إنتقلت الحركة الكُردية في سوريا منذُ بدء الثورة السورية من مرحلة المراوحة في المكان إلى التراجع إلى الخلف، ذلك أن كل خطوة خطتها المعارضة العربية منذ ذلك الوقت قابلها تأخر زميلتها الكُردية عنها أو السير في إتجاهٍ مُختلف، مما كان يعني في الواقع إتساع الهوة بمعدل الضعف بين الكُرد و بين ما يسعون إليه في سوريا المستقبل و الذي تعتبر المعارضة العربية أحد الجسور الموصلة إليه، و لا يغطي على ذلك ما يبدو من (نجاحٍ) في ترتيب البيت الكردي الداخلي، إذ أن كل ما هنالك ليس سوى تجمعات لغايات هي تجميل الحركة الهرمة، أحد مظاهره هو القيام برحلات جماعية هنا و هناك للترويح عن النفس، في حين بقي بقي كلٌ يغني على جيباه و كذلك حزباه.
بعد عشرين شهراً من بدء الثورة يحسم المجلس الوطني الكُردي اليوم و هو أكبر تجمع للأحزاب الكُردية و التنسيقيات و المستقلين خياره و يقرر الإنضمام إلى أكبر تجمع للمعارضة السورية يحظى بأكبر إعتراف دولي و سيدير البلاد في الفترة المقبلة، يُقال في مثل هذه المناسبات: أن تأتي مُتأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً، و حسناً فعل المجلس إذ هو يتجاوز عقباته التي وضعها بنفسه ليبرهن بقراره هذا على أن الكُرد شركاء في الثورة و الدولة، و ليحاول بتقربه هذا من المعارضة لا بل و تواجده في صفوفها إزالة ما علق بصورة الكُرد من تشويشٍ و تشويه كان هو ذاته سبباً في معظمه، إضافة إلى آخرين من خلال تصرفاتهم الرعناء التي لا تمثل أحداً سواهم.
الشعب الكُردي في سوريا لا ينتظر من المجلس مزيداً من الحذر و التشكيك حتى لو كان كل ما سيتوفر له هو إتفاق نوايا يمكن البناء عليه فيما بعد، لكنه ينتظر منه توضيحاً لما تم خلال الأيام الماضية، خاصةً سماع كلام إيجابي في هذا الموضوع في حين إختفى الوفد الذي كان المفترض به الظهور في المغرب من على شاشات الرادار.
في موازاة ذلك تجري مفاوضات بين أكثر من أربعة أحزاب تنتمي للمجلس الكُردي لإعلان ما سُيطلق عليه (الإتحاد السياسي) بينها، و قد سبق للأحزاب الكُردية خلال مسيرتها المتعثرة أن تجمعت بين فترةٍ و أُخرى في مجالس و هيئات مختلفة عصفت بها كلها الخلافات منذُ اليوم الأول لإعلانها، و بقيت منذُ إعلانها مُجرد حبرٍ على ورق كان أحسن مظاهره بيانات مشتركة لم تلبث أن توقفت هي الأُخرى عن الصدور.
إن عوامل الخطر التي كانت تحدق بالتجارب السابقة لا تزال قائمة مهما بدى شكل الإتحاد المُرتقب متيناً، لذلك سيكون أكثرُ جدوىً لو عقدت هذه الأحزاب في القريب العاجل مؤتمراً مُشتركاً تُعلن فيه حل نفسها و تخرج من ذلك المؤتمر حزباً واحداً قوياً بروحية جديدة و شخصية جديدة و ذلك قبل أن تستعجل و تقوم بإطلاق شارة البدء للإحتفال بشئ لم يره الناس بعد و قد تكرر كثيراً و لم يكتب لهُ النجاح، و هنا فإنه ليس هناك ما يمنع من أن يستفيد الحزب الجديد من إمكانيات قيادات الأحزاب التي ستنضوي تحت لوائه و أن توزع المهام عليهم في المرحلة الأولى لإعلانه بصورة لا تستبعد أحداً أو تُحجمهُ تمهيداً لأعطاء الفرصة فيما بعد للجيل الشاب.
إلا أن ما تشهده ديرك منذُ إختطاف إبنها البار بهزاد دورسن، القيادي في البارتي، يبقى أمراً لافتاً لكنه ليس غريباً عنها، فمنذُ إختطاف بهزاد و ديرك لا تهدأ، حيث تشهد بشكلٍ شبه يومي مظاهرات و إحتجاجات و نشاطات مختلفة، تحت الأمطار و في البرد القارس، تعبر من خلالها عن محبتها لأبنها الغائب، و وفائها له، و رغبتها في عودته، و إستنكارها لفعلة الخاطفين.
و الحقيقة فإنه من النادر أن تُجمع مدينةٌ ما على محبة أحد أبنائها كما هو شأن ديرك مع بهزاد، لكنها هي هكذا المُدن الكُردية عندما يحبها أبنائها، إذ هي ترد لهم التضحية إعترافاً بالجميل.
تحيةً كبيرة إلى ديرك، تحية لبهزاد دورسن حيثما كان، و أقول لهُ رغم كل شئ طوبى لك محبة ديرك، ستعود إلى حضنها الدافئ و ستعيد الإبتسامة إلى وجهها.
من يراهن على أن ديرك ستتعب أو تدير ظهرها لبهزاد و تنساه فهو لم يختبر الديركيين بعد.
التعليقات (0)