مواضيع اليوم

تعدد الفضاءات في شعر إبتهال بليبل(الحلقة الأولى)

بدر الشبيب

2009-01-08 10:14:55

0

تعدد الفضاءات في شعر ابتهال بليبل

(الحلقة الأولى)

 

إبتهال بليبل شاعرة واعدة تبشر بالكثير من الإبداع في مجال الكتابة والشعر .وعندما يبدأ المرء بقراءة نصوصها ، فإنه يحس بقوة خفية تشده ،وتحلق به عالياً في فضاءٍ كوني لانهائي. إنها بالفعل كاتبة خيالها خصب .وبالرغم من غزارة إنتاجها الأدبي ،إلا أنها تقدم في كل نص جديد فكرة جديدة أو متجددة. دعونا نحلق في فضاءات إبتهال بليبل الشعرية .

1-   فضاء الكون :

في مقطوعة بعنوان " فضاءٌ مظلم " ،تقول الكاتبة :

 

القيامة ُ .. ومساكن ُ الرهبان ِ

هبّة ٌ لريح ٍ عاصفة

تفتح ُ أيائل َ النور ِ الشارد ِ في فضاءٍ مظلم ٍ

تنسج ُ وعوداً أرجوانية

 

نلاحظ أن الكاتبة شبه يائسة من عملية الإصلاح ، حيث تلوح بشائر النور ،ولكنها شاردة في فضاء مظلم " جو الفساد " ،وتنسج وعوداً جميلة ولكنها غير مؤثرة.

      أما في مقطوعة " تغير كل مفهوم طاهر " ، فإنها تؤكد على يأسها من عملية الإصلاح .وتؤكد أن الهدم أسهل من البناء، وأن الفساد والدنس سيكون عامّاً وطامّاً على الجميع ،حتى على المصلحين والصالحين ... تقول الكاتبة :

 

أيها الدير ُ السماوي ُّ

سيعتلي وجودَك

أسرابُ الزنادقة

تعبث ُ في طهر ِ الأرواح

طيناً ...

تستدرج ُ غانيات ِ الدنيا

إلى مخادِع ِ القدّيسين

    

     ثم تبالغ في اليأس حتى درجة القنوط.ويظهر ذلك في مقطوعة بعنوان " جراحات دون شفاء " ..تقول :

 

عشاق ٌ ينتظرون في أفلاكِ القيامة ِ

ماء َ الشفاء

إفتحي مصاريعَك ِ يا هيلانة

ألهمي الأنشودة َ المقدّسة

دروب َ جراحات ِ الوجع ِ الغائر ِ في الأرواح

ويتجلى جمال العبارة عندها عندما تخاطب " دلمون " ..وهو الأسم السومري للأرض .وذلك في قصيدة طويلة بعنوان " بعق الإلهة تلاشت " .حيث تقول :

 

أبحِر ْ في أسرار ِ الوجود ِ

واستدع ِ ننيازو

لتُحققَ رغباتنا

 

2-   فضاء الوطن :

عند حديثها عن الوطن ،فإنها تصور الألم والوجع بشكل فني قلَّما  يحدث إلا مع كاتب عاش الألم بالفعل وعايشه عن كثب .حين تتحدث الكاتبة عن الوطن فإنها تُنطِق ُ الوجع.

لنستمع إليها في مقطوعة بعنوان " جنة ُ عدن ٍ القديمة " :

 

إنها الأهوار ُ

إنها الجريحة

كأبيها العراق

سابحة ٌ في عِجاف ِ السنين

وصليل ِ الجراح النازفة

آه ِ ..يا جنة َ عدن ٍ القديمة

 

من شدة النزيف جعلت الكاتبة للجراح صليلاً كصليل السيوف .

 

3-   فضاء الحب :

 

لقد أبدعت الكاتبة بامتياز في قصائد الحب .فقد صورت المرأة التي لوعها الحب ..وهي محرومة من لقاء حبيبها .حيث يقابلها بزيادة حرقها في آتونه الذي لا يرحم . وهي صابرة تعاني من آثار هذا الحب اليائس .تقول الكاتبة في مقطوعة بعنوان " إتسع َ الوجع " :

 

ألثقوب ُ اتسعت بقلبي

بربكَ يا رجل

شُدَّ ثقوبَه

قد أبرد ُ .. قد أمرض ُ .. وأموت

 

نلاحظ نبرة الألم الواضحة في النص .

 

وفي مقطوعة بعنوان " تمرّغ ْ " ... تقول :

 

تمرّغ ْ يا رجل ُ بقتلي

فالدوامة ُ استدارت

نحوي الآن

 

وكأني بها تقول أن الدائرة قد دارت عليها بسبب هذا الحب العاثر .

لنتأمل المقطوعة التالية بعنوان " لا زلتُ أنتظرُك " .. تقول الكاتبة :

 

وقبل َ أن يسكن َ البركان

وتهداَ حممه

فرشَ سيولََه ُ فوق أقداري

ليمتزج َ السكر ُ بالمِلح

في جسدي

إنني اليوم َ

أقطُر ُ مُرّاً .. وشهداً

هل لك أن تفصل َ المرارة َ عن الشهد ؟؟

هل لك أن ترمي جسدي ؟؟

بعيداً عن تلك الفُسحة ؟؟

 

في النص السابق نلاحظ الصور المتقابلة والمتناقضة ( السكر والملح ، المرارة والشهد ) ، حيث تصور لنا الكاتبة امرأة عاشقة ،ولكنها مليئة بالتناقضات ، وتطلب من حبيبها أن يخلصها مما هي فيه .

ثم تنقلنا الكاتبة إلى صورة أخرى عن نفس المرأة :

 

لا زلت ُ أتنفّسُك

بين تلك الحروف ِ الباعثة ِ لجنوني

فنشوتها  لم تغادرني بعد ُ

ولا زال إصبعي الأيسر ُ

يشعر ُ بسخونة ِ احتضانِه ِ

بشوق ِ ساعة ِ الكتابة ِ إليك

كأنك وهم ٌ .. أو حلم ٌ

أو شبح ٌ يجتاحني بصمت ٍ

ليمزق َ وجودي ساعة َ غيابك

ويرحل َ بي إلى حيث ُ لا أفيق ُ

إلا وأنا فيك

ولا زلت ُ أنتظرُك

 

تصور لنا الكاتبة المرأة العاشقة وكأنها خائفة من أن تفقد حبيبها في يوم ما .لأنها بعيدة عنه ، وبينها وبينه مسافات كبيرة ( كأنك وهم أو حلم ).وما سيخلفه هذا الفقدان من تدمير ٍ لذاتها الشفافة .فهي امرأة لا تُشفى من جروحها بسهولة .

 

وبالفعل تؤكد الكاتبة على أن ذلك الحبيب هو عبارة عن حلم أو طيف ، لأنه بعيد المنال .ويتضح لنا ذلك في مقطوعة غاية في الجمال بعنوان " سأقتُلُك " :

 

سأقتُلُك َ هذه الليلة أيها الحلم

سأروضُك

وأسلبُك َ نفخة َ روحِك

سأمزق ُ قميصَك

وأقتحم ُ جوف َ قلبِك

سأكون دمعة ً متصلبة ً في جفنِك

وأنصهر ُ بذوبان ٍ ثلجيٍّ

في حُمّى سخونتِك

هلاميُّ المشاعر ِ ..أنت

متوحّش ُ الألفة

دع عنك اللحظة

واقترب صوبَ داخلي

سأخلُدُ فيه ِ حيث ُ أنت

 

نلاحظ من العبارة الأخيرة في النص أن الحبيب بعيد جداً ،لأن وجوده في داخلها معنوي فقط .ومن الصعب الوصول إليه .

وفي مقطوعة بعنوان " حُطام " . تستنطق الكاتبة الوجع مرة أخرى .تقول:

 

سأتحنط ُ وجعاً

حطام ُ جدرانك الشامخة ِ

بقايا  أحلام ٍ ضمتني

بعنف

 

 في الحلقة القادمة – إن شاء الله -  نكمل حديثنا عن بقية فضاءات الشاعرة المبدعة إبتهال بليبل .

     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !