تطوير تلفزيون البحرين
بقلم د.محسن الصفار
تأسست أول هيئة حكومية لشؤون الإعلام في البحرين بتاريخ 26 يوليو 1965م تحت مسمى دائرة الإعلام لحكومة البحرين حيث أُلحقت بها محطة إذاعة البحرين، وصدر قانون المطبوعات والنشر لسنة 1965م، وتعاقب العديد من الوزراء على إدارة حقيبة الإعلام، والتي شهدت تطويرات عديدة في هياكلها الإدارية والتنظيمية، وأصبح تليفزيون البحرين حكوميًا في عام 1975م بعد تغيير شركة(R.T.V) إلى تلفزيون البحرين، وبدأ البث التليفزيوني على القناة (55) الأجنبية في عام 1981م، وتم افتتاح إذاعة البحرين بمجمع وزارة الإعلام في عام 1982م، وإرسال برامج إذاعة القرآن الكريم في عام 1983م.
وانطلق البث الإذاعي والتليفزيوني على مدار الساعة اعتبارًا من 1 ديسمبر 1990م بالنسبة لإذاعة البرنامج العام، وفي عام 1992 بالنسبة لتلفزيون البحرين. فيما بدأ البث الفعلي لوكالة أنباء البحرين فعليًا في عام 1978م؛ وصدر قانون المطبوعات والنشر بموجب المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979م.
وتم إصدار المرسوم بقانون رقم "47" لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، وهو القانون المعمول به حاليًا، وهو أكثر تقدمًا من القوانين السابقة وينص في الكثير من مواده على أداء الصحافة رسالتها بداء حرية واستقلالية، وحق الصحفيين في الحصول على المعلومات.
ويعد تلفزيون البحرين من التلفزيونات الرائدة في منطقة الخليج العربي وكان تلفزيون البحرين الاول في بدء البث الملون في المنطقة وافرز كوادر بشرية عظيمة قامت بدورها على الصعيدين المحلي والعالمي .
ولتلفزيون البحرين كأي مؤسسة وطنية واجب سيادي في اظهار الصورة المشرقة لمملكة البحرين وتغطية اخبارها باعتباره صرحا وطنيا سياديا يمثل مملكة البحرين سياسيا ودينيا وثقافيا .
وبطبيعة الحال فأن الواجبات السيادية لهذا الجهاز غير قابلة للنقاش من حيث المضمون ولكن يمكن مناقشتها من حيث شكل التقديم والاداء .
اما الشق الثاني من تلفزيون البحرين فهو كاي تلفزيون اخر يعتبر وسيلة ترفيهية تعليمية وتثقيفية للمشاهدين يقضون معها جزء من اوقات فراغهم في مشاهدة برامج ممتعة للاذواق المختلفة منها المسلسلات والافلام والبرامج الفنية والاسرية وغير ذلك .
في هذا البحث القصير لن نتطرق الى الشق الاول وهو الواجبات السيادية لجهاز التلفزيون ولكننا سنناقش مدى نجاح تلفزيون البحرين اليوم في اجتذاب المشاهدين في داخل وخارج البحرين وكذلك منافسة القنوات الاخرى في المنطقة من حيث الشكل والمضمون .
وللوصول الى هذه النقطة يجب اولا نرى ماهو تعريف القناة التلفزيونية المعاصرة من الناحية التقنية .
القناة التلفزيونية هي وسيلة اتصال مرئية احادية الجانب اي تتكون مرسل ومتلقي و مكونة من قسم للبث ومتلقين عبر اجهزة استقبال تعتمد كيفية الصورة فيها على شقين مدى جودة اجهزة التصوير والمونتاج اولا وعلى جودة وحداثة اجهزة البث بنوعيه الفضائي والارضي ثانيا .
وتعتمد القنوات التلفزيونية في انتاج برامجها على استيديوهات التصوير الثابتة وتكون على نوعين استديوهات بديكور ثابت واستديوهات افتراضية تعتمد على اضافة خلفيات من الجرافيك وعلى وحدات التصوير المتنقلة سواء كانت بشكل استوديو متحرك من عد ة كاميرات لتغطية المباريات الرياضية او الحفلات او مصور مع كاميرا لتغطية التقارير والاخبار .
لقد بذل تلفزيون البحرين في السنوات الاخيرة جهودا كبيرة في تحديث معداته التقنية ونقلها الى مرحلة البث عالي الدقة او ما يعرف بالاتش دي سواء في التصوير او البث وتحسنت صورة البث على اجهزة الاستقبال بشكل ملحوظ رغم انها لم تصل الى كفاءة نظيراتها في المنطقة من قبيل تلفزيون دبي او القنوات الخاصة مثل ام بي سي وغيرها والسبب يعود طبعا الى العوامل المادية حيث ان معدات التلفزيون الحديثة باهضة التكلفة وتصل قيمها الى عشرات ملايين الدنانير مما يجعل استبدالها جميعا مرة واحدة امر يفوق طاقة هيئة شؤون الاعلام المادية ولا بأس في ذلك فاغلب القنوات الجديدة التي لا تتمع بميزانيات ضخمة قررت ان تركز على مضمون البرامج اكثر من وضوح الصورة فتجد برامج تصور بكاميرات صغيرة او حتى كاميرات منزلية والتي تعتبر رخيصة الثمن نسبيا وسهلة التحريك والصيانة ولا تحتاج الى تدريبات كبيرة لمستخدميها من المصورين وهو امر يمكن الاستفادة منه في اي قناة تلفزيونية عبر تشجيع ابداع المخرجين والمصورين سواء المحترفين او الهواة للاستفادة من الامكانات الصغيرة للحصول على نتائج كبيرة واصبحنا نرى برامج على قنوات اوروبية عبارة عن شخص واحد يصور بنفسه ويقدم البرنامج ويعلق عليه .
ان العامل الاهم في اي قناة تلفزيونية هو العامل البشري الذي بيده يكمن نجاح القناة او فشلها والعامل البشري في القنوات التلفزيونية على شقين الاول اداري وظيفته تقديم الدعم اللوجيستي والمالي لمنظومتي الانتاج والبث والثاني انتاجي ابداعي ويكمن النجاح في اي قناة بمدى انسجام هذين الشقين مع بعضهما البعض لان عدم الانسجام يسبب بيروقراطية تعيق العمل الابداعي فعلى سبيل المثال لايمكن معاملة المخرج والمصور بحسب عدد ساعات الدوام مثل موظف بنك فتجد المخرج ملزم ان يقضي ساعات محددة للعمل دون اي انتاجية لمجرد البيروقراطية الادارية في الرواتب ان بينما العمل الابداعي يجب ان يحاسب الشخص على اساس الانتاجية وليس ساعات الدوام .
تعتمد اغلب القنوات في العالم اليوم على شركات الانتاج لتزويدها بالبرامج وتحاول ان يقتصر الانتاج في داخل القناة على عدد محدود من البرامج الاستراتيجية لان شراء البرامج من الشركات يحمل المزايا التالية :
اولا انخفاض التكلفة لان شركات الانتاج لا تعاني من البيروقراطية والتكاليف الزائدة وبالتالي فأن التلفزيون يستطيع ان يوفر في كلفة الانتاج .
ثانيا امكانية المحاسبة والتعويض في حال وجود اي اخطاء فنية او تاخير بحسب بنود العقد وهو ما لا يمكن عمله في حالة الانتاج الداخلي لان اي ضرر او خسارة لايمكن تعويضها واقصى ما يمكن عمله هو معاقبة المسؤول عنها اداريا .
ثالثا تفعيل دور شركات الانتاج سيؤدي الى انجذاب عدد كبير من الشباب المبدع في مجال العمل التلفزيوني للعمل فيها بدلا من الانتظار سنينا على امل التوظيف في تلفزيون البحرين وهو ما قد لايحصل ابدا فتموت الموهبة تدريجيا بعدما يضطر صاحبها للعمل في مجال اخر غير التلفزيون .
رابعا تفعيل المنافسة بين شركات الانتاج التلفزيوني سيزيد من كفائتها وبالتالي قدرتها على المنافسة في الاسواق الخليجية وليس البحرينية فقط .
لو شاهدنا اليوتيوب وهو منافس التلفزيونات الرئيس هذه الايام فسنجد شبابا ينتجون مقاطع درامية او كوميدية بامكانات بسيطة قد لاتتجاوز كاميرا التيليفون المحمول ومع ذلك يحظون بالاف المشاهدين فمابالك لو اعطي هؤلاء فرصة لتطوير عملهم مع اشراف من اهل الخبرة فستصبح هذه المقاطع مسلسلات او برامج ناجحة باقل التكاليف .
كما ان القنوات التلفزيونية تتعامل مع بعض شركات الانتاج على اساس المشاركة حيث تقدم شركة الانتاج برنامجا تفاعليا شيقا دون اجور وبالمقابل تقتسم مع القناة المداخيل الاعلانية والرعايات ومداخيل الرسائل النصية وغيرها وبالتالي فان شركات الانتاج ستقدم برامج شيقة جدا تجذب المشاهد والمعلن دون ان يتكلف التلفزيون اي مصاريف بل على العكس يحصل على مداخيل اعلانية دون اي مجهود .
ان اعادة هيكلة تلفزيون البحرين لاتقتضي ميزانية هائلة ولا شراء معدات بملايين الدنانير ولا بناء استوديوهات ضخمة ولا مستشارين من شركات عالمية بل تقتضي اعادة توجيه الموارد البشرية للتلفزيون نحو الابداع والانتاج بدلا من البطالة المقنعة التي تسببها البيروقراطية وانعدام التنافسية الفعلية .
ان اعادة الهيكلة هي في الواقع كسر القالب النمطي للانتاج والدورات البرامجية للتلفزيون والاستفادة من الخبرات المحلية الموجودة في البحرين من مواطنين ومقيمين في مجال الاعداد والتقييم والتدريب .
ان التركيز في اي قناة ذات ميزانية محدودة يجب ان يتركز على انتاج برامج جيدة ومسلية تجذب الجمهور دون الحاجة الى جيش جرار من المعدين والتقنيين وووو الذين يجعلون من انتاج اي برنامج عملية باهضة التكاليف فالمشاهد اليوم يهتم بالمحتوى اكثر من الديكور الباهض الثمن للاستوديو وان يكون البرنامج مصورا بكاميرا واحدة متحركة بشكل جميل وحيوي اكثر جذبا من اربع او خمس كاميرات جامدة لا روح فيها ويتم تقطيعها برتابة تبعث على الملل وبالتالي فان ما يصرف على انتاج برنامج واحد مكلف يمكن انتاج خمس برامج به .
هناك الكثير من النصوص الجميلة البحرينية التي يمكن تحويلها بسهولة الى دراما او كوميديا غير مكلفة تجذب المشاهدين وتشدهم اليها وتشجع فئة الشباب على الابداع في اخراجها وتصويرها والتمثيل فيها .
ان الدراما البسيطة هي الانجح في هذا الزمن فلم يعد المشاهد يستسيغ الدراما القائمة على الفلل الفارهة والسيارات الغالية والممثلات التي تحمل الواحدة منهن كيلوغرامات من الماكياج على وجهها مع عشرة ليترات من الدموع المصطنعة .
ان الامكانات المتوفرة لدى تلفزيون البحرين ليست بسيطة ولا متخلفة وقادرة على تزويد قنواته ببرامج جيدة كما وكيفا على مدار الساعة في حال تم الاهتمام بالعامل الانساني والابداعي بشكل صحيح لان سلامة الطرق من مهارة السائق وليس من قيمة السيارة ونفس الشيئ فان جاذبية القناة التلفزيونية من جاذبية محتواها وليس من غلاء ثمن المعدات التي استخدمت في انتاجها .
التعليقات (0)