في لقائهما موخرًا في المكسيك اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والأمريكي برّاك أوباما حول عدد من القضايا العالمية، ومن بينها قضية الصراع الذي يجري على أرض القطر العربي السوري منذ خمسة عشر شهرًا، ومن أبرز ما اتفق عليه الرجلان حول الوضع في سوريا هو ضرورة حل هذه الأزمة حلاًّ سلميًّا سياسيًّا بموجب خطة المبعوث الدولي كوفي عنان، وهذا يعني أن تكف كافة الأطراف الخارجية عن تزويد العناصر التي تحارب النظام السوري بالمال والسلاح والتجييش الإعلامي والتحريض على الاستمرار في هذه الفتنة العمياء التي تكاد تحرق الأخضر واليابس في سوريا التي تتبنى كثيرًا من القضايا العربية والإسلامية، بالإضافة إلى هذه الثورة الاقتصادية الاجتماعية التعليمية الصحية الثقافية التي ينتهجها هذا القطر غير المدين لأحد بدولار واحد، والذي يأكل غالبًا مما يزرع، ويلبس مما يصنع، ويعلّم الناس جميعًا على أرض سوريا دون مقابل، ويطببهم، ويزرع لهم الأعضاء دون مقابل، ويقدم كثيرًا من ضرورات العيش، وعلى رأسها الخبز، دون مقابل يذكر.. ولعل كل هذه الحقائق، وكثيرًا غيرها، قد باتت معروفة للقاصي والداني، ولعل كافة خبراء الاقتصاد، والمراقبين المتتبعين للأحوال العامة في سوريا يعرفون يقينًا أن إنتاج هذا القطر العربي السوري الصغير من القمح قد بلغ مليون طن هذا العام رغم كل الحرائق، ورغم كل نيران الفتنة العمياء، ورغم كل الدمار الذي ألحقته هذه الفتنة في البلد، وموارد البلد، ومدارسه، ومشافيه، ومؤسساته، وبرامجه الإصلاحية التنموية، وخططه الاقتصادية، وغير الاقتصادية، ولعل كافة الخبراء والمراقبين يعرفون يقينًا كذلك أن إنتاج هذا القطر الصغير من الفستق الحلبي لهذا العام قد بلغ سبعة وستين ألف طن، ومن الكرز مئة وثلاثة وسبعين ألف طن.. وعلى ذلك قس، وإن شئتَ أن لا تقيس، فأنت حر، وإن كنت ممن يستمعون القول، فلا يتبعون أحسنه، فأنت حر أيضًا، وإن قلت مع القائلين إن سوريا ليست دولة!! فأنت حر، وإن كنت من المخدوعين بهذه الجعجعة الإعلامية التي ثبت كذبها وزورها وافتراءاتها وأهدافها منذ مدة طويلة فأنت حر (إنك لا تهدي من أحببت) وإن كنت من المصرين على استمرار العنف والقتل وسفك الدماء في سوريا، وفي غير سوريا من أرض العروبة، فأنت حر أيضًا.
ولكن الذي لا بد أن تعلمه – أيها الحر- أن كافة الأطراف التي خدعتك، وزينت لك سوء أفعالها، وضللتك، وقلبت لك الحقائق، وزورت الأحداث، وزودتك بهذا السيل العرم من الأكاذيب والافتراءات قد تراجعت عن كل ذلك، بعد أن أيقنت أن أمرها قد أفتُضح، وبعد أن أدركت أن المآزق التي ألفت فيها نفسها هي مآزق من العيار الثقيل الذي لا تحسد عليه، وبعد أن اقتنعت أن كل مساعيها قد باءت بالفشل، وأن كل أحلامها وأوهامها وأباطيلها وأطماعها قد تحطمت على صخرة مقاومة الشعب العربي في سوريا العربية، وعلى صخرة إصرار هذا الجيش العربي السوري على المحافظة على الشعب السوري، والوطن السوري، والدولة السورية المقبلة غير المدبرة، والزمن السوري الآتي، والأماني السورية التي تحقق كثير منها، وما سيتحقق منها في المستقبل المنظور أكثر.
ولعل ما توصل إليه الرئيسان الروسي والأمريكي مؤخرًا يقطع الشك باليقين أن أوباما قد بات أكثر من مقتنع أن هذا السلاح الذي حارب به أصحابُه سورية العربية كان سلاحًا ذا حدين، وكان سلاح سوريا أكثر مضاءً، وأشد فتكًا، وأن أوباما بات أكثر من مقتنع أن معظم الناس في هذا العالم يدركون الحقيقة، وأن كثيرًا من الدول العظمى تقف بكل قوة وثقة وإصرار إلى جانب سوريا العربية صانعة تاريخ العرب الحديث، وقبل هذا وذاك فإن أوباما قد بات مقتنعًا بضرورة وضع حد لكل هذه الدماء التي تسفك على أرض سوريا ظلمًا وعدوانًا، دون أن تحقق شيئًا من أهداف أعداء سوريا الذين تكالبوا عليها، وتحالفوا ضدها، وغزاها مرتزقتهم وأعوانهم في عقر دارها للنَّيل منها، فكانت النتيجة مزيدًا من التماسك، ومزيدًا من الإصرار على التصدي، ومزيدًا من الإصرار على التحدي، ومزيدًا من الإصرار على الخروج من هذه المواجهات أشد قوة، وأمضى عزيمة، وأكثر إصرارًا على تحقيق الغايات والأهداف والطموحات، وأكثر إصرارًا على تحدي العدوان، ووضع حد لهذه الفتنة العمياء، والخروج بسوريا العروبة والإسلام وقد زين النصر المبين مفرقها، وزينت هامها أكاليل الغار والياسمين الدمشقي السوري الأبيض، والبغدادي العراقي الأصفر، والفل الدمشقي الناصع البياض.
فهل نستطيع القول بعد تفاهمات بوتين أوباما إن الغرب سيوعز لكل أتباعه بضرورة التوقف عن كل محاولاتهم اليائسة البائسة التي ألحقت بهم كل هذا العار؟ وهل نستطيع القول إن الغرب بشقيه قد بات مقتنعًا بضرورة وضع حد لهذا الصراع الدامي الذي سفك كثيرًا من الدماء على أرض سوريا العربية دون وجه حق، وهل نستطيع القول إن أتباع الغرب وأعوانه من العرب، وغير العرب قد باتوا مقتنعين بهذا؟ وهل نستطيع القول بالتالي إن الصراع في القطر العربي السوري يوشك على نهايته، وإن هذا الصراع لم يكن من أجل الإصلاح، بل على العكس تمامًا، فقد كان من أجل هدم البلد، وتقسيمه، وشطب سوريا عن الخريطة، وضرب المقاومة والممانعة في الصميم بتمزيق سوريا، والقضاء عليها كدولة فاعلة في التاريخ منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا؟ وهل نستطيع القول إن الباب قد أصبح مفتوحًا أمام المعارضين السوريين الوطنيين الشرفاء الذين يريدون الإصلاح؟ وإن الباب قد أصبح مفتوحًا أمام كل المخلصين الشرفاء من قادة العالم لعقد مؤتمرهم الذي يعلنون من خلاله وقوفهم بكل الحزم إلى جانب سوريا، وإلى جانب شعب سوريا، وإلى جانب التوجهات السورية العربية العروبية التقدمية التي لا تحابي، ولا تداهن، ولا ترائي، ولا تساوم، بل تبني، وتحمل راية المقاومة والممانعة، وتقود العرب في كل معارك البناء والتحرير القادمة، وتقودهم أيضًا نحو صناعة نظام سياسي عربي عروبي تقدمي تحرري يبني ولا يهدم، يوحد ولا يفرق، ويفتح الطريق لإقامة المشروع العربي الواحد الموحد على كل أرض العرب، وصولاً إلى المشروع الإسلامي العظيم على كل أرض المسلمين في مشرق الدنيا ومغربها.. لا نقول هذا تعصبًا، ولا نقوله ترويجًا لأحد، ولا نقوله انتقاصًا من شأن أحد.. هل من حقنا كعرب أن نتفاءل؟ وهل من حقنا أن نحلم بكل هذا، وأن نشرب المر، ونتحمل الآلام، ونخوض الصعاب من أجل مستقبل أمة العروبة والإسلام؟؟
أغلب الظن أن هذا هو ما سيحدث، والظن هنا ليس أكذب الحديث، بل إن الظن هنا هو من باب أصدق الحديث، ومن باب التأكيد على أن هذا هو ما سيحدث.. وأغلب الظن أن أمة العرب سوف تنفض عنها رداء المذلة والمهانة والتبعية والهوان والخضوع، وأغلب الظن أن الزعيمين الروسي والأمريكي قد نجحا أخيرًا في التوصل إلى الحل، وأنهما في طريقهما لإنهاء الصراع في القطر العربي السوري.. وإن غدًا لناظره قريب.
التعليقات (0)