بقلم : عمر بن محمد عمر عبدالرحمن
رئيس قسم الحديث وعلومه بمعاهد الدعوة الإسلامية ، وإعداد الدعاة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...
وبعد...
فيستند المطالبون بتطبيق الشريعة إلى آيات قرآنية قطعية الدلالة توجب الاحتكام إلى شرع الله - تعالى -منها: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الجاثية 18)، وقوله - سبحانه – وتعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (المائدة 49)، وقوله - عز وجل -: (أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة 50)، وقوله جل شأنه: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء 59).
فهذه الآيات توجب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعلى جميع المسلمين أن يجعلوا من الوحي مرجعهم في جميع شؤونهم، وهل أنزل القرآن الكريم إلا لهذا الغرض؟ وهل السنة النبوية سوى دليل نظري وعملي للحياة في ظلال الشريعة؟ فأيّ معنى يبقى للوحي المنزّل إذا جرّد من تنظيم حياة الناس ليبقى حضوره رمزيا في القلوب والسلوكيات الفردية؟ وأيّ معنى للمسلمين إذا قدّسوا مرجعيتهم الدينية شعوريا واحتكموا في حياتهم إلى مرجعيات أخرى وضعية أرضية تخالفها من أكثر من وجه؟ تحكيم الشريعة ليس بدعا من المطالب إنما هو رغبة في الرجوع إلى الأصل، ذلك أن الإسلام كان المرجعية الوحيدة للأمّة منذ البعثة المحمدية وحتى الغزو الاستعماري لبلادها ثم إلغاء الخلافة العثمانية وما صاحب كل ذلك من طمس معالم الشريعة والأخذ بالقوانين الوضعية. ولا يمكن لباحث منصف أن يزعم أن المسلمين احتكموا طوال ثلاثة عشر قرناً إلى شرائع غير إسلامية سواء في المحاكم أو الدوائر الرسمية أو الشعبية، وكان هذا هو الوضع السائد رغم ما اعترى بعض فترات التاريخ من انحراف أصاب سياسة الحكم والمال هنا أو هناك، فتحكيم الشريعة اليوم أو غدا ليس خرقا للوضع كما يقول خصومها إنما هو رجوع به إلى طبيعته الدينية والاجتماعية، إذ أن الدين يفرض ذلك، والأمة عاشت في كنفه وتتوق إليه باعتباره فريضة وضرورة.
إن تطبيق الشّريعة يهيئ للنّاس رجالاً ونساءً، مسلمين وغير مسلمين أجواء الحياة السّعيدة والكرامة الإنسانية وكافّة الحقوق والحريات الفردية والعامة، وهو بالنّسبة للمؤمنين فرصة للجمع بين العمل للدنيا والآخرة، يقبل عليه الرجال والنساء إرضاء لربّهم وابتغاء للعيش الطيب، قال الله - تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل 97).
وصلي اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.
التعليقات (0)