سامي القريني
إلى منصور الرحباني
دَقَّ بَابَكْ ..
كُنْتَ تَسْتَرْخِيْ عَلَى كُرْسِيِّ حُلمْ
كُنْتَ مُنْسَاباً كَحُزْنِ الْمَاءِ
إذْ يَتْلُوْ - عَلَى صَمْتِ الشُّجَيْرَاتِ – سَرَابَكْ
قَالَ:
- قُمْ !
لَكَ أَرْضٌ خَلْفَ هَذِيْ الأَرْضِ،
شَمْسٌ لا كَتِلْكَ الشَّمْسِ،
نَهْرٌ .. يَحْتَوِيْ كُلَّ يَنَابِيْعِكَ،
فَاقْرَأْ - قَبْلَ أَنْ أُغْمِضَ عَيْنَيْكَ - كِتَابَكْ !
أَنْتَ لَمْ تَنْطِقْ
وَآثَرْتَ السُّكُوْتْ ..
كُلُّ شَيْءٍ مُوْحِشٌ حِيْنَ تُحِسُّ القَدَرَ اخْتَارَكَ - ضَيْفاً - كَيْ تَمُوْتْ !
حَاصَرَتْ جُدْرَانَكَ الآلامُ
حَكَّتْ جِلْدَهَا السَّاعَاتُ
غَصَّتْ بِالدَّقَائِقْ !
حِيْنَمَا جَاءَكَ «مِرْسَالُ الْمَرَاسِيْلِ»
- وَقَدْ صَافَحْتَهُ فِيْ «مَفْرَقِ الوَادِيْ»
وَأَعْطَاكَ الرِّسَالَةْ ..
إِنَّنِيْ أُبْصِرُ لُبْنَانَكَ يَا مَنْصُوْرُ يَبْكِيْ
بَيْنَ تَصْدِيْقٍ وَشَكِّ !
فَكَأَنَّ الأَرْضَ قَدْ مَادَتْ بِنَا نَحْنُ البَعِيْدُوْنَ وَبَلَّلْنَا تُرَابَكْ
بِدُمُوْعِ الثَّلْجِ يَا مَنْصُوْرُ كَفَّنَّا اغْتِرَابَكْ
وَكَأَنِّيْ أُبْصِرُ الأَرْزَ يُعَزِّيْ -بِأَغَانِيْكَ– جِبَالَهْ !
خَلَعَ اللَّيْلُ ظِلالَهْ
لَبِسَتْ «تيْريزُ» فُسْتَانَ الغَسَقْ
دَوْزَنَتْ وَرْدَ البُزُقْ
قَبَّلَتْ صُبْحَ يَدَيْكْ
جَلَسَتْ تَنْظُرُ مِنْ نَافِذَةِ الغَيْبِ إِلَيْكْ:
- يَا حَبِيْبِيْ لا تَخَفْ !
كَانَ «سُقْرَاطُ» يَقُوْلْ :
- سَوْفَ يَأْتِيْ صَاحِبِيْ عَمَّا قَلِيْلْ ..
وَإِلَى جَانِبِهِ «جُبْرَانُ» جَالِسْ
وَ«أَبُوْ الطَيِّبِ» يُلْقِيْ شِعْرَهُ كَالأَمْسِ وَ«الرُّعْيَانُ» يُصْغُوْنَ إِلَيْهْ
أَيْقَظَتْ أَجْرَاسَهَا كُلُّ الكَنَائِسْ ..
إنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُوْنَكْ !
كُلُّهُمْ يَنْتَظِرُوْنَكْ !
وَاقْشَعَرَّ الصَّمْتُ مَذْعُوْراً كَمَوْجٍ فِيْ خِضَمِّ الرِّيْحِ،
لا رِيْحٌ وَلا مَوْجٌ هُوَ التَّشْبِيْهُ إِن جَازَ الْمَجَازُ، الشِّعْرُ .. تَمْوِيْجُ ضَبَابٍ تَائِهٍ يَدْنُوْ ..
وَيَنْأَى .. كَحَرِيْرِ الفَجْرِ يُرْخِيْ غَدَهُ
فِيْنَا لِنَحْيَا، إِنَّهُ يُشْبِهُ قَوْسَ القُزَحِ
البَحْرِيِّ أَحْيَاناً، فَلا نَعْلَمُ إِنْ كَانَ صَدِيْقَ الْمَوْتِ أَمْ
كَانَ قَرِيْنَ اللُّغْزِ فِيْ الْمَعْنَى ! خُطَانَا بَرْعَمَتْ تِيْهاً ! ونَزَّ الآنَ حِبْرُ الدَّمْعِ مِنْ كُلِّ
الشَّبَابِيْكِ، العَصَافِيْرُ اسْتَعَارَتْ قَلَقَ النَّايَاتِ كَيْ
تَرْثِيْكَ، لا تَدْرِيْ لِمَاذَا كُلُّ شَيْءٍ -بَغْتَة - صَارَ بَيَاضاً، ضَاقَتِ الرُّؤْيَةُ، غَطَّتْ مُقْلَتَيْ
عَيْنَيْكَ أَنَّاتُ كَمَنْجَاتٍ، وَرَفَّتْ فِيْ جَنَاحَيْكَ
تَقَاسِيْمُ الغِيَابِ، القَلْبُ خَانَكَ !
وَتَوَقَّفْتَ مَكَانَكْ .. !
هَلْ تُرَى الْمَوْتُ نُعَاسٌ يَشْرَبُ الرُّوْحَ ؟
أَمِ الْمَوْتُ امْتِزَاجُ الطِّيْنِ بِالنُّوْرِ الذِيْ مِنْهُ انْبَعَثْنَا ؟
أَيْنَ أَنْتَ الآنَ ؟
لا تَدْرِيْ !
وَهَلْ مَازِلْتَ أَنْتْ ؟
وَدَّتِ اللَّحْظَةُ لَوْ تُوْقِفُ مِنْ سُرْعَتِهَا .. تُعْطِيْكَ عُمْراً
عَلَّهَا تُصْغِيْ إِلَى آخِرِ مَا كُنْتَ كَتَبْتْ !
فَاشْرَبِ الكَأْسَ الأَخِيْرَةْ ..
كَيْفَ لِلَّحْنِ الذِيْ لَمْ يَكْتَمِلْ أَنْ يَعْرِفَ الآنَ مَصِيْرَهْ؟!
دَقَّ بَابَكْ ..
نَغَمٌ يَحْرُثُ بِالصَّمْتِ غِيَابَكْ
قُلْتَ :
- مَنْ جَاءَ ؟
أَجَابَكْ ..
دَقَّ بَابَكْ
رُبَّمَا قَدْ كُنْتَ تَدْرِيْ رُبَّمَا
أَنَّهُ جَاءَكَ مِنْ عُمْقِ السَّمَا
بَيْنَ كَفَّيْكَ كِتَابٌ كَانَ مِنْ تَأْلِيْفِ غَيْمٍ أَنْكَرَتْهُ الأَرْضُ
فَاخْتَارَ الأَقَاصِيْ
حِيْنَهَا لَمْ يَبْقَ فِيْ القِنْدِيْلِ زَيْتْ
كُنْتَ قَدْ عَانَقْتَ «عَاصِيْ»
...
...
وَمَضَيْتْ ... !
يناير 2009
التعليقات (0)