمالية في السويد وفلندا والدنمرك والنروج وإيرلندا مثلا، علما أن هذا الدعم بدأ ينتقل الى بعض الأحزاب الحاكمة في هذه الدول وبدأت بعض هذه الدول تتخذ قرارات لا تصب في مصلحة مغربية الصحراء لأن الأمر أضحى ينتقل من تعاطف مدني إلى قرارات سياسية رسمية، وهذا وجب أن ترد عليه الدبلوماسية المغربية عبر اعتماد استراتيجية مدروسة واضحة المقاصد ومحددة الأهداف.
التعليقات (0)