مواضيع اليوم

تعليمنا وتعليمهم

رانيا جمال

2012-05-08 03:55:51

0

وقفت أتأمل المشهد، حيث لم يكن يكسر الصمت سوى خرير المياه الصافية المنسابة على تلك الصخور في ذلك الصباح الجميل، وبينما كانت الغيوم تغطي الجزء الأكبر من سماء المدينة، كان ضوء الشمس يتسلل بين فينة وأخرى من خلال تلك الغيوم، ليرسل القليل من الدفء إلى أنامل أولئك الصغيرات الغضة التي تطبق بصعوبة على الأقلام في هذا الطقس البارد، على خلاف معظم أجزاء الكرة الأرضية الأخرى في هذا التوقيت من العام.

مشهد تكرر بعد ذلك بأشكال مختلفة في أماكن كثيرة من تلك المدينة ذات الطابع الغربي، برغم وقوع أستراليا في الجزء الجنوبي من شرقي الكرة الأرضية، ففي ميناء "دارلنغ هاربر" كان طلاب وطالبات أكثر من خمس مدارس، بملابسهم المميزة، يفترشون أرضية الممرات المحيطة بالميناء، يرسمون الأرصفة والسفن الراسية على جوانب الميناء.

والجسر الذي يمر بجانبه، وفي حديقة الحيوانات "تارونجا زو" انتشر طلاب وطالبات في عمر الزهور، يرسمون الحيوانات التي يقرؤون عنها في كتبهم المدرسية، ويستمعون إلى شرح مدرسيهم عنها على الطبيعة الحية، لا على صفحات الكتب داخل الفصول.

مشاهد رائعة لأطفال صغار يضعون أقدامهم على الدرجات الأولى من السلم الدراسي، بطريقة مختلفة تحببهم في المواد التي يدرسونها، وتنقلهم من جو الفصول المغلقة إلى الفضاء الرحب الذي يعج بالحياة والحركة والنشاط، مشاهد أعادتني إلى الفصول الدراسية التي تلقينا فيها دروسنا الأولى، وإلى الفصول التي يتلقى فيها أبناؤنا الآن علومهم، مع الفارق في الإمكانات التي كانت متاحة قبل قيام الدولة في مرحلة البدايات، والإمكانات المتاحة حالياً.

في ظل الميزانيات الضخمة التي ترصد لوزارة التربية والتعليم، ومجالس التعليم وهيئات المعرفة، وفي ظل الرسوم الباهظة التي تتقاضاها المدارس الخاصة من الأهالي الذين يعتقدون أن القطاع الخاص يوفر تعليماً أفضل لا توفره المدارس الحكومية، بينما واقع الحال يقول:

إن التعليم بفرعيه (الحكومي والخاص) لا يرقى إلى المستوى المأمول الذي يمكن أن يكوِّن طالبا يقارن بطلبة الدول المتقدمة تعليمياً، باستثناء بعض النوابغ الذين يمتلكون قدرات خاصة، ولا يمكن أن يشكلوا قاعدة نستطيع القياس عليها.

كيف يمكن أن نصل إلى هذا المستوى؟ هذا هو السؤال الذي طرحناه كثيرا، وسنظل نطرحه حتى نجد إجابة عملية عنه، لأنه محل خلاف دائم بيننا وبين المسؤولين عن العملية التعليمية، ليس في بلدنا فقط، وإنما في كل الدول العربية، باعتبار التعليم هو اللبنة الأولى في النهضة التي نتطلع إليها للخروج من المأزق الذي نمر به منذ عقود طوال، ومازال مستمرا حتى بعد ثورات الربيع العربي. وما لم نتوصل إلى خطة ترقى بتعليمنا إلى الدرجة التي تجعل أبناءنا يقبلون عليه برغبة وحب كاللذين رأيتهما في عيون الطلاب والطالبات الصغار الذين كانوا ينتشرون في "الحديقة الصينية" في ذلك الصباح، وفي عيون أولئك الذين رأيتهم خلال الأيام التالية في مواقع مختلفة من تلك المدينة الأسترالية.

فإن كل الأموال التي نرصدها لوزارة التربية والتعليم ولمجالس التعليم وهيئات المعرفة، وتلك التي ندفعها للمدارس الخاصة، سوف تذهب هباء وسيظل أبناؤنا يمزقون كتبهم ويقذفون بها في الهواء مع نهاية كل سنة دراسية، تعبيراً عن عدم رضاهم عن البيئة التي يتلقون علومهم فيها.

في النصف الأول من شهر إبريل الماضي، وزع مجلس أبوظبي للتعليم على أولياء الأمور استطلاعاً لمعرفة مدى رضاهم عن جودة التعليم في الإمارة، وهو استطلاع يقوم به المجلس للعام الثاني على التوالي، حيث شارك في استطلاع العام الماضي،.

كما ورد في رسالة المجلس التي أرسلت إلى البيوت مع الطلبة، أكثر من عشرة آلاف من أولياء الأمور، عبروا عن آرائهم في المدارس التي يتعلم فيها أبناؤهم، وقد كان هذا من الأهمية بمكان، حيث ساهمت تلك الآراء في استخلاص نتائج وتصورات حول مواطن القوة في المنظومة التعليمية، وكذلك المجالات التي تحتاج إلى تطوير، على وفق رسالة المجلس.

استطلاع كهذا لا شك أنه خطوة حضارية تحسب لمجلس أبوظبي للتعليم، مثلما يحسب لهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي ما تبذله من جهود في إعداد ونشر تقارير الرقابة المدرسية، التي توفر لأولياء الأمور في دبي معلومات تفصيلية عن جودة العملية التعليمية في مدارس الإمارة، لمساعدتهم على اتخاذ قرار اختيار المدرسة الأنسب لاستثمارهم في أبنائهم.

كما تساعد المعلومات التي ترد في هذه التقارير، أولياء الأمور على العمل عن قرب مع مدارس أبنائهم، بوصفهم شركاء في العملية التعليمية، لمساعدة المدارس في عملية التطوير. لكن هذه الخطوات تظل مشاريع غير مكتملة، ما لم تتحول إلى خطوات عملية ملموسة على الأرض، وما لم تتضافر معها جهود وزارة التربية والتعليم التي لا تمتد مظلتها إلى بعض إمارات الدولة، على خلاف ما ينص عليه الدستور.

وهذه إشكالية أخرى تحتاج إلى بحث كي تكتمل الصورة التي نتمناها مشرقة وزاهية، لأنها تتصدر واجهة الدولة التي نعمل جميعا على أن تكون في مقدمة الدول.

بين تعليمنا وتعليمهم فارق نتمنى أن نعمل جميعا لتقليصه، كي نوفر البيئة التي تجذب أبناءنا للدراسة، وكي نرى علامات الرضى على وجوه هؤلاء الأبناء الذين يتلقون تعليمهم في تلك المدارس، قبل أن نراها على وجوهنا نحن الذين نجلس في بيوتنا ونذهب إلى أعمالنا، ملقين بمسؤولية إعداد أبنائنا للحياة على تلك المدارس.. فلا يُعقَل أن تستضيف دولتنا أكبر عدد من الفروع الجامعية الدولية على مستوى العالم، ويبقى التعليم المحلي لدينا دون المستوى.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !