مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينصح:
على البيت الأبيض قبول الإسلاميين في السلطة لإنقاذ الصومال
ممدوح الشيخ
بدعمهم شيخ شريف أجبر الأميركيون على اختيار أهون "الشرور" بعد أن كانوا يصنفونه إرهابيا
اعتقال صوماليين بأستراليا مرتبطين بحركة الشباب الإسلامي الصومالية خططوا لمهاجمة قاعدة عسكرية
تقرير "نهج جديد": على البيت الأبيض قبول الإسلاميين في السلطة...بل حتى حركة الشباب
أي دور عسكري أميركي مباشر في الصومال سيؤدي لاستعداء المتدينين المعتدلين والمتشددين
الحل: موقف أميركي شامل تجاه القوى الأصولية المحلية...و"عدم التسامح" تجاه التنظيمات غير الصومالية
تحذير: الدعم المستمر للحكومة الاتحادية الانتقالية غير فعال ومكلف
لابد من التحرك باتجاه اتفاق مع العشائر الصومالية والمعارضة ليكون أساسا قويا للحكم
الدعم الأميركي غير المباشر للحكومة الانتقالية الضعيفة أدى لعزلها
التقرير يدعو استراتيجية لامركزية تقوم على التعاون مع "السلطات الرسمية والتقليدية" على أرض الواقع
انفراد أميركا بالملف الصومالي خطأ ويجب إشراك أوروبا وأطراف أوسطية لدعم الاستقرار
من التعريفات الطريفة للورطة أنها "الخيار بين المر والأكثر مرارة"!
وينطبق هذا القول السائر على موقف الأميركيين في الصومال إذ هم عمليا مخيرون بين إسلاميين متشددين وإسلاميين أكثر تشددا، ويبدو أن الأميركيين أجبروا على اختيار أهون "الشرور"، والتعاون مع شيخ شريف شيخ أحمد كرئيس للصومال بعد أن كانوا يصنفونه كـ "إرهابي" عندما كان يقود قوات المحاكم الإسلامية ضد قوات الحكومة والقوات الإثيوبية، أما الآن فإن أميركا تخشى من سقوط حكومة شريف، أمام قوات الشباب الإسلامي، التي يقاتل في صفوفها مقاتلون أجانب يعتقد أن تنظيم القاعدة أرسلهم هناك.
وهم اليوم لا يهددون الصومال فقط، وإنما أيضا اليمن الذي تنشط فيه عناصر القاعدة، ويبدو أن القاعدة يسعى لتحويل الصومال لأهم قواعد تدريب عناصره الجديدة، وإرسالها من هناك لأبعد مكان يمكن الوصول إليه. ومؤخرا اعتقلت مجموعة صوماليين بأستراليا، كانوا يخططون لمهاجمة قاعدة عسكرية في سيدني مؤخرا، وهي مجموعة أكدت السلطات الأسترالية ارتباطها بحركة الشباب الإسلامي في الصومال.
نهج جديد
وفي ضوء هذه التطورات تتصاعد الدعوات داخل مؤسسات الأفكار الأميركية لقبول الإسلاميين في السلطة كشرط لإنقاذ الصومال. وفي إطار هذا التوجه أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأميركي (CFR) تقريرا من 39 صفحة عنوانه: "نهج جديد" ينصح البيت الأبيض بذلك. التقرير كتبه بروتون برونوين وهو مرجع باحث متخصص بالشؤون الدولية.
التقرير يحث البيت الأبيض بوضوح على الاعتراف بأن وجود الإسلاميين في السلطة، حتى لو هذا يعني قبول حركة الشباب، وهي جماعة إسلامية مسلحة أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة. حيث يؤدي النهج الأميركي الحالي المتمثل بالدخول في مواجهة مسلحة مع معارضي الحكومة الصومالية إلى نتائج عكسية. ولا تقتصر النتائج السلبية على استعداء قطاعات واسعة من الشعب الصومالي، بل تشمل استعداء شرائح واسعة من المتدينين في الصومال: المعتدلين والمتشددين على السواء، كما يقول التقرير.
وبينما يشجع التقرير على "موقف أميركي شامل تجاه القوى الأصولية المحلية"، فإنه في الوقت نفسه يقترح أن تظهر أميركا درجة عالية من "عدم التسامح" تجاه التنظيمات العابرة للحدود التي تحاول استغلال الصراع في الصومال، في إشارة واضحة لتنظيم القاعدة.
وحركة الشباب هي عبارة عن تحالف غير صلب سيطرته على الأرض أضعف مما يبدو، وبالتالي فإن النجاح في إبعادها عن تنظيم القاعدة والعناصر الأجنبية الأخرى سيقلل إلى حد كبير المخاطر في الصومال. وبالتالي فإن التقرير يقول بوضوح إنه "يجب على أميركا وحلفائها تشجيع هذه التشققات لكي تتوسع".
الشباب قادمون
ومع ذلك، فإن التوجه الذي يتبناه التقرير لم يزل موضوع معارضة من بعض الخبراء، فمثلا، ديفيد شين وهو سفير أميركي سابق لدى إثيوبيا المجاورة في التسعينات (فضلا عن أنه كان عضوا باللجنة الاستشارية للتقرير) يرى أن قيادة حركة الشباب ستكون جاهزة للانضمام إلى أي ترتيب مستقبلي للوضع السياسي في البلاد. ويرفض شين منطق التقرير مؤكدا أن حركة الشباب أكثر تطرفا، وأن المراهنة على الانقسامات في صفوفها ليست مبشرة.
وقد أنشئت الحكومة الاتحادية الانتقالية في عام 2004 من خلال وساطة للأمم المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي في محاولة لإنهاء الأزمة في الصومال. وانتقلت الحكومة الاتحادية الانتقالية إلى الصومال عام 2005 لكنها لم تتمكن من تحقيق "أي تقدم في مهام بناء الدولة" بسبب الانقسامات الداخلية.
عجز..تهميش..فشل
ومع تنصيب شيخ شريف شيخ أحمد، الرئيس السابق لاتحاد المحاكم الإسلامية، رئيسا للبلاد في يناير 2009 أمكن جمع عدد كاف من الزعماء الإسلاميين لمواجهة قوات حركة الشباب. لكن الحكومة الانتقالية أصبحت قوة "أكثر هامشية" مؤخرا.
والتقرير يدافع عن إمكان نجاح الحكومة الانتقالية مرجحا أنها ليس محكوما عليها بالفشل. وهو يصدر في لحظة حاسمة في تطور السياسة الأميركية. والتقرير يورد تفاصيل عقدين من الصراع في منطقة القرن الأفريقي حتى إنشاء الحكومة الاتحادية الانتقالية.
ومن ناحية أخرى يحذر التقرير أيضا من أن الدعم المستمر للحكومة الاتحادية الانتقالية التي تدعمها الأمم المتحدة منذ فترة ثبت أنها غير فعالة ومكلفة. والحكومة الاتحادية الانتقالية غير قادرة على تحسين الوضع الأمني، وتقديم الخدمات الأساسية، وغير قادرة على التحرك في اتجاه التوصل إلى اتفاق مع العشائر الصومالية وجماعات المعارضة من شأنه أن يوفر أساسا قويا للحكم". كما يقول التقرير.
كاتب التقرير يؤكد أن السياسة الأميركية لتقديم الدعم غير المباشر الدبلوماسي والعسكري للحكومة الانتقالية الضعيفة أدى فقط إلى عزل الحكومة. وعوضا عن ذلك يدعو التقرير إلى بذل محاولة أخيرة لمساعدة الحكومة الصومالية في بناء الدعم الشعبي ويحث إدارة الرئيس باراك أوباما للنظر في تغييرات كبرى في السياسة ينبغي على الحكومة الاتحادية الانتقالية اعتمادها حتى لا يكون مصيرها الفشل أو التهميش إلى حد العجز.
الأمن والاستقرار السياسي
وتاريخيا، اقتصر اهتمام واشنطن بهذا البلد المضطرب في شرق أفريقيا على المسائل الأمنية، ومؤخرا انصب الاهتمام على منعه من التحول إلى ملاذ لتنظيم القاعدة أو الحركات التابعة له على الأراضي الصومالية. في السنوات الأخيرة، قامت أميركا بعدد من الهجمات على أهداف في الصومال يعتقد أن لها صلة بتنظيم القاعدة. ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين أن السياسة الأميركية الحالية يمكن أن تؤدي بسهولة إلى تعزيز حركة التمرد في ظل مجموعة من الظروف المعقدة.
والإدارة الأميركية قررت التحرك بقوة لدعم الحكومة الاتحادية الانتقالية وتوفير التدريب، والدعم الاستخباراتي، وتقديم المشورة العسكرية، تحسبا لصراع عسكري واسع مع معارضي الحكومة: حركة الشباب وتنظيم القاعدة.
وهذا - برأي كاتب التقرير - مقامرة أميركية كبرى قد تأتي بنتائج عكسية، فالهجوم يمكن أن يفشل بسهولة، الأمر الذي قد يقود أميركا للتدخل والمشاركة بشكل كبير، ما قد يكرر مأساة التدخل السابق. ففي أواخر عام 1992، وجهت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الأب قوات إلى الصومال كجزء من عملية بتفويض من الأمم المتحدة لحماية إيصال الإغاثة الإنسانية والغذائية إلى ضحايا المجاعة الجائعين هناك. لكن ما حدث وقتها أن القوات الأميركية أصبحت تنخرط على نحو متزايد في حرب عشائرية مستمرة منذ الإطاحة بنظام سياد بري عام 1991.
تعامل أكثر واقعية
وبعد استعادة هذه الخلفيات يدعو التقرير إلى اعتماد استراتيجية لامركزية تقوم على التعاون مع "السلطات الرسمية والتقليدية" على أرض الواقع. كما تدعو إلى تقييد دور إثيوبيا، التي شاركت في النزاعات في الصومال لسنوات.
ويطرح كاتب التقرير بروتون برونوين الباحث متخصص بالشؤون الدولية ضرورة أن تدعو أميركا أطرافا أخرى دولية إقليمية للانخراط في الملف الصومالي بحيث لا يبقى مسئولية أميركا منفردة، إذ يجب - بحسب التقرير - إطلاق حملة دبلوماسية لإشراك أوروبا ودول الشرق الأوسط لدعم الاستقرار في الصومال ومعالجة التطورات في المجال الإنساني.
التعليقات (0)