تبدأ الحياة بالطفولة والتي تزخر بقانون الثواب والعقاب المادي إذ يلجأ الوالد إلي الثواب والعقاب لتعليم أبنائه وهذه صورة بدائية للقانون السائد في مجتمع يقره ليطبق علي أصحاب الأهلية, وأكثر من ذلك أن التزام الصبي بالصلاة مثلا لا يكون لإرضاء الله لبعد ذلك المفهوم المجرد عن عقل الصبي وإنما يكون لإرضاء الوالد وليس المهم فيمن تنعقد فيه أهلية الحساب ولكن المراد (ما هو الدافع؟) أي أن الإلتزام يبدأ بالزجر وهنا يتحقق الجزء الأول من القول المأثور (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) ثم إذا استمر الحال إلي بلوغ مرحلة التكليف يكون المرء قد حصل من المعلومات ما ينقل السيادة من الوالد إلي المجتمع وقوانينه. ثم يبقى البعض غير متسق مع هذا القانون لأسباب لا نتعرض لها الآن لأن لها مجالا أرحب ولكن بالعودة إلي السياق فإن هؤلاء يكونون تحت طائلة العقاب المادي لضعف تلاقح القانون مع الأخلاق حيث أن نشر الأخلاق الفاضلة هي غاية تطبيق القانون ولولا الخلل والمخالفة لما كان للقانون وجودا ولكان المجتمع أفلاطونيا وهذا محال في دنيا البشر. وفي حلقة أخري في سلسلة التطور يصبح الالتزام عادة ثم عرفا ثم نسق حياة وأدلل علي ذلك بانتقال شخص شرقي من بلد متخلف إلي دولة متحضرة لأي سبب تجد أن سلوكه يتحول سريعا إلي ما يتناسب مع المجتمع الجديد بسبب خاصية التكيف ولها بحث آخر. إن الترقي في السلوك بعيدا عن التنظير الفلسفي يخضع للقانون والسيطرة الجماعية وأعراف المجتمع.... وما جاءت الأديان إلا لترتقي بالسلوك ورسمت لها كما أسلفنا قوانين زاجرة وحدودا تقام علي المجرم حتى إذا اعتاد أفراد المجتمع تطبيقها صارت خلقا رفيعا متبعا وعلي ذلك فإن الفصل بين قبول توصيف الأخلاق وعملية تطبيقها واجب لأن منطقية القوانين واتساقها مع الفكر السوي لا تختلف عليه نفس بشرية ولا حتي الحيوانات التي تعرف ما يسمح لها وما لا يسمح فتهرب بالفريسة لعلمها بالمخالفة وتأكل ما تعطيها بسماحة وهي بين يديك ولذلك فإن المزاوجة بين الدين وبين القانون الرادع ضرورة بشرية لا مفر منها لانعدام إمكانية تحقيق المدينة الفاضلة... أليس من الأفضل أن نقول أن الدين في الوعي الجماعي لا ينتج سلوكا إلا بالتوجيه المستمر في تعديل المسار من خلال الثواب والعقاب حتي يتحول طريقة حياة؟ أما شرع الله حدودا تحتاج لمن يقيمها وينفذها؟ ألم نشر إلي أن المسؤولية والأخلاق لا تمارس إلا من خلال القانون ولو كان عرفا فقط يحققه حكماء القرية وحكام الدولة؟ ألم نقل أن بداية الالتزام تطبيق لمعايير العرف وقدرة المجتمع علي التقويم المستمر؟ ألا ترون معي أنكم تقود سيارتكم بالتعديل الدائم بعجلة القيادة وتغيير السرعة والوقوف ومعاودة السير؟ إنها لن تبلغ بك محطة الوصول بالتزامها بنفسها في تحريك العجلات؟ لا بد من قائد, والقائد في حالتنا هو الرئيس أو الملك أو السلطة السياسية والإدارية والعرف الذي يقضي به أهل الحل والعقد من قادة المجتمع. وهنا يأتي الدور علي الاختيار. وهل هناك طريقة تضمن اختيار من يصلح ليكون قائدا؟ ولا أريد أن ندخل في جدل البحث عن البادئ والتالي, كمن يبحث عن سبق البيضة أو الدجاجة. لو كانت المجتمعات تستقيم بمثل ما قلنا في هذه المساحة لتوصلنا إلي المجتمع الفاضل. لكننا نحن والقراء الأعزاء نقطة في بحر يلزمنا للإبحار فيه بأمان, سفينة متينة وربان ماهر ننتظر وصوله نحن المواطنين حتى يأتي علي صهوة الجواد الأبيض القادم من منبع الشرف والإيمان والأخلاق الفاضلة وحب الوطن.إن هذا الانتظار قد يطول لاهتراء البنية التعليمية في السابق القريب والتي بدأ المسؤولون في تغييرها وتحديثها أخيرا - علي الأقل في مصر- وقد كان لغياب المشروع القومي حتي الآن واقتصار تقدير النجاح علي قدر ما نحصل عليه من ثروة وليس علي حجم ما نبنيه من جيل ملتزم هو العائق أمام المستقبل الذي نريده
التعليقات (0)