مواضيع اليوم

تعليم بلا جدوى

محمد بلغازي

2009-08-26 15:08:46

0

تعليم بلا جدوى
إبراهيم عبدالمعطي متولي
فوجئت حين انتقلت إلى شقتي الجديدة بأن الذي يعمل حارسا للعقار طفلة تدعى "هناء" تبلغ من العمر 12 عاما، وعندما سألتها عن دراستها أخبرتني أنها لم تلتحق بالمدارس وأنها لا تعرف القراءة ولا الكتابة، رغم أن هيئتها وأسلوب حديثها يدلان على أنها متعلمة.. علمت أنها التحقت بفصول محو الأمية لبعض الوقت، لكنها تركتها لظروف العمل الذي يستغرق وقتها وجهدها، فهي تلبي طلبات السكان وتتكفل بجميع متطلبات العقار، إضافة إلى أنها وأسرتها –التي يعمل جميع أفرادها- يوفون احتياجاتهم إلى نهاية الشهر بصعوبة بالغة، ولا يأكلون من الطعام إلا الزهيد الذي يقيم أودهم، ويشترون ملابسهم بالتقسيط.
حال "هناء" كحال نحو 70 مليون عربي يعانون من الأمية، وأشارت التقارير في بداية هذا العام إلى أن ثلثي هذا العدد من النساء. ونسبة الأميين كبيرة بالمقارنة بعدد سكان العالم العربي الذي يبلغ نحو 340 مليون نسمة، أي أن ما يزيد على خمس سكان العالم العربي يجهلون القراءة والكتابة، وإذا وضعنا في الاعتبار الأطفال الذين لم يبلغوا المرحلة السنية للالتحاق بالمدرسة فإن النسبة ستكون مفزعة. هذا عن حال الأمية الكتابية، فما بالنا بأمية الثقافة، وهذا يحدث في القرن الواحد والعشرين قرن المعرفة المتدفقة. العالم يبحث في أدق تفاصيل العلم ونحن نغط في نوم عميق، وكأننا خارج سياق الأحداث.
حين فكرت بموضوعية في حال الأسر التي لا ترغب في تعليم أبنائها، وجدت أنهم معذورون، لأن التعليم صار مكلفا جدا، ولا تصدق من يقول إن التعليم مجاني في العالم العربي، فقد ولى زمن مجانية التعليم، وتكلفة التعليم العالية لا تقتصر على المدارس الخاصة، وإنما تمتد إلى المدارس الحكومية، إذ إن الأعداد الكبيرة في الفصول لا تمكن المدرس من توفية الشرح حقه، ويضطر كثير من الطلاب إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
وإذا بحثنا عن نتيجة التعليم بعد انتهاء مراحله بالجامعة نجد أن الطالب في عدد من الدول العربية لا يجد عملا يناسب تخصصه بعد التخرج، فيضطر إلى العمل في مهنة لا علاقة لها بما درسه في المدرسة أو الجامعة، فهناك شباب يعملون في المطاعم رغم أن تخصصهم في الجامعة علم النفس، وآخرون يعملون في محطات تزويد الوقود، وقد يبحث الشاب عن وظيفة مثل هذه الوظائف لكنه لا يجد فرصة، وبعضهم لجأ إلى الانتحار بسبب الخجل من مد يده لكي يأخذ مصروفه من والده كما اعتاد أيام الدراسة، أضف إلى ذلك إحساسه بالعجز عن تدبير نفقات تكوين الأسرة، في الوقت الذي يكسب فيه من هم في مثل عمره الأموال الوفيرة لأنهم اختاروا منذ البداية ترك التعليم والالتحاق بمهنة تمكنهم من إعاشة أنفسهم وتحقيق حلم الارتباط بفتاة الأحلام.
الفقراء في وطننا العربي يرون التعليم بلا جدوى، بل إنه مرهق ومكلف ونتيجته غير مضمونة، أما الطريق الآخر طريق العمل منذ الطفولة فإنه الطريق المضمون ونتيجته ملموسة، فالأموال التي يحصلون عليها حتى لو كانت قليلة فإنها أفضل من صرف المبالغ في تعليم لا فائدة ترجى منه بعد انتهاء مراحله.
الصورة كئيبة ومحزنة، لكنها الحقيقة المرة التي لا نستطيع الفرار منها، فكل البرامج الزائفة التي تضعها الحكومات العربية لمحو الأمية لا تقنع الفقراء بإلحاق أبنائهم بها، وكان أولى بهذه الحكومات أن توفر لهم الحياة الكريمة، حتى يحرصوا على تعليم أبنائهم، ولا شك أن البلد الذي يرتفع فيه مستوى التعليم هو بلد ينحو نحو التقدم، ونحن في عصر لا يرحم الضعفاء، ويعترف بالأقوياء الذين يمتلكون أسرار التكنولوجيا، ويندفعون نحو كشف أسرار العلم، أما الدول التي تركن إلى الجهل فإن الدول القوية تستنزف ثرواتها وترقى على أكتافها.
إن الأعداد التي تنضم إلى قائمة الأمية هي ثروة نهدرها ضمن ما نهدر من ثروات، والإنسان أعظم ثروة يمكن استثمارها، لأنه العقل المفكر الذي يدير الثروات المادية، ويستطيع استغلالها الاستغلال الأمثل إن امتلك العلم، أما الجهل فإنه يهدر كل شيء.
(نشر في موقع العربية نت، على الرابط: http://www.alarabiya.net/views/2009/07/01/77549.html)

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !