سبق وأن قلنا في عدة مواضيع سالفة النشر أن قوة الظلم بكل صوره واستمرارية ضغطه العنيف
والرهيب تكدس بلا ترتيب شحنات غضب أعنف قد يكون انفجارها جرثوميا لا حدود تحده مع نفاذ مخزون الخوف الغير الطبيعي يطهر الكون كله أو جزءه الأصغر من ظلم عمر حقبا أو قرونا أو عقودا أو شهورا.. وهو ما جرف الكنائس والأباطرة الماسكين على أجراسها في أوروبا ، وجرف أساطير
وحصون المطرقة والمنجل في شرقها ، وجرف وسيجرف أبراج الشعارات الكرتونية في العالمين العربي
والإسلامي ، وأكيد ستأتي الأدوار على همجية برج الحرية المتغولة ..
إن الظلم البشري الذي عشته وعايشته بالصوت والصورة كمعظم المغاربة( المستضعفين فوق أرض وطنهم ) ، في قريتي بين غلاظها وفي مدرستي بين قسوة جغرافيتها ومناخها وفي ثانويتي بين عنفها
ومرارتها ، وفي عملي بين عنصريته ومذلته وفي حيي بين عدوانيته و تعفنه .. بين الغربة والوحدانية الظالمة .. حياة كلها هم بالليل و مذلة بالنهار .
كانت الساعة حوالي السادسة مساء من يوم السبت 21 أبريل 2012 عندما اشتريت جريدة وهممت بالدخول إلى مقر عملي ، و ما أن وصلت إلى أدراج المدخل حتى ناداني منادي من خلفي وهو يسرع الخطى ويتبعه نفر من أصدقائه الذين يجالسهم على الدوام في المقهى المجاور لمقر عملي أين أعرفهم لما يزيد عن عقدين من الزمن . توقفت لأتأكد إن كان يطلبني .. الرجل أعرفه غاية المعرفة وأصدقاؤه كذلك .. إنه يشتغل بسلك المحاماة هيأت فاس وله مكتب في عمارة المقهى أين كنا نقضي جزء من وقت فراغنا كباقي زبنائها ، اندهشت من شحوبة وتلوينات وجهه على غير عادته واستغربت من طريقة كلامه معي رغم أني متعود على عدوانية نظراته .. سألته : " ما الأمر يا أستاذ؟ " - والحقيقة أن مظهره ذاك وأسلوب كلامه كانا وقتها لا يوحيان ، مع الأسف ، لا بالأستاذية ولا بالتلمذة - فأجابني بنبرة استعلائية وعدوانية تغطي ضعفا مزمنا وهو يلامس حاجبيه وقد أحاط به أصدقاؤه :
" امممم .. أنتااا سميتك...إيييييه....محمدددد......أووو..."
أجبته بسرعة بعدما تبين لي أنه تائه و شارد بين تظاهره بجهله لاسمي وتردد جبنه : " اسمي و اسمك غير مهمان فما الأمر ، يا أستاذ ؟ "
"....اسمك محمد المودني.. ياك ؟ "
" إذا ما هو الموضوع ؟ "
" أههه .. أخي الذي كتبت عنه في موضوعك .. أووو (( هل للكلاب لحية ؟؟ )) .. أتعرف والديه حتى تشتمهم وتسبهم؟؟.. "
" أخوك ؟؟ "
" إيه...عامل سيدي بنور.. "
" أوه ، الآن فهمت .. لكني يا أستاذ أنا لم أشتم أحدا يوما لا أخاك ولا غيره لا في ذالك الموضوع ولا في غيره ، وليست لي الجرأة الوقحة لأشتم وأسب غيري حتى شفويا ومباشرة فكيف لي كغيري أن أسجل علي جرما أخلاقيا وقانونيا كهذا .. وأنت تراني يوميا أليس كذلك ، يا أستاذ ؟"
فقاطعني بغضب الجبناء : " .. أنت ، يا حمار، تعرف القانون بعدا ؟ لو كان القانون للي تنعرف أنا لمبقى أمثالك فهاد البلاد بلسانهم وبصابعانهم ، يا ... "
وفاضت قريحة الأستاذ المحامي المحترم ، الذي يمثل جزء من العدالة المغربية ، حيث انهال علي بألفاظ لا لون ولا طعم لها يستعصى سماعها وذكرها ، ولولا حضور الحاضرين من أصدقائه الذين آزروه بلا تحفظ و بعض العاملين معي بالمؤسسة و بعض المارة لتطور الأمر لأفظع مما كان والذي لا يمس بصلة لأخلاق موظف متواضع و أستاذ محامي محترم : رجلين تجاوزا النصف قرن من عمرهما يمتهنان مهنتين مختلفتين كانتا في غابر زمننا من أنبل وأشرف المهن حينما كان الشرف هو رأسمال المغربي والنبل رمز أخلاقه قبل أن ينقرضا .. جرجره الحاضرون إلى المقهى من حيت أتى و تهجم علي
والتمس مني الآخرون الهدوء والتماسك و الصبر والتسامح .
و الحقيقة تحملت تلك الهجمة الوقحة ، ومع الأسف من محامي محترم أعرف اسمه الكامل ( فضلت عدم نشره فقط احتراما لمهنته ولأسرته التي قد تكون بريئة من سلوكياته ) ومستواه المهني والاجتماعي...لتلاتة أسباب :
أولها أني اعتدت على ظلم الظالمين وكل من يتعارض رأيي مع مصالحه.
تانيها صفتي المهنية و سني لا يسمحان لي بالنزول إلى مستوى المجرمين.
تالتها إعاقتي الصحية تمنعني من الدخول في الشجار حتى مع ملابسي .
لست أدري إن كان الأستاذ المحترم أراد فقط أن يبلغني بكونه له أخ يشتغل في سلك أصحاب سلطة صاحب الجلالة الذين لا حدود لسلطانهم ، أم هو مجرد عداء يملأ قلب صاحبي المحترم من حيث لا أدري .
في الحالتين : بثبوت اعتدائه و تهجمه علي في حضور أكتر من عشرة أشخاص وعلى أبواب عملي كان بإمكاني اللجوء إلى القضاء .. وقد أكون سببا في متاعبه وأسرته وهو رجل قانون " يعرف " أكثر مما أعرف لكني آثرت كعادتي ، أن :
أوكل أمري لله في هذا و غيره لأنه فوق و أقوى من كل سلطان مهما تجبر.
وأرفع أمري في هذا وغيره إلى الشعب الذي هو صاحب الوطن حتى يعلم منه نقاد الرأي الصادق أن لا أنين بلا ألم ، و لا ألم بلا جرح غائر . وأرفع أمري في هذا وفي غيره للملك ، الذي هو رمز من رموز الوحدة الوطنية حتى يعلم أن تمرد المواطن على سياسة السلطة هو نتيجة حتمية لسلب هذه السلطة لكرامة هذا المواطن بالبطل والعنف ، و إحساسه بالغربة و بالرعب الذي يلاحقه في وطنه بالليل والنهار، لكنه يؤمن رب يحميه و عمره بين يديه.
وليسمح لي القراء الأعزاء أن أعيد نشر الفقرة التي أثارت غضب صاحبي المحترم في المقال المذكور كما قال:
( .. كما كان حال عامل إقليم سيدي بنور لما وصف وزير دولة في حكومة من المفروض أن تكون منتخبة من طرف الشعب وإخوانه في الحزب بوصف مثل هذا يندى له جبين حتى من لا هوية له .. مثل هذا الاستهزاء والاحتقار سلوك عنصري ساقط لا يسلكه إلا الأميون وضعاف البصر والبصيرة .. إنها همجية السلطة والمسؤولية المتجبرتين اللتين لا تولدان في بلدنا إلا في حضن ملوث لا أخلاق ولا علم ولا وطنية ولا مبادئ ولا حب ولا دفئ في دمه .. فيا ليت لو كان لوطننا خدام وحراس من حمير وكلاب .. ) انتهت الفقرة التي اعتبرها صاحبي مسيئة لأسرته حيث اعتبر المسكين الجملة ما قبل الأخير من الفقرة ومنها على الخصوص كلمة (( حضن )) مسيئة لوالدته . في حقيقة الأمر الرجل معذور - رغم أنه محامي " يدافع عن المظلومين " وكان منتميا لحزب سياسي في وقت ما – فهو نموذج من نماذج ثقافتنا وعلومنا وصورة مصغرة لساستنا .
رغم مرارة الظلم الذي عشته وعايشته بالصوت والصورة على طول وعرض سني بين أدغال تضاريس هذا الزمن العاهر لم ولن أكن العداء والضغينة لأحد ، وكنت دائما ومازلت وسأبقى إلى ما شاء الله ألتمس من كل من قد أكون أسأت إليهم عن غير قصد أو عن جهل بريء ، لكني لن أغفر لمن أساء عن وعي وإصرار لهذا الوطن ، ولن يخرس لساني عن قول الحق وما حمل أي ظالم متغول أو ذيل من ذيوله وللحياة إطار رباني ، والموت واحد مهما تعددت وتنوعت كؤوسها .
- محمد المودني – فاس . // أبريل 2012
التعليقات (0)