تفشي الغش التجاري
بلغ الغش التجاري في الأسواق مداه خلال السنوات الأخيرة . ولا يتوقف هذا الغش على علامات تجارية مجهولة بل إمتد ليشمل علامات وماركات تجارية عالمية غالية الثمن وكثيرة التداول بين الناس .
دفعني الفضول يوما ما إلى تفحص عبوة تحمل علامة تجارية عالمية شهيرة خاصة بمنتجات العناية بشعر الراس وكانت عبارة عن أنبوب كتب عليه (بديل الزيت) ....... وقد لفت نظري أن هناك عدة بدائل يقدمها هذا المنتج بوصفه بديلا للزيت ... فهو على سبيل المثال يطرح نفسه في عبوة ذات لون محدد بأنه للعناية بالشعر المصبوغ .... وفي عبوة أخرى مماثلة ولكن بلون مختلف للعناية بالشعر الجاف .... وفي عبوة ثالثة للعناية بالشعر التالف والمتقصف .. وفي الرابعة للعناية بالشعر الدهني ...... إلخ
وحتى هذه اللحظة فإن كل شيء يبدو طبيعيا ومثل غيره من منتجات أخرى .
ولكن أين تكمن المصيبة ؟
حين تقوم بقلب وجه العبوة لمعاينة ظهرها للتدقيق (على غير العادة) بمكونات كل عبوة من عبوات هذا المنتج ستفاجأ بأن كافة المكونات لهذا الكريم أو الزيت في كافة العبوات لمحتلف الأغراض هي نفسها ومتطابقة مع بعضها بنسبة 100% .. وهو ما يثير تساؤلا منطقيا في هذه الحالة حول مدى المصداقية في ما تطرحه مثل هذه المنتجات من حلول أمام المستهلك ومدى جديتها ؟ وإذ لا يعقل أن تعالج نفس المقادير والمحتويات كل الحالات السلبية التي يتعرض لها شعر الراس .... ثم أنه وطالما كان الأمر كذلك وإذا فرضنا جدلا أن مكونات هذا المنتج تعالج وتصلح للشعر المصبوغ والجاف والتالف والمتقصف والدهني والعادي في آن واحد ؛ فلماذا لا تقوم الشركة المنتجة بالإكتفاء بعبوة واحدة تكتب عليها أنها تعالج وتصلح لكل أنواع وحالات الشعر المشار إليها بدلا من أن تعمد إلى الغش التجاري ودغدغة أحلام المستهلك الملهوف وتخصيص عبوة منفردة بلون مختلف لكل حالة أو نوع من أنواع الشعر تعبئها بنفس المحتويات؟
وبالطبع فإن الغش التجاري لا يتوقف فقط عند منتجات التجميل والعناية بالشعر وفروة الرأس ... إلخ بل يمتد إلى المنتجات الغذائية أيضا ومنها على سبيل المثال تلك الشركات التي تقوم بإستيراد الأرز والطحين وتصنيع زيوت الطعام والماء المعبأ في قنينات بلاستيكية .
معظم هذه الشركات المستوردة أو المنتجة تعمد إلى تنويع مسميات عبواتها للسلعة الواحدة لا لشيء سوى إعطاء الإنطباع للمستهلك بأنه أمام عدة خيارات ، على الرغم من أن العبوة في داخل كل كيس قماشي أو قنينة بلاستيكية هي نفسها ومن مصنع أو مصدر واحد.
وربما يفاجأ البعض إذا علم أن تلك المياه التي يطبع على الملصق التوضيحي الدعائي لها أنها مياه معدنية طبيعية نقية (أو مياه ينابيع طبيعية) ليست في حقيقة الأمر سوى ماء صنابير عادية من تلك التي تزود بها البيوت والمطاعم والبنايات والأسواق . وأن الفرق الوحيد هو أن هذه المياه يتم معالجتها مرة أخرى بزيادة درجة عذوبتها نقائها وإضافة بعض الأملاح المعدنية الكيميائية إليها وتعقيمها .. وبالتالي فإنها تصبح أقل تلوثا من مياه الصنابير العادية . لكن لا يمكن بأية حال من الأحوال أو يجوز أن نطلق عليها مياه ينابيع أومعدنية طبيعية.
دخلت إلى محل بيع سندوتشات همبرجر عالمي شهير جدا بعد مضي فترة زمنية ليست بالقصيرة أحسبها دهرا منذ آخر زيارة لي . وبعد أن دفعت ثمن الوجبة الكاملة الباهظ (قبل إستلامها) .. وبعد الوقوف منتظرا عدة دقائق إلى حين إعدادها قمت بإستلامها وأنا أكاد أتضور جوعا وأمني النفس بلحظات من التفاعل الحيوي الحسي مع وجبة ساخنة مكتملة العناصر الغذائية بمواصفات خاصة يحلم بها القاصي والداني .. ولكن سرعان ما خاب ظني وأحاط بي الهم والغم بعد أول قضمة. فقد أحسست أن سندوتش الهمبرجر الذي أضمه بكلتا يداي جوار صدري لم يعد يختلف كثيرا عن أية سندوتشات همبرجر أخرى من تلك التي تباع في الأكشاك الشعبية وبأسعار لا تزيد عن 5% من قيمة هذه الماركة العالمية ..... وواضح أن السبب يكمن في أن هناك تراجعا مزريا يتعلق بجودة المواصفات التي كان يلتزم بها البعض من الوكلاء المحليين لأصحاب العلامات التجارية العالمية الشهيرة وذلك لتجنب الخسائر أو طمعا في جني مزيد من الأرباح عبر شراء مواد أولية رخيصة عوضا عن تلك الغالية.
ربا البنوك التجارية بات أيضا يشمله الغش المالي . ويبدو أن المسئولين في هذه المؤسسات المالية لم يكتفوا بحرمة الربا المؤكدة فأضافوا إليه نوعا آخر من التطفيف في الفائدة بطرق وحيل أقل ما توصف به أنها غش وإستغلال بشع لحاجة البعض إلى السيولة في زمان إنعدمت فيه المروءة وإغاثة المضطر والملهوف ..... وإذا أردت خوض التجربة مع واحد من هذه البنوك الربوية فما عليك سوى التقدم بطلب للحصول على قرض شخصي صغير أو كبير حيث ستفاجأ بعد أن تستكمل كافة الشروط والمواصفات المطلوبة التي يقيدك بها البنك من عنقك ليضمن إسترداد أمواله وفوائده المضاعفة ؛ ستفاجأ بأن نسبة الفائدة (المتواضعة) التي يعلنها البنك لنفسه والتي لا تتجاوز في معظم الأحيان 12% .. ستفاجأ بأنها أصبحت 25% على أقل تقدير .. وهذا بالطبع لو كنت تسدد أقساط الدين خلال فترة قصيرة بإنتظام وشهرا بشهر .... أما إذا كنت تتأخر بين كل فترة وأخرى لظروف خارجة عن إرادتك أو رغبة في المماطلة فالويل والثبور وعظائم الأمور وليس أقلها (إن لم يكن السجن وحبل المشنقة وخراب البيوت) إرتفاع الفائدة إلى نسبة 80% وأعلى من ذلك بكثير .... ثم ينكص هؤلاء على أعقابهم فيزعمون أنهم لا يأكلون الربا وأنه ليس أضعافا مضاعفة. .... يماطلون ويتحججون ويبررون بكل حزلقة لتحليل الربا وأكل الربا وكأنّ الذي حرم على الناس الربا هو مخلوق مثلهم وليس الله الخالق القهار.
التعليقات (0)