[ تنزيه الله عن جهة العلو والمكان ]
ومادته : مقال لفضيلة الشيخ الدكتور :
محمود أحمد الزين رحمه الله
تنزيه الله عن جهة العلو والمكان
بسم الله الرحمن الرحيم
عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل لا تحده الجهات ولا تحتويه الأماكن ولا الأزمان إذ هو خالق كل شيء خالق المكان والزمان والجهات فلو كانت الفوقية وهي من الجهات صفة له لكانت حادثة طرأت عليه سبحانه بعد خلق الجهات ،
والله سبحانه قديم الذات قديم الصفات بالاتفاق .
فإن قالوا :
إن الجهات قديمة قِدم الذات الإلهية فقد زعموا حينئذ أن في الوجود شيئاً لم يخلقه الله تعالى وأنه ليس خالق كل شيء لأن القديم لا يحتاج إلى خالق
وزعموا أنه غير متصف بصفة الأولية
إذ لو كان معه شيء لما كان الأول بإطلاق بل يكون أولاً بالنسبة إلى غير المكان الذي زعموا أنه فيه والجهة التي زعموا أنه فيها
وعقيدة أهل السنة والجماعة
في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الجهات مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله تعالى وصف نفسه في كتابه بقوله :
(( هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم )) .
فالعبارة الأولى : تثبت بلفظها وجوده في السماء ،
والثانية :تثبت بلفظها وجوده في الأرض وفي كل مكان ،
وقوله :(( والله بكل شيء محيط )) تثبت بلفظها وجوده فيما وراء العوالم محيطاً بها فتكون في داخله ،
وقوله :(( ونحن أقرب إليـه من حبل الوريــد ))
يثبت بلفظه أنه سبحانه موجود في أنفسنا ،
وحيث إن الأمة اتفقت على أنه لا يمكن أن يكون مداخلاً مع الأشياء حالاً فيها ولا حالّة فيه وجب أن يكون خارجاً عن نطاق المكان والزمان ،
فهو قريب من خلقه بلا مداخلة عال عليهم بلا مفاصلة ،
لأن المداخلة والمفاصلة من صفات المحسوسات التي لها أحجام وأطوال والله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فلا يشبه المحسوسات في ذلك ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم :
(( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخــــر فليس بعدك شيء وأنت الظاهــــر فليس فوقك شيء وأنت الـباطــن فليس دونك شيء )) .
قال الإمام البيهقي :
هذا الحديث دليل على أنه سبحانه منزه عن المكان لأن مَن كان بلا مكان تستوي جميع الأشياء عنده في القرب والبعد .
ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم أيضاً :
(( اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ))
وليس ذلك إلا لله سبحانه .
والذين يثبتون لله تعالى جهة العلو،
إنما دعاهم لذلك فهمهم من الآيات والأحاديث صفات تشبه صفات المحسوسات ....
فهموا من المعية المداخلة أو المفاصلة ،
قالوا :
لو كان الله معنا لكان إما حالاً فينا أو حالّين فيه وكلاهما باطل
فوجب أن يكون معنا بعلمه فقط وليس معنا بذاته
ولو أدركوا أن هذا الأمر ضروري في الأشياء المحسوسة
وليس ضرورياً في غيرها لأدركوا أن هذا الاستدلال باطل
ويرد شبهتهم هذه أمران :
أحدهما :
أن الأمور المعنوية المخلوقة لا تُداخِل الأشياء ولا تفاصلها فالإيمان في القلب ومع ذلك إذا بلي الجسد ومعه القلب لا يزول الإيمان لأنه أمر معنوي
ثانيهما :
أنهم يقعون في مثل ما فروا منه إذ يزعمون أن الله فوق العرش والعرش محيط بالعالم فيكون العالم كله في داخل الله سبحانه وهذا نفس ما أنكروه ......
وكذلك يقعون في ما فروا منه في قولهم في حديث النزول :
إنه نزول الذات
فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ....
وصح أن السماء مزدحمة بالملائـكــــــة ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله فيكون مع الملائكة في السماء الدنيــا فهل يحلّ فيهم
أم يحلّون فيه ؟!!!!.
اللهم لا هذا ولا ذاك بل هو سبحانه ذات لا تشبه المحسوسات إنما هو معنا بلا مداخلة ولا مفاصلة ،
وأيضاً :
هم يزعمون أنه فوق العرش بذاته والعرش محيط بالمخلوقات فصار على زعمهم هذا ظرفاً حلت المخلوقات كلها في ذاته وأصبحت في داخله .
ونظير هذا :
زعمهم أنه لو كان معنا حيثما كنا معية حقيقية لكان معنا حين نكون في الأماكن الخبيثة التي تجتمع فيها النجاسات والقاذورات وهو منزه عن ذلك قطعاً واتفاقاً
وهذا أيضاً مبني على تشبيهه سبحانه بالمحسوسات التي تتأثر بالنجاسات المحسوسة مثلها وتشترك معها في التماسّ الحسي !
ولو أدركوا أنه سبحانه موجود معنا بلا مداخلة وأنه خارج عن الزمان والمكان بلا مفاصلة لعلموا أن هذه الخباثات لا تؤثر عليه ولا يصيبه منها شيء ،
والذي يوضح هذا أن ضوء الشمس مع أنه مخلوق يقع على النجاســــات فلا تنجسه ولا يتضرر بها ولا يعيبـــه ذلك والله منزه عنه .
ولا بد أن نسألهم بعد هذا كله عن :
1 - دليلهم الذي اعتمدوه في إبقاء قوله تعالى :
(( ثم استوى على العرش )) على ظاهره ولم يقبلوا تأويله باستولى ....
2 - وعن دليلهم في تأويل قوله تعالى :
(( وهو معكم )) بالمعية العلمية ، ولم يقبلوا إبقاءه على ظاهره حيث إن (هو) يدل على الذات لا على الصفات ،
وجوابهم المسطور في كتبهم يعتمد كما يقولون على الأدلة الشرعية ثم العقلية .
أما الشرعية :
فهي أن الله تعالى وصف نفسه بأنه على العرش فله جهة الفوق وهي تنافي جهة التحت فوجب أن يكون في جهة الفوق دون جهة التحت ،
ووجب بناء على ذلك تأويل كونه معنا بالمعية العلمية دون الذاتية ....
وهذا مردود من وجوه أربعة :
أولها :
أنهم استنتجوا من الفوقية نفي الجهات الأخرى عن الله تعالى استنتاجاً ،
وإنما هو مستنتج بناء على تشبيه الله تعالى بالأشياء المحسوسة التي إذا وجدت في مكان استحال أن تكون في غيره والله تعالى
( ليس كمثله شيء ) ، فليس مثل المخلوقات الحسية قطعاً بدليل أنهم يقولون إذا نزل إلى السماء الدنيا لا يخلو منه العرش مع أن السماء الدنيا بالنسبة للعرش في عكس جهة الفوقية وهي التحتية فلو كان وجوده فوق العرش ينافي وجوده تحته لكان وجوده تحته ينافي وجوده فوقه .
بل إن هناك مخلوقات لله تعالى لا تحدها تلك الحدود ،
فقد جاء في الحديث الشريف :
(( إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول : سبحانك ما أعظم ربنا ،
قال : فيرد عليه : ما يعلم ذلك من حلف بي كاذباً ))
وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه كما جاء في المستدرك جــ4 صـ297
فهل وجود هذا الديك في جهة الفوق وفي السماوات ينافي وجوده في جهة التحت في الأرضين السفلى اللهم لا .. ولكنه مخلوق نور انذاك لا تحده هذه الحدود الحسية ،
والله عز وجل ألطف منه وأحق أن لا تحده الحدود وتحول الأماكن بينه وبين الأشياء وكذلك كل الملائكة يدخلون البيوت المغلقة ولا تحدهم الجدران ونحوها.
ثانيها :
أن هذا كلام مبني على عكس القواعد العلمية الأصولية ،
حيث إنهم فهموا من كونه في جهة الفوق - استنتاجاً - أنه
ليس في غيرها ! ،ولما كان هذا الاستنتاج مع قوله تعالى
: ((وهو معكم )) ، قدموا الاستنتاج على كلام الله
بدلاً من أن يقدموا الصريح على الاستنتاج ،
وهذا الاستنتاج يسميه علماء الأصول (( مفهوم المخالفة ))،
وهو دليل يسقط إذا عارضه أي دليل استنتاجي أقوى كمفهوم الموافقة ،
فكيف إذا عارضه الظاهر المنطوق ؟!!!.
ثالثها :
أن الاستدلال بظاهر قوله تعالى (( ثم استوى على العرش ))
على تأويل ظاهر قوله تعالى :
(( وهو معكم أينما كنتم )) ،
مبني على تحكم وعلى ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح
أي رجحوا ظاهراً على ظاهر،!!
فكما قالوا : الله فوق العرش فليس تحته وليس معنا ،
يمكن أن يقـــال : الله معنا أي تحت العرش فليس فوقه .
اللهم لا هذا ولا ذاك .
ولكنه معنا دون مداخلة ولا مفاصلة وفوق العرش دون ملامســة
ولا معاينة ، وهذا هو الاستواء الذي يليق بجلاله ،
كما أن تلك هي المعية التي تليق بجلالـــه تبارك وتعالى ......
رابعها :
أن دلالة الآية على معية العلم لا تنفي الدلالة على معية الذات بحيث يترتب على إرادة معية العلم عدم إرادة معية الذات بل إن معية الذات توجد مع معية العلم فتؤكدها ،
فكما يصح لغة أن يقول إنسان لآخر :
أنا معك ويريد بذلك معية التأييد دون معية الذات ..
يصح أيضاً أن يقول له :
أنا معك وهو يريد الذهاب معه بذاته لتأييده بل يكون التأييد أعظم
فكيف يصح الاستدلال بإنبات معية العلم على نفي معية الذات ؟ !
مع أن دلالة اللفظ على معية الذات هي الأصل وهي تؤكد معية العلم ولا تنافيها ؟!.
فإن قالوا :
نفينا معية الذات لأنها لا تليق بالله سبحانه وتعالى .....
قلنا:
هذا النفي يحتاج إلى دليل ثم إنكم فررتم إلى مثله كما سبق بيانه.
ويعترضون علينا بأن الله تعالى إذا كان معنا في كل مكان بذاته فما الفرق بين التي خص بها المؤمنين ومنعها من الكافرين؟
والجواب عن هذا :
أنه كالفرق بين معية العلمية للفريقين واختصاصه المؤمنين بمعية التأييد فهو قريب من الجميع قرباً واحداً بذاته بعيد عن الكفار بعد التأييد ،
هذا مع التأكيد على أنها غير حسية .
أما أدلتهم الشرعية الأخرى :
فهي آيات وأحاديث مثل قوله تعالى :
(( الرحمن على العرش استوى ))
وليس في واحد منها نفي وجوده سبحانه عن غير العرش ،
وهذا هو محل النزاع بيننا وبينهم ،
وليس الخلاف في أنه سبحانه على العرش
ومن هنا وجب تفسيره بما يليق به سبحانه وهو أنه استواء بلا ملامسة ولا مفاصلة
ومن أدلتهم الشرعية :
تأويل سيدنا عبد الله بن عباس وبعض السلف قوله تعالى :
(( وهو معكم )) بالمعية العلمية ،
فهذا غير كاف لأنه يمكن أن يعنى به نفي المعية الحسية لا نفي المعية التي تليق بالله سبحانه كما سبق بيانه .
ولو افترضنا العقلي: من هذا التأويل نفي المعية مطلقاً أي الحسية والتنزيهية لكان معارضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم
(( اللهم أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ))
رواه مسلم .
وإذا تعارض قول الصحابي مع قول النبي صلى الله عليه وسلم قدم قول النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك مع أن السياق هنا ليس سياق الحديث عن العلم حتى يؤول بالعلم ومقابلة الفوقية بالدونية تدل على أن دون بمعنى تحت ،
فالفوقية ليست بالحسية والتحتية ليست بالحسية ،
كما هو واضح من الحديث النبوي الشريف .
وأما دليلهم العقلي :
فأعجب من كل ما مضى ....
وذلك أنهم قالوا : إن زعمكم أن الله ليس في مكان ولا جهة يشبه قول منكري وجود الله عز وجل ،
لأن الشيء الذي لا مكان له ولا هو في جهة من الجهات هو معدوم موجود.
فنسألهم أولاً :
عن هذا الدليل أهو آية أم حديث أم قاعدة عقلية قاطعة ؟
أما الآية والحديث فلا ...
بل إن الحديث في صحيح مسلم السابق ينقضه .
وأما العقل فيقول :
إن المفتقر إلى المكان هو الأمور الحسية فقط ولا يحكم المخلوقات الروحية فضلاً عن الله سبحانه .
وقولهم هذا مبني على تشبيه الله عز وجل بالأشياء المحسوسة التي تفتقر إلى المكان والجهة .
والذي يبطل هذا الزعم من أساسه أن نسألهم :
مَن الذي خلق الأماكن والجهات ؟ ...
فلابد إذا ما دعوا العقل والشرع الذي يقول : الله خالق كل شيء
أن يقولوا : خلقها الله تعالى ،
فنقول :
في أي جهة وفي أي مكان كان قبل أن يخلق الأماكن والجهات ؟
بالطبع لم يكن في جهة ولا مكان ،
لأنه لا يوجد مكان ولا جهة، !
فنقول لهم :
إن قولكم الشيء الذي لا جهة له ولا مكان شيء معدوم دليل باطل ،
فهو ليس بآية ولا حديث ولا هو قاعدة عقلية ،
بل هو قاعدة تحكم المخلوقات المحسوسة المفتقرة إلى المكان ولا تحكم المخلوقات الروحية كما سبق بيانه ، فضلاً عن الله سبحانه المنزه عن الشبيــه . فلا يصح الاعتماد على هذا القول المخالف للشرع والعقل .
وبعد هذا كله لا بد من التنبيه إلى أن الذي اختاروه في تفسير الفوقية لا ينجيهم مما فروا منه إطلاقاً ،
لا من وصفه بأنه تحت الخلق ،
ولا من حول العالم ،
ولا من حوله في مكان ،
لأنهم يزعمون أنه موجود في الفضاء الذي فوق العرش محيطاً به
والعرش محيط بالعالم ،
فإذا كان محيطاً بالعالم فالعالم بداخله كما أن إحاطته بالكرة الأرضية تعني أنه تحت الإنسان الواقف في أي جهة إذا نظر إلى ما وراء الكرة الأرضية .
أما زعمهم أنه في الفضاء الذي وراء العرش ،
فعلى أي دليل شرعي أو عقلي اعتمدوا في إثبات وجود هذا الفراغ ... ؟!
أي آية أو أي حديث ...
فنسألهم عنه :
هل هذا الفضاء أمر وجودي أم عدمي ؟ ،
فإن قالوا : وجودي ،
قلنا: أمخلوق هو ؟
فإن قالوا : نعم ،
قلنا : أين كان قبل أن يخلقه ؟
فإن قالوا : هو أمر وجودي لم يخلقه الله .
قلنا : زعمتم أن الله ليس بخالق لكل شيء .
وإن قالوا : هو فراغ عدمي ،
قلنا : جعلتم العدم أكبر من الله فهل لهذا العدم نهاية ؟
فإن قالوا : نعم ،
قلنا : هل لله نهاية معه أم ينتهي العدم ولا ينتهي وجود الله ؟
فإن قالوا : ينتهي العدم ولا ينتهي هو ،
قلنا : إذا صدقوا مع أنفسهم أن يقروا أنه ليس في مكان .
ومما زعموه دليلاً شرعياً على إثبات جهة الفوقية لله تعالى
حديث النزول
(( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ...........))
الحديث كما في صحيح مسلم .
والجواب عن ذلك :
أن الأمر الذي يثبت جهة الفوقية هو نزول الانتقال وهو محال لأمرين :
أحدهما :
أن ذلك الانتقال من شأن المخلوقات الحسية التي تحدها الأماكن فلا يليق به سبحانه لا سيما بعدما تبين أنه سبحانه لا تحده الأماكن .
ثانيهما :
أن ثلث الليل الآخر زمان موجود دائماً فإما أن يكون نازلاً دائماَ فتنتفي الفوقية !،
وإما أن يكون نزوله برحمته الخاصة بالقائمين في الليل
وهنا هو الحق ......
وهو -أي الحديث - لا يدل على جهة الفوقية له سبحانه إنما هو مثل معية التأييد يخص القائمين كما تخص هي الذين اتقوا ،
ولا بد إذاً من الرجوع إلى توجيه الأدلة الشرعية والعقلية ،
وهو أنه سبحانه منزه عن المكان والزمان فهو سبحانه على العرش بلا مماسة ولا معاينة كما يليق بجلاله ،
لا كما هو شأن الملوك من المخلوقين إذا استووا على عروش الدنيا ،
وهو سبحانه معنا دون حلول ولا اتحاد أي لا مفاصلة ولا مداخلة كما يليق بجلاله لا كما تقول : معية المخلوقين مع بعضهم ...
سبحانه ! ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .
ومن جملة ما زعموه دليلاً شرعياً :
على إثبات جهة الفوقية لله تعالى :
أن المسلمين مجمعون على أن الداعي يرفع يديه ووجهه إلى جهة العلو في دعائه فلولا أن الله تعالى مختص بجهة العلو لما كان لهذا العمل معنى يقبله العقل .
والجواب :
أن هذا الاستنتاج لو كان صحيحاً فهو معارض بأقوى منه ، وهو أن الله أمرنا بصريح القرآن أن نتوجه في الصلاة وهي أهم من الدعاء في ديننا إلى جهة الكعبة ،
وهذا يقتضي على طريقتهم في الاستنتاج أن يكون الله تعالى في الكعبة
أي في الأرض .
والواقع أن الله سبحانــه منزه عن المكانيين
وكلا الاستنتاجين غير صحيح :
إنما الصحيح :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن لنا التوجه في الدعاء إلى السماء كما سن لنا أن ندعو ونحن في سجودنا حيث قال :
(( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء ))
وكلا الاتجاهين مراد منه تعظيم الله سواء رفعنا وجوهنا إلى السماء
أو جعلناها على الأرض،
فكما أن الدعاء في السجود لا يدل على أن المدعو في تلك الجهة وكما أن التوجه في الصلاة إلى الكعبة لا يدل على أنه في جهتها كذلك الاتجاه إلى السماء في الدعاء لا يدل على أنه في جهتها سبحانه .
ومن أدلتهم التي يزعمونها عقلية فطرية :
أننا إذا سألنا الأطفال أين الله ؟
قالوا : في السماء .
وهذا استدلال غريب جداً !
فمتى كان الأطفال هم ميزان الحق والباطل ؟ !
وهل جهل الأطفال هو الفطرة ؟
لو كان يصح الاعتماد على الأطفال في هذا الأمر لكان صح للمشبهة أن يسألوا الأطفال فيقولوا لهم : ما معنى يد الله وعين الله وقدم الله ؟
أترى يجيبون بغير التمثيل بجوارحهم الحسية البشرية ؟ ،
فهل نقول إنهم علموا بالفطرة أيضاً أن الله مثل خلقهم في الجوارح ؟؟!!!
أم نرجع إلى قول الله عز وجل :
(( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .]
التعليقات (0)