مواضيع اليوم

تغيير الواقع.. ليس بالشكوى

nasser damaj

2009-12-21 04:30:33

0

تغيير الواقع.. ليس بالشكوى 
بقلم: خليل الفزيع 

كثيرون مع شديد الأسف من يضيقون ذرعا بالحياة، تقابل أحدهم فلا يلبث أن ينهال عليك بالشكوى المرة من الحياة ومنغصاتها، ولا يرتاح له بال حتى يصدع دماغك بهمومه، لا من باب البوح من صديق لصديق، ولكن من باب الرغبة في تأكيد تذمره مما يجري حوله من أمور يراها معوجة، ويعتقد أن مسارها لن يستقيم إلا بالأسلوب الذي يتصوره حتى وإن كان تصوره غريبا أو مستحيلا أو منافيا لما تمليه ظروف الحياة ومقدراتها، وهذه الشكوى تدفعه لنسيان ما يتوفر له من النعم التي لا تتوفر لغيره، ويتجاهل ما قد يتاح له من فرص الاستقرار والراحة مما ربما لا يتاح لسواه، لكن الشكوى لديه أصبحت عادة، والتذمر صار لديه سلوكا لا سبيل للخلاص منه، سوى بموقف يعيد له توازنه، ويذكره بالنعم التي يرفل في أثوابها، ليردد قول القائل بندم:
رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه
مثل هذه الشخصيات التي لا ترى في الورد إلا الشوك، ولا ترى في الكأس إلا نصفها الفارغ، لا يمكن أن تعرف السعادة، بعد أن تبوتقت في انحراف المزاج، وتشرنقت في رفض كل ما هو متاح من أسباب الرضا والسعي لتحقيق الطموحات الكبيرة، وكأنما خلقوا لتكون في أفواههم ملاعق من ذهب، وأن تسير الحياة وفق أهوائهم ورغباتهم! وإن لم يتحقق لهم ما أرادوا، نغصوا حياتهم وحياة من يرتبط بهم بأي سبب من أسباب الحياة، فهم نقمة ليس على أنفسهم بل وعلى من حولهم، ومع أن تجارب الحياة كفيلة بتلقينهم دروسا لا تنسى، وعبرا لا يمكن تجاهلها، لكنهم قد أغلقوا عيونهم وآذانهم عن رؤية وسماع حقائق الحياة، وفتحوا أفواههم للشكوى والتذمر فلا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما يقال في الأمثال، فحياتهم سلسلة من الرفض لما هو كائن، دون التفكير في العمل لتحسين ما سيكون، ودون النظر إلى ما حولهم من النعم، والاستفادة منه لبناء مستقبل أفضل، بدل الانشغال في طلب ما لا يمكن تحقيقه، والركض وراء السراب الذي لا طائل من ورائه، كمن يريد إدخال الجمل في ثقب الإبرة.
أن تكون واقعيا هو أن تستفيد من الواقع في بناء المستقبل، لا أن تغرق في أحلام اليقظة وتنسى حقائق هذا الواقع، ليمضي بك قطار العمر حتى النهاية دون أن تحقق شيئا لك او لغيرك، ودون أن يسلم الناس من تذمرك وشكواك المبنيان على الأوهام والإصرار على بناء قصور في الهواء:
هو عبء على الحياة ثقيل
من يرى في الحياة عبئا ثقيلا
إن الحلم بالغد الأفضل لا يتحقق بمجرد رفض الواقع رفضا قاطعا، بل يتحقق بتحويل هذا الوقع إلى ما هو أجمل وأحلى وأكثر نفعا للفرد والجماعة، وهذا بالضرورة يقتضي العمل بمثابرة وجد وتصميم، وإرادة لا تعرف الشكوى والتذمر ولا تعترف بالعقبات والعوائق، وبمثل هذا العزم الصادق تتحقق الإنجازات الفردية، وأي أنجاز فردي لا تقتصر فوائدة على منجزه، بل هي فوائدة تسهم في تنمية الوعي بالمشاركة في البناء الاجتماعي والتنموي، وبقدر مساهمة الأفراد الإيجابية وإنجازاتهم التنموية.. يتحقق تقدم وازدهار الشعوب، لأن العمل الجماعي قائم أساسا على العمل الفردي الذي يشكل في مجمله تراكما في العطاءات الإيجابية المتنوعة، مما يحقق قاعدة صلبة للبناء التنموي في تصاعده المستمر نحو التكامل والتأثير المباشر في صنع حضارة العصر وتقدم البشرية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات