تعدد الزوجات في الجاهلية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
....................
تظهر المنْزلةُ الدونية للمرأة الجاهلية في تمركزها ضمن ثنائية ( الجنس / عدم تقدير المشاعر الأنثوية ) . فهي وسيلةُ للتكاثر ، ووعاء لاحتضان شهوة الرَّجل ، لا حقوق لها ، ولم تُفكِّر هي أصلاً في اكتشاف حقوقها والمطالبة بها . فهي قد عَوَّدت الرَّجلَ على أكلها ، لذلك انتكست مرتبتها ، وصارت عبدةً تتلقى الأوامرَ العليا من سَيِّدها ، ولا تملك إلا التنفيذ فوراً ، وبلا تفكير . وكما قيل : مَن عَوَّدْتَه على أكلكَ ، كلما نظرَ إليكَ جاعَ .
وعن ابن عمر_ رضي الله عنهما_ قال : (( أسلمَ غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية ، وأَسْلَمْنَ معه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً )){(1)}.
فمن الملاحَظ تجذُّر فوضى الزواج والجنس في المجتمع الجاهلي.فالرَّجلُ حين يتزوج عشر نساء، فهذا يدل على خلل في النظرة إلى الزواج ، وعدم تقدير لأبعاد منظومة الحقوق والواجبات ، مما يؤدي إلى الوقوع في الظلم ، وعدمِ العدالة ، وغياب الوقت المخصَّص لتربية الأبناء ، وعدم القدرة على تكوين أُسر سَوِيَّة وصالحة في المجتمع . ولكن النظرة الجاهلية كانت تعتمد على الكَم وليس النوع . فالمهمُّ أن تكون القبيلةُ كثيرة العدد بغض النظر عن مستوى أفرادها الفكري والبدني . وهذه هي فلسفةُ العقل العربي البدائي ، حيث تجميع أكبر عدد ممكن دون الاعتناء بالكَيْفية. وكلُّ قبيلة كانت تَفخر بكثرة عددها، وتعتز بضخامة حَجْمها . وفي المقابل ، كان نقصُ العددِ منقصةً ، ويُعَدُّ عَيْباً يستوجب الخزي بين العرب .
وكما قال الشاعر :
تُعَيِّرُنَا أنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَــا فَقُلْتُ لَهَا إنَّ الْكِرَامَ قَلِيلُ
فغيلان بن سلمة كان من رؤساء قومه ، لذلك كان يريد تكوين أُسر عديدة ، وإنجاب أبناء كُثر ، لكي تتكرس زعامته وقوته ، ويزداد هَيْبةً بين العرب ، ويتفاخر بأبنائه بين الأُسر والقبائل .
والإسلامُ لم يأتِ بتعدد الزوجات _ كما يتوهم البعض _ ، بل جاء بتقييد التعدد ، من أجل السيطرة على الأُسرة ، وتربية الأبناء بالشكل الصحيح ، وتحقيق العدالة بين الزوجات، وعلاجِ مشكلات اجتماعية مزمنة لا يمكن حلُّها إلا بالتعدد ، خصوصاً في المجتمعات التي تعاني من انتشار الفقر والجهل والمرض والبطالة والعنوسة .
.............الحاشية................
{(1)} رواه أحمد في مسنده ( 2/ 83) برقم ( 5558) ، وابن حبان في صحيحه ( 9/ 463) برقم ( 4156) ، والترمذي في سُننه ( 3/ 435) برقم ( 1128) ، وقال : (( والعمل على حديث غيلان ابن سلمة عند أصحابنا منهم الشافعي ، وأحمد ، وإسحق )) اهـ . وذكرَ الشوكاني في الدراري المضية ( 1/ 263): أن هذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي والشافعي والحاكم وصَحَّحه عن ابن عمر )) اهـ . وقال الحافظ في الفتح ( 9/ 335) : (( وغيلان هو ابن سلمة بن معتب ... وكان من رؤساء ثقيف ، وعاش إلى أواخر خلافة عمر _ رضي الله عنه _ )) .
التعليقات (0)