تعليم المراهقين والشباب من خلال خدمة المجتمع
بيان مقدم من الجامعة البهائية العالمية للدورة الخامسة والأربعين للجنة السكان والتنمية
نيويورك
ترحب الجامعة البهائية العالمية بالفرصة السانحة لتقديم مساهمتها في مداولات لجنة السكان والتنمية في دورتها الخامسة والأربعين، في موضوع "المراهقين والشباب". ويسرنا أن اللجنة اختارت التركيز على هذه الفترة المحورية من فترات التنمية البشرية، والتي تضم ما لا يقل عن مليار نسمة تتراوح أعمارهم بين سن العاشرة والتاسعة عشرة. وهذه فترة حرجة يحدث فيها تغيير شخصي ويبدأ خلالها الشباب في الاستكشاف والتطبيق الواعيين لمعارفهم وقيمهم ومعتقداتهم في ما يتعلق بالحياة الفردية والحياة الجماعية. وفي خلال هذه الفترة، فإنهم يتحملون مسؤوليات جديدة – فيقدمون الرعاية في المنزل، ويساهمون في دخل الأسرة، ويصبحون جهات محركة أساسية في تغيير مجتمعاتهم وأممهم. وبنهاية هذه الفترة، يكون العديد منهم قد اضطلع بالمسؤوليات الكاملة للبالغين.ولا يمثل النمو المتوقع لعدد السكان في العالم تحديات فقط بل فرصًا متعددة لحكومات ودول العالم. ووفقًا لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، فإن نصف عدد السكان في ٥٦ بلدًا هم دون سن اﻠ ٢٠، وأشارت الصفحة الشبكية للسياسة الصحية العالمية للولايات المتحدة المعنونة "السكان تحت سن ١٥ (نسبة مئوية)" إلى أنه، في ٤٧ بلدًا، فإن أعمار ٤٠-٥٠ في المائة من السكان تتراوح بين صفر و ١٤ سنة. وترسم الإحصاءات في الوقت الحاضر صورة قاتمة لهذه المجموعة: فنصفهم يعيش في فقر، وربعهم يعتمد في بقائه على قيد الحياة على ما يعادل أقل من دولار واحد يوميًا. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومعهد الإحصاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، فإنه في عام ٢٠٠٩، كان ٦٧ مليونًا من الأطفال الذين هم في سن الدراسة بالمرحلة الابتدائية، و٧٢ مليونًا من الأطفال الذين هم في سن الدراسة بالمرحلة الثانوية الدنيا، لا ينخرطون في التعليم الرسمي، وغالبيتهم من الفتيات. وبرغم أن التحديات الماثلة هائلة، إلا أن الشباب ليسوا ضحايا في حاجة إلى الآخرين لكي يحلوا لهم مشاكلهم. بدلا من ذلك، فإن هذه الفئة العمرية تمثل مصدرًا هائلا للإمكانات الفكرية والاجتماعية التي تنتظر من يقوم بتطويرها وتوجيهها نحو غايات اجتماعية بناءة.إن مستقبل مجتمع اليوم سيعتمد إلى حد كبير على الطريقة التي يتم بها تصميم البرامج والطرق التعليمية لتُطلِق الطاقات الكامنة لدى الشباب وتُعِدّهم للعالم الذي سيرثونه. وقد تم ترسيخ وتأكيد العلاقة بين التعليم وبين الرفاه الفردي والجماعي في الفقرتين ١١-٢ و ١١-٣ من برنامج العمل للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية وبرنامج العمل العالمي للشباب حتى سنة ٢٠٠٠ وما بعدها. وتركز مساهمتننا في دورة اللجنة هذه على بعدٍ معينٍ للتعليم، ألا وهو "التعليم في خدمة المجتمع"، والذي هو، بناء على تجربتنا، أمر أساسي في عملية التحول في حياة الفرد والمجتمع. ومن المعروف جيدًا أن القوى التي تؤثر في التنمية الفكرية والعاطفية للطفل لا تقتصر على فصول الدراسة. والقوى التي تؤثر على الشباب من خلال وسائل الإعلام، والتكنولوجيا، والأسرة، والأقران، والمجتمع الأوسع، وغيرها من المؤسسات الاجتماعية تنقل رسائل قد تكون مُعَزّزةً في بعض النواحي ومُناقِضةً من نواحٍ أخرى، الأمر الذي يسهم في إرباك العديد من الشباب – بشأن الهوية، والغرض الأخلاقي، والواقع الاجتماعي. وعليه، فإن التعليم الرسمي يجب أن يذهب إلى أبعد من الهدف الحصري المتمثل في مساعدة الشباب على الحصول على العمل بأجر. وينبغي أن تساعد العمليات التعليمية الشباب على التعرف على إمكانيتهم والتعبير عنها، بينما تُنَمّي فيهم في نفس الوقت القدرة على المساهمة في الازدهار الروحي والمادي لمجتمعاتهم. وفي الواقع، فإنه لا يمكن للمرء أن يقوم بتطوير مواهب وقدرات شخص آخر تطويرًا كاملًا في عزلة عن الآخرين.ويُقَدِّم مفهوم الغرض الأخلاقي ذو الشقين – المتمثل في تطوير الإمكانيات المتأصلة لدى الفرد، مع المساهمة أيضًا في تحويل المجتمع – محورًا مهمًّا للعملية التعليمية. وحين يبحث المرء في المؤثرات التي تُشكِّل عقول الشباب والمراهقين، يصبح من الواضح تمامًا أن هناك قوى عديدةً تُوَلِّد السلبية والرغبة في ما يُسلّي النفس. وتساهم هذه القوى في تكوين أجيال كاملة مستعدة لأن يقودها أولئك الذين يستغلون بمهارة الانفعالات السطحية. وتنظر العديد من البرامج التعليمية إلى الشباب باعتبارهم مجرد أوعية لحفظ المعلومات. وللوقوف في وجه هذه الاتجاهات، سعت الجامعة البهائية في جميع أنحاء العالم إلى تطوير ثقافة تُشجع على إيجاد نهج مستقل للتفكير والدراسة والعمل، يرى الطلاب فيه أنفسهم وهم موَحَّدون عن طريق الرغبة في العمل من أجل الصالح العام، يدعم بعضهم بعضًا ويتقدمون معًا، ويحترمون المعارف التي يمتلكها كل واحد منهم.وعلى الرغم من أن الظروف تختلف اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر – سواء أكان مجتمعًا ريفيًا أو حضريًا، غنيًا أو فقيرًا من الناحية المادية، مسالمًا أو غير آمن- فإن الأهمية المركزية للمعرفة في ازدهار الشباب والمراهقين لا تتغير. فالحصول على المعرفة هو حق لكل إنسان. والمسؤولية عن توليد المعارف الجديدة وتطبيقها بطرق مفيدة من الناحية الاجتماعية تقع على كاهل كل شاب وشابة. وبنفس الطريقة، فإن خلق البيئة المواتية لهذه العملية هو واجب على كل حكومة. وبدون الحصول على المعرفة، تصبح المشاركة الفعالة للشباب في شؤون مجتمعاتهم أمرًا غير ممكن. لذا، يجب أن ينصب التركيز الأساسي للعمليات التعليمية على بناء قدرات الشباب على المشاركة الكاملة بوصفهم الجهات المحركة الرئيسية للتقدم الاجتماعي.وتتخذ المشاركة الفعالة أيضًا شكل العمل الآمن والمنتج. والتعليم الذي لا يغرس في الشباب الوعي بطاقاتهم الكامنة، وبدورهم كمواطنين فاعلين، وباحتياجات مجتمعهم، يزيد من إضعاف احتمالات حصول الشباب على العمل. وهذا بدوره يغذي هجرة الشباب المتعلم من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية ومن الدول غير الصناعية إلى الدول الصناعية. وعلى الرغم من أنه كثيرًا ما ينظر إلى الشباب ببساطة على أنهم المستفيدون من التعليم، إلا أنهم يجب أن يشاركوا في تطوير النظم التعليمية، مما يساعد على التوفيق بين محتوى ومنهجية العمليات التعليمية وبين احتياجات وتطلعات مجتمعاتهم. ومما يزيد من التأكيد على هذه الحاجة الملحة، معدلات النمو السريع للسكان الشباب والمراهقين في بعض أنحاء العالم.ولكي يقوم الشباب بدورهم الهام، فلا بد من معالجة عدم المساواة في حصول الفتيات على التعليم ذي النوعية الجيدة. وكما تم التأكيد مرارًا وتكرارًا، فإن لتعليم الفتيات "أثرًا مضاعفًا"، حيث أنه يؤدي إلى تضاؤل فرص الزواج المبكر؛ وإلى زيادة احتمال قيام الفتيات بدور مستنير ونشط في تنظيم الأسرة؛ وإلى انخفاض معدل وفيات الرضع والوفيات النفاسية؛ وإلى تعزيز مشاركة الفتيات في صنع القرارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ وإلى تعزيز الرخاء الاقتصادي. وهذا أمر ملح على وجه الخصوص في الأجزاء من العالم التي تتزوج فيها الفتيات، وتبدأ في الإنجاب، في سن المراهقة. وتستند الحاجة إلى توسيع نطاق فرص التعليم لتشمل الفتيات إلى المفهوم المتمثل في أن المساواة بين الرجال والنساء والفتيان والفتيات هي حقيقة أساسية في الواقع الإنساني وليست مجرد شرط من المرغوب تحقيقه من أجل خير المجتمع. فهناك حاجة إلى مشاركتهن الكاملة في مجالات القانون، والسياسة، والعلوم والتكنولوجيا، والتجارة، والدين، على سبيل المثال لا الحصر، لصياغة نظام اجتماعي مستنير بمساهمات وحكمة نصف عدد سكان العالم. ولأن المرأة هي واحدة من أقوى المؤثرات على صحة ورفاهية أبنائها، فإن القصور في تعليم الأم سيتضاعف، في معظم الحالات، عبر الأجيال المقبلة. لذا يجب على الحكومات متابعة التزاماتها بمنع الممارسات غير العادلة مثل وأد الإناث، واختيار نوع جنس الجنين قبل الولادة، وختان الإناث، والاتجار بالطفلات، واستخدام الفتيات في البغاء والمواد الإباحية، كما يجب عليها إنفاذ قوانين تكفل عدم عقد القران إلا بموجب الموافقة الحرة والكاملة لكلا الزوجين. ويجب أن يكون الهدف الرئيسي هو معالجة الأسباب الجذرية للتحيز الجنساني حتى يتسنى لجميع الناس لعب دورهم المشروع في تغيير المجتمع.إن الاستثمارات التي تقوم بها الحكومات في تعليم وصحة شبابها ومراهقيها لا تقل في قيمتها عن الاستثمار في استقرار وأمن ورخاء الأمة نفسها. والنُهُج والأساليب التعليمية التي تسترشد باحتياجات وتطلعات مجتمعاتها المحلية المعنية، وتحظى بدعم الأسر والمؤسسات الاجتماعية، وتعمل بدافع من إدراكها للإمكانات الكامنة التي لا تُقدر بثمن، والموجودة لدى كل طفل، ستفتح وعي الشباب والمراهقين ليس فقط على قدراتهم الفكرية ولكن أيضًا على دورهم كجهات مُحرِّكة أساسية للتغيير في مجتمعاتهم وفي العالم.
التعليقات (0)