مواضيع اليوم

تفجيرات دمشق..ونظرية المؤامرة الكاملة

جمال الهنداوي

2011-12-25 16:53:07

0

قد يكون من الصعب على المراقب المحايد لطبيعة ويوميات الاداء الامني والسياسي للانظمة العربية ان يدعي معرفته بالعقيدة الامنية التي تحكم الممارسات العملية للاجهزة الامنية المتعددة التي تلتصق وتعتاش وتنمو في ظل النظام.. فعلى كثرة مايكتب ويقال وينظر للاساليب التي تتبعها المنظومة الامنية في التعاطي مع الملفات الحساسة والشائكة ولكن تبقى الحقيقة هي اننا لا نعلم الا ما يراد لنا ان نعرفه..اوما يسربه الجهاز نفسه لبعض وسائل الاعلام او ما يسمح له ان بالظهور وبالقدر المتاح وعلى الوجه الذي يجب ان نراه..

ولكن تبقى هناك امام المتابع تلك الفسحة التي توفرها محدودية الكفاءة المهنية للقوى الامنية -فيما يعد خارج متطلبات القمع والتنكيل- في امكانية التقاط بعض الشذرات التي من الممكن ان تجعلنا اقرب قليلا الى الحقيقة..كما ان ضيق الافق المأساوي الذي يصاحب الانشغال التام والمزمن في الحفاظ على بقاء السلطان وامنه وهالته قد يكون منفذا مناسبا للكثير من الارتباكات التي يمكن ان نستشف من خلالها بعض ما يدور خلف الاستار الكثيفة من السرية والتعتيم..

واهم مظاهر هذا الضيق المتقادم للافق والتدافع نحو ارضاء الحاكم الذي يفرضه تعدد وتقاطع الدوائر الامنية..هو ذلك التواتر الاقرب الى الروتينية في "المؤامرات الخارجية "التي تستهدف الانظمة التي تتعرض لاحراجات امنية والتي لا تتم الا في مواقع وتوقيتات تخدم توجهات الحكم وجهده الامني والاعلامي والتي غالبا ما تكون مكتملة الاركان والفصول والمآلات بما يدل على تعجل واضح في تقديم الحبكة المطلوبة وبشكل لا يتيح اي سوء فهم او خطأ في القراءة المطلوبة للحدث..فغالبا ما يتم القاء القبض على شبكات التجسس وبحوزتهم جميع المخططات والاسلحة التي يجدها الصحفيون مرتبة ونظيفة وموضوعة قرب جوازات السفر المزورة والكتب الارشادية التي تحمل صور وتعاليم اعداء النظام..وعادة ما يسقط العملاء في قبضة الاجهزة الامنية والتومانات ما زالت في جيوبهم او الدولارات اوالشيقلات او اي عملة تكون اكثر وقعا وتأثيرا واقرب الى عناوين الصحف الرئيسية..

ولو اخذنا التفجيرات الاخيرة التي ضربت المقار الامنية في دمشق كنموذج لهذه الممارسة ..فاننا قد نجد ان هذا التواتر وهذا الروتين الممل وتلك المعايشة الطويلة لتقنيات الانظمة القمعية المستبدة في تمرير مخططاتها بغض النظر عن الخسائر والدماء التي تراق لصالح هذا الهدف هو الذي يدفعنا الى التشكيك بالرواية الرسمية للاحداث..كما ان طبيعة الاهداف وحساسيتها ومدى التحصين الذي تتمتع به يجعلنا اكثر يقينا واطمئنانا الى هذا الخيار..

 ويزيد من موثوقية هذا الراي الاسراع المريب بدفع التهمة الى الاخوان المسلمين لما فيه من اشارة واضحة لدور تركي مزعوم في الحادث قد يكون اكثر من مطلوب في الفترة الراهنة كعامل مضاف لما يقدمه العمل التخريبي وتوقيته من تشويش وارباك لمهمة المراقبين العرب المهلهلة اصلا..

كما ان النظام السوري في مثل حالته الراهنة وضمن معطيات التصاعد المطرد في الاحتجاجات الشعبية واتخاذها مسارات وتقاطعات قد تشي بانفتاح المجال امام مختلف الاحتمالات..وفي ظل كل هذه التدخلات الدولية والاقليمية ..وتحت اشتراطات العقلية الامنية التي تحكم تصرفاته..ينتظرمنه مثل هذه الممارسات التي تدل على قلة المتاح من خيارات لمقاومة النهاية التي يبدو انها اصبحت تدور في مجال الحتم اكثر من اي وقت مضى..

ان النظام الامني واجهزته المتناسلة يبدو انه لايزال يعيش في زمن ما قبل البريسترويكا..وما زال يتحصل على الثقة بقدراته على تمرير الحوادث الامنية المفتعلة وعلى تصنيع الملفات الاعلامية الضاجة وعلى التخاتل خلف التشويش الذي من الممكن ان تقدمه مثل هذه الجرائم لخدمة ادامة واستمرار النظام في سياساته القمعية تجاه القوى المعارضة..  

ولكن ما قد يكون فات على النظام في خضم هذا اللهاث والتسابق مع موعد وصول فريق المراقبين العرب هو صعوبة تسويق مثل هذه الممارسات في ظل انعدام الوثوقية الكامل بما يصدر عنه وتموضعه في موضع المتهم والمشتبه به الاول والاقرب الى اليد والذهن ..كما ان هذه الحوادث لا يسهل تمريرها في هذا الفضاء الاعلامي المفتوح وكثرة الاضواء المسلطة على الشارع والحكم السوري وانكشاف الكثير من مخططاته السابقة التي تحمل نفس الاسلوب والبصمة المميزة للانظمة الامنية المخابراتية المغلقة..

والاهم..هو في ان الجماهير السورية المناضلة التي يحاول كل من النظام والجامعة العربية تغييبها لصالح الشعارات الفئوية والطائفية..ما زالت واعية تماما للنوايا الكامنة وراء مسلسل التفجيرات.وان ما يحدث على الصعيد الامني يأتي في سياق سياسي واضح يهدف الى خلط الاوراق وتقديم النظام كضحية لارهاب طاغٍ متنمر ..وانها مصرة على عدم التراجع عن المطالب المشروعة في الحرية والحقوق الاساسية والعدالة والمساواة..وان الخيارات اصبحت تضيق جدا امام النظام الى الحد الذي قد لا يتمكن من الخروج الآمن والهرب من الحساب الذي يبدو انه اصبح هو وحكم التاريخ قدرا محتما على النظام بما لا فكاك منه..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !