تقدير موقف حركة حماس من تمديد ولاية الرئيس أبو مازن
بلال الشوبكي
خلفية Background
دخول حركة حماس معترك الحياة السياسية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في 25 من يناير 2006، وحصولها على الغالبية التشريعية فيها، منحها قوة سياسية تمكنها من الحديث في الكثير من القضايا المركزية الفلسطينية، ومنها ما هو مطروح الآن كمسألة الوضع القانوني والسياسي لاستمرار رئاسة السلطة الفلسطينية.
ووفقا للمادة (36) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل في 2005 فإن مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات. وحيث تم انتخاب الرئيس محمود عباس أبو مازن في 9 يناير 2005 لذلك تنتهي فترة ولايته في 8 يناير 2009.
هذه المادة من القانون الأساسي الفلسطيني أحد الركائز الأساسية التي يحتكم لها العمل السياسي الفلسطيني والذي ينظم من خلاله الحياة السياسية. وحركة حماس تصر على أن ينفذ القانون الأساسي في تاريخية، وكان واضحا ذلك في تصريح رئيس المكتب السياسي خالد مشعل يوم 6 سبتمبر 2008.
وجاءت تصريحات مشعل في رد على تصريحات للرئيس محمود عباس وكذلك العديد من القيادات الفتحاوية التي تمهد إلى بقاء الرئيس في منصبه عاماً إضافيا حتى يتم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة.
وحيث يحل موعد الانتخابات الرئاسية بالتحديد الوارد في القانون الأساسي قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية بعام ونيف، فان النص في القانون الأساسي قد فصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية كما يشير الدكتور أحمد الخالدي، وهو ما أراده المشرع الدستوري في القانون الأساسي، ولم يرد في القانون الأساسي أي نص يفيد أن المشرع الدستوري أراد توحيد مواعيد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
إن حالة عدم التوافق الفلسطيني الداخلي وما ترتب عليه من تصادمات داخلية في الحياة السياسية الفلسطينية، وبالتحديد بعد الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة، وما ترتب عليه من إصدار الرئيس عباس قرارا بإقالة حكومة الوحدة الوطنية، وتعين حكومة تسير أعمال في رام الله، كل ذلك جعل من إمكانية إبقاء الأمور تسير على طبيعتها شيء من التنازل عن الحقوق السياسية لكل طرف. وهذا ما يدفع الأطراف إلى محاولة فرض الواقع الذي يمنحها مزيدا من القوة على الأرض، لاسيما مع انطلاق جولات الحوار الثنائية في القاهرة.
وفي هذا التقدير سيتم مناقشة البدائل المقترحة للتعامل مع هذا الموقف من قبل حماس، لكن في ضوء المعايير والمحددات التي قد تؤثر سلبا أو إيجابا على كل بديل من البدائل التي سيتم نقاشها.
المعايير ومحددات البدائل
سيتم نقاش بدائل Alternatives حل المشكلة المختلفة في ضوء المعايير criteria الخمسة المرتبطة بكل بديل Alternative، من أجل اقتراح البديل الذي يمكن تبنيه. ستقوم منهجية التحليل على استخدام نموذج الخواص المتعددة في التحليل The multiattribute model. سيترتب على صناع القرار ومتخذيه، اختيار البديل الأنسب في ضوء الظروف السياسية الداخلية والخارجية و ميثاق حماس وبرنامجها السياسي. وستتم مناقشة كل بديل من خلال ارتباطه بالمعايير المختارة حسب أهميته الرئيسية. وهذه المعايير هي:
1- التكلفة Cost
2- المقبولية السياسية Political acceptability
3- المقبولية القانونية legal acceptability
4- الأثر السياسي Political impact
5- إمكانية الوصول والفاعلية Accessibility and efficiency
البدائل
البديل الأول: رفض تمديد ولاية الرئيس، وعدم التعامل معه كرئيس شرعي، والتعامل مع رئيس التشريعي كقائم بأعمال الرئيس
التكلفة Cost
ستكون تكلفة هذا البديل مرتفعة جدا بالنسبة لحركة حماس، فعمليا سيتم تكريس حالة الانقسام الراهنة بما يعنيه ذلك، من استمرار الحصار على قطاع غزة وحركة حماس، وسيكون من الصعب جدا على حماس إحداث أي تقدم على صعيد فتح المعابر وتامين الاحتياجات الرئيسية للسكان، وضمان وصول الرواتب.
المقبولية السياسية Political acceptability
يتمخض عن تبني هذا البديل تباينا كبيرا في مدى المقبولية السياسية التي سيتمتع بها لدى الأطراف المختلفة الداخلية والخارجية ذات العلاقة. فهو من ناحية لا يحظى بقبول فصائل منظمة التحرير، فيما هو مقبول تلقائيا لحماس، أما الدول العربية قياسا بالغالب فيها والمجتمع الدولي قياسا بكبرى الدول، فإن قرار حماس لن يكون مقبولا، ولن يغير من تعامل تلك الدول والأطراف مع محمود عباس كرئيس شرعي للسلطة الفلسطينية.
أما مقبولية الجماهير لمثل هذا البديل، فلن تكون قوية، إذ أن قرار كهذا من حماس، سيتطلب منها وضع تفصيل لماهية البديل، من الناحية الاستراتيجية، فماذا بعد رفض تمديد ولاية الرئيس؟ هل سيتم الاكتفاء باعتبار رئيس المجلس التشريعي رئيسا للسلطة، أليست المدة محددة وقصيرة لولاية رئيس المجلس التشريعي؟
المقبولية القانونية
من الناحية القانونية، يمكن اعتبار هذا البديل مقبولا، والسبب أن البنود القانونية التي تنظم انتخابات الرئيس في القانون الأساسي لا تشير إلى إمكانية التمديد، وهذا جاء في دراسة مكثفة لرئيس لجنة صياغة الدستور، الدكتور أحمد الخالدي، وزير العدل السابق.
الأثر السياسي Political impact
إذا ما أقدمت حماس على مثل هذا البديل، بمعنى إذا استمر خطابها الحالي بشان تمديد ولاية الرئيس فإن ذلك سيقود إلى آثار سياسية متعددة قد تؤول بالضرر على القضية الفلسطينية برمتها، فقرار كهذا وإن كان قانونيا، ويتماشى مع المشرع الدستوري، إلا أنه سيكرس حالة الانفصال القائمة بين الضفة وغزة، وبدلا من أن يكون هناك حكومتين متخاصمتين تدعي كل منهما الشرعية، سنجد رئيسين بنفس الصيغة.
وهنا لن يبقى الخلاف مؤسساتيا كما هو الحال القائم بين حكومتين في نفس النظام، وإنما سيتعدى الأمر ليصبح تأسيسا لوجود كيانين منفصلين، وهو ما سيكون له ابلغ الأثر على إمكانية إعادة اللحمة والوفاق الفلسطينيين.
كما أن الموقف الدولي سيصبح أكثر حدية في طريقة تعامله مع الأطراف الفلسطينية، فحتى اللحظة الحالية، ما زال هناك قاسما مشتركا بين طرفي الخصام وهو التعامل مع محمود عباس كرئيس، وبالتالي هناك حد أدنى من المقومات للحفاظ على علاقات مع جميع الأطراف من قبل أي طرف في المجتمع الدولي، لكن حين يزول ذلك القاسم، سيكون مطلوبا من الأطراف الدولية أن تكون أكثر حسما في علاقاتها، بحكم أن تحولا كالذي سيتبع هذا الخيار سيكون أشبه بميلاد كيان جديد (انفصالي من وجهة نظر خصوم حماس).
الجزئية الأخيرة تتعلق في مدى الأثر الذي سيخلفه وجود رئيس السلطة القائم بالأعمال في حال رفضت تمديد عباس، داخل السجون الإسرائيلية، فوجود الدكتور عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي في المعتقل، وبعد هذا البديل رئيسا للسلطة، سيهز كيانية السلطة ككل وجدوى بقائها أو التمسك فيها.
إمكانية الوصول والفاعلية Accessibility and efficiency
المقصود هنا بإمكانية الوصول والفاعلية، هو ما تمتلكه حماس من مقومات لاختيار مثل هذا البديل، ولمعرفة ذلك يجب أن تسال حماس نفسها أسئلة متعددة من بينها، ماذا لو اشتد الحصار، وعجزت الحكومة عن دفع الرواتب في غزة؟ هل لدى حماس الاستعداد لتحمل مسؤولية انقسام الوطن المجتزأ أصلا لفترة أطول مما هي عليه الآن؟
لا يبدو منطقيا القول أن حماس لديها الاستعداد السياسي أو اللوجستي للتعامل مع تبعات مثل هذا الخيار.
البديل الثاني: رفض التمديد والمطالبة بالانتخابات
التكلفة Cost
تبني هذا البديل سيكون متوسط التكلفة بالنسبة لحكومة حماس، إذ قد يشكل انقساما في مواقف الأطراف والتيارات السياسيات، فالرفض هنا ليس منقوصا، وإنما مقترنا بإجراء انتخابات والمشاركة فيها، وهنا ستظهر حماس أمام العالم، أنها مستعدة للاحتكام للشارع ولا تخشى العودة إليه، لكن هذه المرة من خلال الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيجعل جزء من المجتمع الدولي مرنا في التعاطي مع هذا الخيار.
المقبولية السياسية Political acceptability
إن تبني هذا البديل وان كان لا يخلق تباينا حادا في مقبوليته السياسية لدى الأطراف المختلفة الداخلية والخارجية ذات العلاقة، إلا أنه لا يلغي هذه التباينات، فمثل هذا الخيار سيكون مقبولا من الناحية السياسية العامة، وخاصة أن بعض الفصائل الفلسطينية الصغيرة، قد تؤيد مثل هذا الخيار، إضافة إلى شخصيات مستقلة أخرى.
أما من حيث مقبوليته لدى أبناء ومناصري حماس، فسيكون هذا البديل أقرب إلى المغامرة بالنسبة إليهم مما سيجعل من قرارهم فيه من التردد الكثير، خاصة نتيجة التخوف من انعكاس الحالة الفلسطينية الراهنة على سلوك الناخب الفلسطينية، بما يؤثر سلبا على الثقل الحمساوي في المجتمع وفي مؤسسات السلطة تحديدا.
أما مقبولية هذا القرار من الناحية الجماهيرية، فهو سيضع حماس أمام علامات استفهام كبيرة؟ أهمها، كيف لحماس أن تؤمن للشعب الفلسطيني حياة مستقرة إذا ما فازت في الرئاسة، وهي التي تعاني حالة قصور في ظل الحكومة؟ وكيف لحماس أن تقنع الناس بأنها مستعدة لانتخابات رئاسية في ظل رفضها للانتخابات التشريعية؟
المقبولية القانونية
لا يخالف أي من بنود القانون.
الأثر السياسي Political impact
من أهم الآثار السياسية لمثل هذا البديل، هو تعزيز المطالبة بانتخابات شاملة تشريعية ورئاسية، فإذا كانت حماس هي من تقف معارضة للانتخابات التشريعية، وتؤيد الانتخابات الرئاسية فإن موقفها سيصبح ضعيفا. إضافة لذلك فإن حماس ستواجه مأزقا حقيقيا كحركة جماهيرية في جاهزيتها للتعاطي مع مثل هذا الخيار من حيث آلية المشاركة، وشخصية المرشحين، وطبيعة الترويج، وتحت أي سقف سياسي؟
إمكانية الوصول والفاعلية Accessibility and efficiency
هذا البديل والقاضي برفض تمديد ولاية الرئيس والمطالبة بانتخابات رئاسية جديدة، سيكون بديلا صعبا في ظل حالة الانقسام الداخلي، وذلك يتضح من خلال الآتي:
لو افترضنا جدلا أن هناك توافق على انتخابات رئاسية في ظل الوضع الحالي من الانقسام، فإن حماس ستكون عاجزة عن تقديم نفسها في الضفة الغربية للناخب، وفتح ستكون عاجزة في غزة.
بناء على النقطة السابقة فإنه لن يكون هناك انتخابات حقيقية في ظل الانقسام، والانقسام لن يزول إلا بالتوافق، وفي حال التوافق الداخلي، لن يكون هناك خلاف حول الانتخابات ومواعيدها، إذ أنها ستكون جزء من أي اتفاقية وفاق وطني.
البديل الثالث: الرفض الظاهري لرفع سقف المطالب
التكلفة Cost
لن يكلف هذا البديل حماس، سوى بعض الاتهامات الإعلامية بأنها من يعطل الحوار ومن يضع بؤر خلاف جديدة في الساحة الفلسطينية، بل سيكون مربحا في فترة ما، إذا ما استمرت حماس في إعلانها الظاهري بالرفض بحيث يكون ورقة ضغط على حركة فتح يمكن ان تقدمها حماس كتنازل مقابل إعادة الاستقرار للضفة وغزة تهيئة الأجواء لحوار دون شروط محمود عباس وفتح.
المقبولية السياسية Political acceptability
بما أنه بديل غامض بعض الشيء، فهو رفض ظاهري كي يتسنى لحماس استثماره، بينما الموقف الحقيقي هو موافقة على التمديد لكن بعد ان تقدم فتح مقابلا لذلك يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، فإنه سيكون مرفوضا من فتح ونسبيا على المستوى الشعبي، لكن ذلك لن يطول حين تقدم حماس موافقتها لتمديد ولاية الرئيس لكن على طاولة الحوار الداخلي وليس بالمجان.
المقبولية القانونية
في حال انتهى الرفض الظاهري بعد تنازل حماس عن رفضها مقابل تحسين العلاقات الداخلية، فإنه لن يكون هناك أي معنى للنزاع القانوني، فالمشكلة بالأساس سياسية، وإذا تم التوافق السياسي لن يلتفت احد إلى قانونية الخطوة، تحت شعار أن وحدة الوطن أسمى من كل شيء.
الأثر السياسي Political impact
سيكون هذا البديل في مرحلته الثانية، وهي ما بعد الرفض الظاهري، بذرة للتوافق الداخلي، وميلادا لمرحلة جديدة قد تعيد إلى الوطن وحدته، وتساهم في ترطيب الأجواء بين فتح وحماس، بما يساهم في نقاش كثير من القضايا العالقة.
عربيا سيكون هناك ترحيب بأي خطوة توافقية وخاصة من قبل الجامعة العربية، والدول الراعية للحوار الوطني كمصر، بحكم أن ذلك سيزيح عنها عبء تحمل مسؤولية استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، وسيسجل نجاحا للدول التي رعت أو ساهمت في الحوار الوطني الداخلي. دوليا، من المتوقع ان يبقى المجتمع الدولي ثابتا في سياسته مع احتمالية متوقعة لانفراج العلاقة مع دول الإتحاد الأوروبي لصالح فك الحصار، إذا ما توافق الفلسطينيون داخليا.
إمكانية الوصول والفاعلية. Accessibility and efficiency
لا يوجد أي عقبة تحول دون أن تقدم حماس على هذه الخطوة، وربما يكون خطاب خالد مشعل الأخير الذي وصف بالحاد ردا على خطاب عباس، جزء من البديل الثالث، بحيث لا تتعدى تصريحات مشعل كونها تصعيدا للوضع من اجل رفع سقف مطالبها، وخلق ورقة ضغط جديدة على عباس، كي يبدي مرونة كافية لإعادة الحوار الوطني إلى مساره دون شروط مسبقة تفقد الحوار مضمونه.
5-12-2008
التعليقات (0)