مواضيع اليوم

تعدد الفضاءات في شعر إبتهال بليبل

بدر الشبيب

2009-02-12 20:44:41

0

تعدد الفضاءات في شعر إبتهال بليبل

( الحلقة الثانية )

 

في الحلقة الأولى تحدثنا عن فضاءات الكون والوطن والحب في شعر الكاتبة    والمحررة الصحفية والأديبة ( إبتهال بليبل) .وفي هذه الحلقة سنتعرض لعدد آخر من فضاءات شعرها .دعونا نبدأ :

1 الفضاء الإنساني :

بالرغم من أن الكاتبة تطرق قضايا مجتمعها المحلي بشكل شبه يومي ، إلا أننا نلاحظ  البعد الإنساني واضحا ً في شعرها ونصوصها النثرية أيضا ً . ففي قصيدة بعنوان " عشيق ٌ يُدعى الألم " ... تقول الكاتبة :

تذكَر ْ يا ألم

يا عشقي الأبدي

قول َ " سيمونيديس " :

" النفس ُ التي لا تتألّم ُ

لا تستطيع ُ أن تحلّق َ في

سماء ِ الإنسانية "

في المقطوعة السابقة ، تعطي الكاتبة ُ الألم َ بعدا ً إنسانيا ً.

وفي مقطوعة أخرى بعنوان " هلوسة ٌ يومية " ،  تقول الكاتبة :

أنا امرأة ٌ

تحاول ُ أن تخترع َ نفسَها

كل َّ يوم ٍ

ولذا ...

فأنا امرأة ٌ لا تطاق ْ

أقيم ُ في الجحيم ْ

أنبثق ُ من الرياح ِ

أرقُب ُ جحيم َ جنتي

كمن يحدّق ُ في وجهِه ِ

داخل َ المرآة

فأنا من بعض ِ ذرات ِ تراب ِ المقابر ِ

الممتدّة ِ من بداية ِ الخليقة

وحتّى نهايتَها ...

لعلّي امرأة ٌ تتنفس ُ الأحرف ْ

ومخلوقة ٌ أحشاؤها من الحبر ِ

لو ترجمنا النص السابق لأي لغة من لغات العالم ، وقرأه المتحدثون بتلك اللغات ... سنجدهم يقولون لنا أن النص يمثل المرأة الكاتبة في مجتمعهم  ، المتمردة على الصورة النمطية للمرأة في المجتمعات الإنسانية . ومن هنا برز البعد الإنساني في المقطوعة السابقة .

وفي قصيدة طويلة بعنوان " هنا أنا وأنت " ... تقول الكاتبة :

هنا أثور ُ على بلاد ِ العشق ِ ومدن ِ الغرام ْ

هنا نكفكف ُ جراحات ِ الإنس ْ

ونرمّم ُ أشلاء َ الوباء ِ

وننام ُ على عزف ِ الغياب ْ

وتر َ الخلاص

ولا يتكسّر

خالية ٌ هي الشوارع ُ

إلا من أرواحِنا

دعونا نلاحظ المفردات التالية في النص :

( بلاد العشق ، مدن الغرام ، جراحات الإنس ، الشوارع ) . هذه تعبيرات إنسانية لا تأخذ طابعا ً محليا ً أو شخصيا ً . وببراعة ٍ كبيرة جعلت الكاتبة كلمة " هنا " مبهمة .ولا أعتقد أنها تعني العراق أو لبنان أو الشام أو مصر أو فلسطين أو أي بلد بعينه .فالمتلقي يسقطها على "هناه " الخاصة به ... ومن هنا يبرز البعد الإنساني في النص .

 

2  فضاء الجسد :

لم تترك الكاتبة جزءا ً من جسد الإنسان إلا وأنطقته بطريقة فنية  جميلة خدمت نصوصها بشكل موفق . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، نذكر عددا ً من أعضاء الجسد التي تم توظيفها لخدمة النصوص لدى الكاتبة ، وهي :

( اليد ، الرجل ، القدم ، الجوف ، العيون ، الشفاه ، الفم ، الشعر ، الرأس ، الأنامل ، الرحم ، الفؤاد ، الرقاب ، القلب ، الأشلاء ) ... وغيرها الكثير . ففي قصيدة بعنوان " أبواب الجحيم " ، تقول الكاتبة :

هناك َ في البعيد ِ الأسود ِ

أحلام ٌ من نار ْ

ودموع ٌ من نور ْ

أتابعُها ...

بعينين ِ زائغتين ِ

في خوف ٍ ولهفة

الآن َ

رأسي مستسلم ْ

لأعوام ٍ من النوم ْ

وفي مقطوعة بعنوان " أردّد ُ اسمَك " ، تقول ُ الكاتبة :

كالأرجوحة

تتحرّك ُ أحرُفُك ْ

بين شفتي ويدي

أرتشف ُ شذاها

 

3 فضاء الروح :

الروح، تكاد تحتل أوسع َ مساحة في نصوص الكاتبة .فلا يكاد نص من نصوصها يخلو من خلجات الروح . وهي إشارة قوية على تركيز الكاتبة على رومانسية النصوص وطهارة المقصد .فهي تحب التحليق في عالم آخر مثالي وروحي وبعيد عن التلوث والوحول التي أصابت عالمنا .

كما نلاحظ أيضا ً تلك النزعة الصوفية الطاهرة المحلقة في عالم اللاوعي في نصوص الكاتبة ... دعونا نعيش مع النصوص ونرى .

 لنستمع لها  في مقطوعة بعنوان " ورقصت الروح " ، تقول الكاتبة :

ورقصت الروح ُ على شموع ِ الحب ِّ

شمعة ٌ لك ْ

وشمعة ٌ لي

تجلس ُ .. وأجلس ْ

أهديك َ الآتي من حياتي

الكأس َ المرمية َ على طاولة ِ العمر ِ

وروح َ الحياة ِ

أحملها إليك ْ

خذها منّي

واسكُب ْ وجودي َ فيها

لملم ْ شَتاتي .. وهذياني

ولا تتلعثم ْ

بجُرم ِ تمزيق ِ أحلامي

وابعِد ْ أحجيَتَك ْ

إرمِها من صدرِك ْ

كنْ كالأرواح ِ

كن ْ معي

 

وفي مقطوعة جميلة بعنوان " اللقاء " ، تقول الكاتبة :

يبدأ الليل ُ

يخلع ُ أردية َ اليقين ْ

يردّد ُ رجع َ المسافات ِ الموشومة ِ

بالقُرب ِ منك ْ

يسكنُك َ الوجد ُ

ولا تسكُنه ُ

تهذي إليك َ الروح ُ وتسكُنُك ْ

تسألُها :

لِم َ يحرقُك َ لهيبُها ؟؟

نلاحظ أن الكاتبة جعلت كائنا ً غير محسوس ولا ملموس " الروح " ، جعلته كائنا ً عاقلا ً كاملا ً يهذي ويمكن سؤاله .وهذا يندرج على كل نصوصها التي ذكرت فيها الروح .

لنتأمل قصيدة بعنوان " من أي زمن ٍ سحيق ٍ جئت " ، تقول الكاتبة :

من أي ِّ روح ٍ ملعونة ٍ ؟

جاءت روحي

كي تحبَّك ْ

ومن أي زمن ٍ سحيق ٍ جئت ْ ؟

أتكون ُ لعنة ؟

أم شيطان ٌ تلبّسَني ؟

لينعكس َ بريق ُ كلماتِك ْ

على مرآة ِ روحي

كلهيب ِ نار ٍ ساطع ٍ

تهز ُّني بألم ْ

تلتهم ُ آخر َ لقمة ٍ منها .. الملائكة ْ

لا تتهالك ُ الأرواح ْ

ولا تخور ُ القُوى

بوجودِها

ولا تنهار ُ أشلائي

نلاحظ أن الكاتبة ذكرت كلمة روح ثلاث مرات وكلمة أرواح مرة واحدة ، في نص قصير كهذا . ومع أن التكرار قد يضعف النص ، إلا أنها أقنعتنا أن التكرار لازم في مقطوعتها .

إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

محمد سمير

فلسطين

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !