أكد خبراء ومسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن المغرب أصبح جدير بثقة المجموعة الأوربية، بعدما عبر في كثير من المجالات عن نجابة تفاعله مع سياسة الجوار الأوربية، وقد توفق إلى حد كبير بعد القمة الأوربية المغربية في تجاوز اختبارات الاتحاد الأوربي، وخاصة في عدد من الملفات التي يتفاوض حولها الاتحاد الأوربي بصرامة كبيرة، مثل ملف حقوق الإنسان، حيث أثبت المغرب قدرته على توسيع هامش الحريات داخله.
وأعلن خبراء دوليون أن المغرب وعلى الرغم من الصعوبات التي لا تزال تسجل في مجال حقوق الإنسان، وخاصة تلك المتعلقة بنزاع الصحراء، فإنه أثبت بالملموس أنه قطع أشواطا هامة مقارنة مع دول الجوار.
وأشار محللون إسبان الذين تترأس بلادهم الاتحاد الأوربي أن المغرب يشكل بالنسبة للاتحاد الأوروبي شريكا هاما ليس فقط في الفضاء الاورومتوسطي ولكن أيضا في منطقة المغرب العربي وفي إطار جامعة الدول العربية والقارة الأفريقية.
واعتبروا أن ذاك هو الذي جعل القمة الأوربية المغربية تكتسي أهمية بالغة ولحظة قوية للتأكيد على العلاقات الممتازة التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي انطلاقا من قناعته الثابتة بأن الوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الأوروبي للمملكة يمثل تموقعا "استثنائيا" في الشراكة الأورومتوسطية ويخدم على حد سواء مصالح المملكة والبلدان ال 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف متتبعون للسياسة الدولية أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يعتمد سياسة الدعم المشروط في تعامله مع البلدان المنخرطة في السياسة الأوروبية للجوار ومسار الشراكة، فإن المغرب هو البلد الأول المستفيد من الدعم المالي، إذ تقدر حصة تمويل برامج العمل لكل سنة بـ200 مليون أورو، خلافا للجزائر التي ترفض الحوار مع الاتحاد الأوربي حول القضايا الحقوقية، لأنها تعتبر أن تدبيرها شأن داخلي خاص، فإنها لم تحصل سوى على 220 مليون أورو خلال ثلاثة سنوات كما هو الحال في الفترة الممتدة بين 2007 و 2009، وعلى 172 مليون أورو فقط خلال مدى الفترة الممتدة بين 2010 و 2013. وخلافا أيضا للحصص التي قدمت لكل من تونس ومصر.
وأكدت روزا بلفور محللة بمركز دراسات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي قائلة: "إن المغرب يعد حاليا التلميذ النجيب للاتحاد الأوروبي على اعتبار أن الوضع متقدم معه في مجال إصلاح الجهاز القضائي وتعزيز الديمقراطية ومباشرة إصلاحات ذات صلة بحقوق الإنسان". كما أنه يبدي انفتاحا كبيرا في تعامله مع سياسة الجوار الأوروبية".
وقالت روزا بلفور، في معرض قراءتها لطبيعة سياسة الجوار مع دول المغرب العربي، وذلك عقب استضافتها من قبل منظمة "طومسن فوندايشن" (منظمة غير الحكومية) يوجد مقرها بالعاصمة البلجيكية بروكسل، "أن الجزائر ترفض إلى غاية اليوم أن تكون ضمن البلدان المنخرطة في السياسة الأوروبية للجوار؛ وهي الآن تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، من منطلق القوة التي توفرها لها العائدات الطاقية من النفط والغاز الطبيعي.
وأضافت بلفور أنه إذا كان المغرب قد شرع في الالتزام بتعهداته أما الإتحاد الأوربي قبل منحه لصفة الوضع المتقدم، حتى ناله تتويجا ومكافئة من الإتحاد الأوربي له لما قام به من إصلاحات هيكلية كبرى همت الجانب التشريعي والمالي والاقتصادي...، فإن باق دول المغربي لا تزال تبدي رفضا قويا اتجاه مطالبة الاتحاد الأوربي لها بإصلاحات بحسب شروط سياسة الجوار الأوربية.
ووصفت بلفور المغرب بالبلد النجيب بتفاعله القوي مع شروط سياسة الجوار الأوربية، في حين ما تزال الجزائر غير مقتنعة بالسياسة الأوروبية للجوار، وتفاوض الاتحاد الأوروبي بتحفظ شديد، حيث لم تجعل بعد سياسة الجوار الأوربية ضمن أولويتها على الأقل في الوقت الراهن.
وقالت: "إن الجزائر ترفض التدخل في شؤونها الداخلية، لاسيما عندما يطلب منها القيام بإصلاحات ذات صلة بحقوق الإنسان والديمقراطية وبإعادة هيكلة بعض القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، بل وترفض بشدة التعاون معنا في إطار الشراكة بخصوص بعض القطاعات، وهو رفض غير مفهوم في كثير من الحالات كرفض وزارة التكوين المهني التعاون معنا رغم الاتفاق المبدئي الموجود معها".
وأشارت أيضا أن تحفظ الجزائر من الانخراط في السياسة الأوروبية للجوار، وعدم إحراز تقدم معها في مجال اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، توجد وراءه اعتبارات كثيرة من بينها عدم الانخراط الإيجابي للجزائر في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، والذي اتهمته بأنه منتوج (ساركوزي) بالأساس، جاء ليعرقل تطبيق ما تعتبره المسار الشرعي لاتفاق برشلونة.
ويعتبر عدد من المحللين أن الجزائر لا تمارس السياسة الدولية بكثير من الجدية، وخاصة على مستوى التفاوض مع الاتحاد الأوربي لكونها لم تستطع الحسم في نقطها الخلافية مع فرنسا كعضو في الاتحاد الأوربي من جهة، ومطالب المجموعة الأوربية كتكتل.
وأكدوا أن الجزائر تراجعت عن كثير من التزاماتها حيال الاتحاد الأوربي لخلافاتها الكبيرة التي تفجرت في الآونة الأخيرة مع فرنسا حول عدد كبير من النقط، وعلى رأسها الدعم الفرنسي للمغرب في النزاع حول الصحراء، وبعد الاتهام الفرنسي للجيش الجزائر في مقتل الرهبان الفرنسيين السبعة بمنطقة تبحرين بالجزائر، وإضافة إلى طلب الجزائر من فرنسا تعويضات عن استعمارها لما يزيد عن 120 سنة، وكذا التعويض عن التجارب النووية التي تقول الجزائر أن فرنسا قامت بها في الصحراء الجزائرية...
وأوضح رئيس اللجنة البرلمانية الأوروبية المشتركة "بيار أنطوني بانزيري"، أن "الجزائر وإذا استطاعت أن تفصل بين القضايا الثنائية مع دول أعضاء في الاتحاد الأوربي والقضايا الصادرة عن الاتحاد الأوربي فبإمكانها أن تحصل من الاتحاد الأوروبي على أشياء هامة في إطار الشراكة بينها اتفاقيات تتعلق بتطوير القطاع الفلاحي، وكذا تطهير المياه.
وأكد رئيس اللجنة البرلمانية أن الجزائر يجب عليها أن تلعب دورا بناء في المغرب العربي ولاسيما في جانب تعزيز علاقاتها مع المغرب، وهو بذلك إنما يلمح إلى الانشغال الكبير للاتحاد الأوروبي بمسألة فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، وتحميله مسؤولية الجزائر في ذلك، كما يشير إلى أن الاتحاد الأوربي يعتبر أن موقف السلطات الجزائرية الرسمية من العلاقات مع المغرب يحول دون تفعيل هياكل اتحاد المغرب العربي.
وأفاد خبراء أوربيون أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي قدРلقي تجاوبا وانفتاحا من قبل المغرب، فإنه يبدي استياءه من تعنت الحكومة التونسية إزاء تطبيق بعض البرامج ولاسيما في مجال حقوق الإنسان، وقالوا: أنه ماعدا الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة، والوضع غير متقدم في تونس، فإن هناك صعوبة كبيرة تكمن في الجانب السياسي، ففي هذا البلد توجد دولة أسماها "بوليسية" ترفض الإصلاحات الخاصة بحقوق الإنسان".
وقال رئيس اللجنة الأوروبية المشتركة "بيار أونطوني بنزيري" هذا الوصف، وهو نفس منظور الاتحاد الأوروبي تجاه تونس: "إن الوضع بكل من تونس ومصر في مجال حقوق الإنسان مختلف تماما عما هو موجود في المغرب، ولو أن قضية حقوق الإنسان ستبقى دائما ضمن الانشغالات الأساسية للاتحاد الأوروبي".
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)