تفاهات لا غنى عنها تواعدت مع صديقي و اسمه الحقيقي -
احمد - على ان نلتقي في مقهى - كوفي
شوب - مشهور, ترتاده مجموعة من
الرجال و السيدات من شتى الاعمار و
مختلفي المشارب و الجنسيات .
مع كرهي الشديد لما يسمى - بالارجيلة او
النارجيلة و في بعض البلدان بالشيشة -
خاصة تلك الرائحة المنبعثة منها مما
يسمى بالمعسل بانواعه المختلفة .
لكنني استمتع بمذاق السجائر و ادخنها
بشراهة .
وصلت في الموعد المحدد و استقبلني احد
الموظفين و ارشدني الى طاولة تحيطها
مجموعة من المقاعد , لكنني بينت له انني
انتظر صديقا واحدا فقط فكان لحسن الحظ
مكانا قرب احد النوافذ المطلة على الشارع
الرئيسي المقابل لمدخل المقهى .
لقد حضرت مبكرا بعشرة دقائق عن
الموعد . جلست مسترخيا في المقعد
المواجه لاكبر عدد من رواد المقهى ..
كانت الصالة شبه مليئة بروادها الا من
بعض الاماكن القليلة التي تنتظر من
يشغلها .. سيدتان في العقد السابع من
العمر في ملابس انيقة تتحدث احداهما في
جهازها الموبايل و بين لحظة و اخرى
تنفث عمودا من الدخان في الهواء يذوب
كغيره و ينتشر بعيدا في سماء المقهى .
كان الطقس في الخارج يميل الى البرودة
قليلا لكنه حار في داخل المقهى و كل
النوافذ و شفاطات الهواء تعمل باعلى
طاقاتها لتغيير و تنقية هواء المقهى .
كنت اشعر برغبة في السعال احيانا من
تلك السحابات الدخانية التي تصل الي في
مجرى التيار الهوائي المتسلل من خلال
النافذة التي اجلس بقربها . لكنني تمكنت
من كتم السعال و نجحت .
ثرثرة و ضحكات تصدر من هنا و هناك
بعض الصبايا و الشبان يتهامسون في
دوامة من نظرات الغرام . و اخرون
يتبادلون البسمات و النظرات الخاطفة .
جاء احد الموظفين الي و قدم لي قائمة
تحتوي على العديد من الاصناف التي
يقدمها المقهى تركها و ذهب , نظرت اليها
بتكاسل و بعدم اهتمام لانني لا اريد الا ان
اتناول فنجان من القهوة التي افضل شربها
في الساعات الاولى من الليل .
مرت الدقائق العشر سريعا و انا اتنقل في
نظري بين رواد المقهى و اضواء
السيارات المتراقصة بانعكاساتها على ما
يصادفها في سيرها على الشارع . اشعلت
سيجارتي الاولى في انتظار القهوة
كالمعتاد و تمردا على تاخر الصديق
المنتظر . فقد مضى على الموعد اكثر من
اربعة دقائق و لم يحضر . انتابني نوع من
القلق غير المبرر لكنه احساس ليس الا ..
نظرت الى الساعة عدة مرات في اقل من
عشر ثواني .. نعم لن يأتي . هو ادق في
مواعيده من الساعة كانت الساعة تضبط
على مواعيده فماذا حدث له ؟؟ وصلت
القهوة , تناولت رشفة منها بحذر فقد كانت
حارة جدا و اشعلت سيجارة اخرى و
سحبت منها نفسا عميقا جدا حتى كاد يخيل
الي انني انتقم من كل روائح المعسل
الطاغية في المقهى .
بقوة اطلقت سحابة دخانية من صدري
مكورا شفتاي لازاحم كل السحاب
الضبابي المنبعث من الاراجيل في تحد
عبثي .
لقد وصل احمد متاخرا جدا عن موعده ..
رايته و هو يسال الموظف نفسه عني و
عن مكاني فلم يعرفا لكني نهضت واقفا و
اشرت اليهما بايمائة انتبها اليها .. سار
متماوجا بين المقاعد المتناثرة هي و
الجالسين عليها في توزيع عشوائي يستغل
كل فراغ و مساحة ممكنة .
بادرته بالتحية تصافحنا ثم جلس في المقعد
المعد له امامي على الطرف المقابل من
الطاولة . اعتذر بادبه المعهود عن التاخير
دون ان يذكر اسبابا او مبررات لكن
نظراته الحائرة اوضحت اسبابا خاصة فلم
استفسر عنها .
جاء احد الموظفين باشارة مني طلبت منه
زجاجة ماء فقد شعرت ببحة في الصوت
من شدة الروائح التي ضغطت على حلقي
ثم طلب صديقي احمد ارجيلة في حوار
مع الموظف حول نوع و مصدر و طعم و
و اشياء اخرى عن المعسل و ايضا كوبا
من عصير - كوكتيل فواكه - دون كذا من
الفاكهة و كذا من كذا من الفاكهة بثلج
مجروش و ليس مكعبات و و و و هما
يبتسمان .
سالني بمرح مصطنع كمن يخفي شيئا
- كعادتك , قهوة و سجائر و لا شيء. الا
من تغيير .
اجبته كما عودته باقتضاب
- نعم .
اردف سريعا و هو يبطن استثارتي
- جمود في السلوك ام ترفع ؟
قلت له بتحد مصطنع
- هذا رايك ام انه مدخل الى حوار ؟
لم تروقه الاجابة بسؤال مضاد .
زم شفتيه و اطلق صفرة قصيرة خافته
ضحكت على تصرفه ..
لم اكن بحاجة الى الجدال فقد جئت الى
مكان لا يسعفني في قول ما اشاء بحرية
فنحن في مكان عام و الاصوات العالية
هي اكثر ما يثيرني فكيف اذا كان الهواء
الذي اتنفسه يجرح الصدر و يثير حساسية
قاسية تتفجر سعالات لا زالت تحت
السيطرة .
جاءت الارجيلة التي طلبها احمد جهزها
عامل مختص بالاراجيل رتب بعضا من
الجمرات في المكان المعد لها سحب من
الارجيلة عدة شفطات فتوهج الجمر و
نفث العامل سحابات من الدخان كانت
تزداد حجما في كل مرة ثم سلم زمامها الى
صديقي بعد ان صادق على جودتها و
صلاحيتها . ثم حضر الكوكتيل تحدثنا
كثيرا في العديد من المواضيع في ثرثرة
مترفة حكايات و اخبار و كلها لا شيء
سوى تضييع للوقت و قتل لملل ظنا منا
اننا انجزنا شيئا ..
كنا كغيرنا من رواد المقهى ننظر الى
بعضنا و الى لا شيء نقول اشياء لا تعنينا
نحلق في اجواء بعيدة باسترخاء مصطنع
نعلم انه كذب على الذات و قتل للهمم لكنه
ادمان من نوع اخر لا اظن انه اقل ضررا
من مخدر نجربه مرة ثم اخرى و بعدها
يتملكنا و ندعي اننا من ضحاياه .
التعليقات (0)