تفتح جميع الابواب المقفلة
الواسطة.. هل مازالت اكسير الحياة العملية؟
شيركو شاهين
sher_argh@yahoo.com
إذا كان احدهم خاله مديرا لمدرسة.. او إذا كان والده تدريسيا في ذات الجامعة التي يدرس فيها.. او كان عمه هو الذي عينه في احدى الدوائر الرسمية مباشرةً بعد التخرج..
فأنه بالتأكيد بلغة هذا الزمان (محظوظ)، لأنه ببساطة لديه "الواسطة" الكفيلة بفتح لك جميع الأبواب المغلقة سواء منها ما كان يستحقها أم لا!
ولكن نسأل ببساطة ماذا عن زميله في المدرسة والذي كان معروفا بتفوقه عنه ورغم ذلك لم يتمكن من الانضمام لشريحة المتفوقين ؟
وكذلك ماذا عن زميله في الجامعة التي أخذت منه استحقاقه في قائمة العشرة الاوائل على الرغم من أحقيته بها؟!
وماذا عن الترقية الجديدة والراتب المرتفع والبعثات الذي لا يحصل عليه أحد غير صاحب (العلاقات والواسطات) على حساب اصحاب الكفاءات مع العلم أن الاخير موظف جديد معدوم الخبرة؟!
ماذا سيفعل هؤلاء في زمن أعطى فرصة لأصحاب الوساطة، وأغلق أبوابه في وجه من بقي يكافح وحيداً وليس لديه إلا الإجتهاد والدعاء لنفسه ؟!!
حول هذه المشكلة ارتأينا استطلاع اراء شرائح مختلفة من المواطنين ولوضع هذه الظاهرة تحت المجهر.
(لماذا التعجب):
في البداية تقول إيمان إبراهيم(28عاما-موظفة) انها لا ترى عيباً في توسط شخص ذي منصب لها لقضاء مصلحة، وتضيف: "مصالحنا اليوم لا تقضى إلا بالواسطة، ولن ننجح في كلياتنا أو نلتحق بأي وظيفة أو نحصل على ترقية إلا بالواسطة، فلماذا نجهد أنفسنا بشعارات لا طائل لها(اكل الدهر عليها وشرب)؟!"
ويوافقها محمد حسن(30عاما) الموظف معها في ذات الدائرة والذي عبر عن رأيه بالقول: "أحرص أن يكون لي معارف وأصدقاء في أي مصلحة حكومية، وإذا لم أجد أحاول البحث عن معارف أو أقارب أحد أصدقائي، لأني أختنق جداً من الطوابير (السراوات) الطويلة والتعقيدات الحكومية، ثم إن الناس حالياً لا يخافون سوى ممن له واسطة، أما من ليس له (ظهر أي واسطة)، فيقف في آخر الطابور، وحينما يأتي دوره يغلق الموظف مكتبه بحجة انتهاء مواعيد العمل الرسمية!"
واسطة.. تزكية.. رشوة
ولكن مروة نبيل (30عاما-موظفة) لديها رأي آخر، فتقول: "حينما كنت طالبة سواء في المدرسة أو الكلية، كنت والحمد لله متفوقة، فكان أساتذتي يفخرون بي، ويذكرونني بالخير أمام زملائهم، فيهتم بي باقي الأساتذة ويقدرون تفوقي، لذلك لا أعتبر ذلك واسطة وانما اعتبرها تزكية. والتزكية شيء غير محرم بل هي (إعطاء كل ذي حقٍ حقه)".
أما وليد البدري(35عاما-صاحب محل دلالية) فيفرق بين الواسطة والرشوة قائلاً: "الواسطة هي توصية أحد المعارف، أو الأقارب، أو من له مصلحة مشتركة معي لقضاء حاجة ضرورية، ولا أرى فيها أي مشكلة، فكلنا نتمنى أن نكون على صلة بمسؤول، شخص ذو مكانة رفيعة، أو حتى أمين شرطة في قسم، حتى يقضي لنا مصالحنا".
وويضيف: "لكن هناك نوع آخر من الواسطة عن طريق دفع مبلغ من المال أو اعطاء هدية مقابل قضاء مصلحة ما، وهذا ما لا يجب أن نسميه واسطة إنما رشوة مُقَنَّعة".
ابن عم وابن خال.. فلان!
ويروي لنا علي الناصر(33عاما-تاجر) قصته مع واسطته المزيفة قائلاً:
حينما كنت في الثانوية والكلية، كنت أقول أني ابن اللواء فلان أو المستشار فلان أو أن خالي هو فلان الفلانيوقد خدمني لقبي لقبي المشابه للقب المسؤولين في عهد النظام السابق بشدة في حينه، وبالفعل كانت كل أوامري تُجاب ومصالحي تُقضى في حينها".
ويكمل بعدها بالقول: "لم يحدث لي، ولو مرة واحدة، أن سألني أحدهم عن محل عمل أبي، لأنني كنت أقوم بحبك دوري جيداً وأدعي الصرامة والجدية، فلا يسألني أحد عن أي شيء، وبعد التخرج بذلت كل ما في وسعي للحصول على فرصة وظيفة ولكني لم أفلح، لذا فأنا ابحث عن واسطة. هل لديكم من يساعدني؟"
أولاد الـ.. واسطة!
أن تبحث عن واسطة من أجل قضاء مصالحك دون أن تتعدى على حقوق الآخرين شيء ربما يكون مقبولاً، ولكن ماذا عن الواسطة التي تنهب حقك من أمام عينيك!
اما خريجة كلية التربية ياسمين عطية(24عاما) فتروي لنا تجربتها قائلة: "كنت الأولى على دُفعتي على مدار ثلاث سنوات متتالية، ولكن لسوء حظي كانت معي في سنة التخرج ابنة أحد الشخصيات الهامة، ورغم مجاملات الأساتذة لها، إلا أن تقديراتها كانت متوسطة، وفجأة يبدو أنها أرادت أن تصبح معيدة بالكلية، فتوسط لها والدها حتى تصبح الأولى على الدُفعة"! اما انا اليوم فاقف مكتوفة اليدين للحصول على وظيفة تناسبني.
أما عقدة كرار رياض(22عاما-طالب كلية الهندسة) من الواسطة فتعود لسنوات طويلة مضت، حين يتذكر قائلاً: "كنت قصيراً ونحيفاً جداً طوال فترة الإبتدائي في المدرسة، وكان يجلس أمامي في الفصل ابن أحد المشرفين في وزارة التربية والتعليم من ناحية، ومن الناحية الأخرى يجلس ابن مدير المدرسة، وكلاهما ضخم الجثة بشكل غريب لا يتناسب مع طلبة المرحلة الابتدائية، وبالتالي لم أستطع رؤية السبورة بوضوح، وبصراحة أنا لا أطيقهما حتى الآن"!
حين تنقل الواسطة..؟
ويحكي لنا عماد حسين(30عاما-تاجر) أطرف مواقفه مع الواسطة، فيقول: "كنت أنهي بعض الأوراق في احدى الدوائر الحكومية، وكان الموضوع معقدا إلى حد كبير، فلجأت إلى مساعدة (واسطة)، فسألت المسؤول قبل ان اقف في طابور المراجعين عن اللواء فلان، فرد الموظف "غير موجود"، وعندما سألته بمنتهى الثقة "متى سيأتي"، قال بنفاد صبر وعصبية "لن يرجع ابدا، لأنه طردوه من هنا، بعد هذا الرد الحاسم فضلت طبعاً الوقوف في الطابور عن ذكر اسم اللواء مرة اخرى".
أما رشا جمعة(28عاما-موظفة) فموقفها أصعب (بنظرها)، حيث تحكي: "عُينت في وظيفة حكومية عن طريق توسط أحد أقاربي والذي كان عضواً في الجمعية الوطنية، فكان الجميع يحترمني، لأنهم يعلمون بصلتي وقرابتي لهذا الرجل الشهير، إلى أن سقط هذا العُضو في الإنتخابات الأخيرة وسقطت أنا أيضاً معه، فلم يعد يخشاني أو يقدرني أحد".
وتضيف رشا قولها: "وبمناسبة رمضان ادعو اللهم ان يجعل هذه السنين تمر على خير، ويعود قريبي إلى الجمعية مرة أخرى لأعيد تصفية الحسابات"!
اذكر في هذا المجال قصة رواها لي احد الاصدقاء عن حادثة وقعت لوالده في بداية الثمانينات حين كان يهم بالتعيين باحدى الدوائر وبما ان مسألة (الواسطات) في بلدنا ترجع الى زمن بعيد، وتدور الحادثة حول مجموعة من الشباب المصطفين في ساحة احدى الدوائر، وحين وصل نائب المدير الى ذلك المكان طلب بصراحة (او كما نسميها في الوقت الحالي -بشفافية-) من اصحاب الوساطات ان يقفوا على اليمين ومن ليس لديهم اي واسطة الوقوف الى اليسار، وفعلا قام الواقفون بتنفيذ امر السيد نائب المدير بكل ممنونية، فمن كان منهم على اليمين انشرح صدره للتقبل المبدئي السريع لحاجتهم اما من وقف منهم على اليسار فقد ضاق بهذا الامر صدره، وحين تم ما كان من امر التفريق بين كلا الجانبين قال المسؤول: على اصحاب الواسطات ان يذهبوا من هنا الى بيوتهم دون الالتفات الى الوراء!! لان هذه الوظيفة لاصحاب الكفاءات ومن هم فعلا بحاجة الى عمل يبرزون فيها طاقاتهم التي اكتسبوها على مر سنوات الدراسة، اما انتم فبامكانكم البحث عن فرص اخرى طالما تحملون في جعبتكم سلاح اسمه الواسطة.
فكم نحن بحاجة الى نفوس قويمة يملؤها الصلاح لنستاصل مثل هذه الظاهرة التي امتدت وتمتد كالسرطان في جسم مجتمعنا.
نشر بتاريخ (( 02/12/2006 ))
التعليقات (0)