تفسير سورة الإخلاص (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ (3) وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
بيان
السورة تصفه تعالى بأحدية الذات و رجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه شيء لا في ذاته و لا في صفاته و لا في أفعاله، و هو التوحيد القرآني الذي يختص به القرآن الكريم و يبني عليه جميع المعارف الإسلامية.
و قد تكاثرت الأخبار في فضل السورة حتى ورد من طرق الفريقين أنها تعدل ثلث القرآن كما سيجيء إن شاء الله.
و السورة تحتمل المكية و المدنية، و الظاهر من بعض ما ورد في سبب نزولها أنها مكية.
قوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» هو ضمير الشأن و القصة يفيد الاهتمام بمضمون الجملة التالية له، و الحق أن لفظ الجلالة علم بالغلبة له تعالى بالعربية كما أن له في غيرها من اللغات اسما خاصا به، و قد تقدم بعض الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة.
و أحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا و لا ذهنا و لذلك لا يقبل العد و لا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثانيا و ثالثا إما خارجا و إما ذهنا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرا، و أما الأحد فكل ما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شيء.
و اعتبر ذلك في قولك: ما جاءني من القوم أحد فإنك تنفي به مجيء اثنين منهم و أكثر كما تنفي مجيء واحد منهم بخلاف ما لو قلت: ما جاءني واحد منهم فإنك إنما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد و لا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر، و لإفادته هذا المعنى لا يستعمل في الإيجاب مطلقا إلا فيه تعالى و من لطيف البيان في هذا الباب قول علي عليه أفضل السلام في بعض خطبه في توحيده تعالى: كل مسمى بالوحدة غيره قليل، و قد أوردنا طرفا من كلامه ع في التوحيد في ذيل البحث عن توحيد القرآن في الجزء السادس من الكتاب.
قوله تعالى: «اللَّهُ الصَّمَدُ» الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد يقال:
صمده يصمده صمدا من باب نصر أي قصده أو قصده معتمدا عليه، و قد فسروا الصمد- و هو صفة- بمعاني متعددة مرجع أكثرها إلى أنه السيد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج، و إذا أطلق في الآية و لم يقيد بقيد فهو المقصود في الحوائج على الإطلاق.
و إذا كان الله تعالى هو الموجد لكل ذي وجود مما سواه يحتاج إليه فيقصده كل ما صدق عليه أنه شيء غيره، في ذاته و صفاته و آثاره قال تعالى: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ»: الأعراف: 54 و قال و أطلق: «وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى»: النجم: 42 فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئا إلا و هو الذي ينتهي إليه قصده و ينجح به طلبته و يقضي به حاجته.
و من هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد و أنه لإفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الإطلاق، و هذا بخلاف أحد في قوله «اللَّهُ أَحَدٌ» فإن أحدا بما يفيده من معنى الوحدة الخاصة لا يطلق في الإثبات على غيره تعالى فلا حاجة فيه إلى عهد أو حصر.
و أما إظهار اسم الجلالة ثانيا حيث قيل: «اللَّهُ الصَّمَدُ» و لم يقل: هو الصمد، و لم يقل: الله أحد صمد فالظاهر أن ذلك للإشارة إلى كون كل من الجملتين وحدها كافية في تعريفه تعالى حيث إن المقام مقام تعريفه تعالى بصفة تختص به فقيل: الله أحد الله الصمد إشارة إلى أن المعرفة به حاصلة سواء قيل كذا أو قيل كذا.
و الآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات و صفة الفعل جميعا فقوله: «اللَّهُ أَحَدٌ» يصفه بالأحدية التي هي عين الذات، و قوله: «اللَّهُ الصَّمَدُ» يصفه بانتهاء كل شيء إليه و هو من صفات الفعل.
و قيل: الصمد بمعنى المصمت الذي ليس بأجوف فلا يأكل و لا يشرب و لا ينام و لا يلد و لا يولد و على هذا يكون قوله: «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ» تفسيرا للصمد.
قوله تعالى: «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» الآيتان الكريمتان تنفيان عنه تعالى أن يلد شيئا بتجزيه في نفسه فينفصل عنه شيء سنخه بأي معنى أريد من الانفصال و الاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيح ع إنه ابن الله و كما يقول الوثنية في بعض آلهتهم أنهم أبناء الله سبحانه.
و تنفيان عنه أن يكون متولدا من شيء آخر و مشتقا منه بأي معنى أريد من الاشتقاق كما يقول الوثنية ففي آلهتهم من هو إله أبو إله و من هو آلهة أم إله و من هو إله ابن إله.
و تنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله «1» و هو الإيجاد و التدبير و لم يقل أحد من المليين و غيرهم بالكفؤ الذاتي بأن يقول بتعدد واجب الوجود عز اسمه، و أما الكفؤ في فعله و هو التدبير فقد قيل به كآلهة الوثنية من البشر كفرعون و نمرود من المدعين للألوهية و ملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون ألوهيته في تدبير ما فوض إليه تدبيره كما أنه تعالى مستقل في تدبير من يدبره و هم الأرباب و الآلهة و هو رب الأرباب و إله الآلهة.
و في معنى كفاءة هذا النوع من الإله ما يفرض من استقلال الفعل في شيء من الممكنات فإنه كفاءة مرجعها استغناؤه عنه تعالى و هو محتاج من كل جهة و الآية تنفيها.
و هذه الصفات الثلاث المنفية و إن أمكن تفريع نفيها على صفة أحديته تعالى بوجه لكن الأسبق إلى الذهن تفرعها على صفة صمديته.
أما كونه لم يلد فإن الولادة التي هي نوع من التجزي و التبعض بأي معنى فسرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد، و حاجة المركب إلى أجزائه ضرورية و الله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته و لا حاجة له، و أما كونه لم يولد فإن تولد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده و هو سبحانه صمد لا حاجة له، و أما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفوا له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله و استغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة و الله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة.
فقد تبين أن ما في الآيتين من النفي متفرع على صمديته تعالى و مآل ما ذكر من صمديته تعالى و ما يتفرع عليه إلى إثبات توحده تعالى في ذاته و صفاته و أفعاله بمعنى أنه واحد لا يناظره شيء و لا يشبهه فذاته تعالى بذاته و لذاته من غير استناد إلى غيره و احتياج إلى من سواه و كذا صفاته و أفعاله، و ذوات من سواه و صفاتهم و أفعالهم بإفاضة منه على ما يليق بساحة كبريائه و عظمته فمحصل السورة وصفه تعالى بأنه أحد واحد.
و مما قيل في الآية إن المراد بالكفؤ الزوجة فإن زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله: «تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً» و هو كما ترى.
البحث الروائي يتبع، المصدر: الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي.
التعليقات (0)