تطبيقات الزواج بين الدّائم والمنقطع
متابعة: حسين أحمد سليم
المتعة رحمة من الله, رحِم بها من كان مؤمنا واعيا عارفا مستنيرا... وهي لا تحلّ إلاّ لمن عرفها ووعى تبعاتها وأصولها وضوابطها, مستنيرا بالإيمان وسنن الله وشرائعه, وهي حرام على من جهلها, ولا يرتكب الزّنا إلاّ مجرم كافر وشقيّ... والمتعة هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتّزويج, فليستعفف بالمتعة... فإن استغنى عنها بالتّزويج فهي مباح له إذا غاب عنها...
المتعة تعتبر حلاّ إسلاميّا ناجعا وناجحا, لمشكلة الكثير من حالات الشّباب, الذي لا يستطيع أن يحلّ مشكلته بالزّواج الدّائم... فمن وجهة عمليّة تطبيقيّة, لا بدّ من وجود للزّواج المنقطع مع الزّواج الدّائم, لأنّ الزّواج الدّائم, لم يستطع حلّ المشكلة الجنسيّة في العالم, وبقي بجانب الزّواج الدّائم وفي كافّة مناطق العالم, وعبر حقب التّاريخ, حالات متعاظمة من الزّنا والفحش... وعندما ينطلق المجتمع للإنحراف في قضيّة من هذا القبيل, فمعنى ذلك, أنّه لا يجد الحلّ الطّبيعي في التّشريع المطروح... لِذا فمن وجهة نظر تاريخيّة وعمليّة, فالزّواج الدّائم لا يستطيع أن يحلّ المشكلة الجنسيّة, فلا بدّ من حلٍّ آخر, نظرا لتعقيد الحقوق والواجبات في الزّواج الدّائم...
وتشريع المتعة, لا خلاف فيه بين فقهاء الإماميّة, فهي عقد كبقيّة العقود, التي لا بدّ فيها على عقد وإيجاب وقبول وشروط معيّنة بالنّسبة إلى الزّوجة, وبالنّسبة إلى الزّوج... وهكذا بالنّسبة إلى المهر والعدّة والوقت والولد والإرث... فلا خلاف في هذه المواضيع...
ولم لا يرضى المسلم المؤمن الصّادق في إيمانه وإلتزامه, فيما سنّ وشرّع جهابذة الفقهاء, استنباطا من رحم الدّين الحنيف, الذي ما كان يوما إلاّ رحمة للنّاس أجمعين؟!... سيّما إذا كان هذا المسلم المؤمن, متمسّكا بما جاء في القرآن الكريم المقدّس, وسنّة نبيّه الأكرم, وما أفتى به المعصومون عن الخطأ, ومن لا ينطقون عن الهوى... ومثل هذه العلائق, لا تحتاج إلاّ للجرأة في إعلانها وترسيخها وفق ضوابطها, والعمل بها وفق سننها وشرائعها, وتنشئة أجيال على وعي وعرفان واستنارة بها... وإذا كانت بعض مجتمعاتنا, لا تتقبّله, ولا تستطيع التّفكّر الموضوعي فيه وبه, فلأنّنا ما زلنا نعيش برواسب موروثة, تُحظّر هذا النّوع من العلائق, وتعتبره سبّة على القائمين فيه وبه... فمتى خفف بالتّشريع ووضح, وتبنّته دعوات المصلحين, بوسائلها المشروعة والمختلفة, تحوّل الشّعور مع الأيّام إلى التّقبّل الواعي, وصلاح الزّواج المنقطع, كحلّ للكثير من المشاكل الجنسيّة في هذا العصر...
إنّ الزواج المنقطع, أو ما يسمّى بالزّواج المؤقّت, أو النّكاح المُؤجّل, أو زواج المتعة على رأي العامّة, هو زواج شرعي كامل, لا يختلف عن الزّواج الدّائم في شيء, سوى في مسألة التّأقيت... والمتعة لا تكون إلاّ بأمرين... أجل مُسمّى وأجر مُسمّى...
والنّكاح المنقطع كالدّائم, في أنّه يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين, وإنّه لا يكفي فيه مجرّد الرّضا القلبي ولا المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة...
وهو عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة نفسها, إذا لم يكن بينها وبين الزّوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشّرعيّة...
والزّواج المنقطع هو علاقة طبيعيّة يشعر بها الطّرفان بحكم كونها عقدا من العقود بكرامة الوفاء بالإلتزام وكرامة الحرف الذي يقع به العقد... وهو من هذه النّاحية كالزّواج الدّائم مع فارق واحد وهو أنّ المرأة هنا تملك أن تحدّد أمد العقد ابتداء, ولا تملكها في الزّواج الدّائم, بل تظلّ تحت رحمة الزّوج, إن شاء طلّقها, وإن شاء مدّ بها إلى نهاية الحياة...
المرأة ليست هي سلعة تُؤجّر للمتعة إذن, وإنّما هي كالطّرف الآخر في المعاملة, تعطي من لإلتزامات, بمقدار ما تأخذ منها, وربّما تكون هي الرّابحة أخيرا, لأنّها بإكتشافها لأخلاق الزّوج ومعاملته, وبرؤيتها له في مختلف حالاته ومبادلته, تستطيع تحديد موقفها منه, فيما إذا كانت تقوى على تكوين علائق دائمة معه... بتحويل الزّواج المؤقّت إلى زواج دائم, تأمن معه من الإختلاف نتيجة عدم توافق الطّباع أم لا...
المتعة هي الزّواج المنقطع, ولهذا الزّواج حدوده, والتي تكون نقطة الإفتراق عن الزّواج الدّائم, بينما يشترك الزّواجان الدّائم والمنقطع في بقيّة المجالات...
إنّ شروط الزّواج المنقطع هي شروط الزّواج الدّائم وهي:
لا يستغني كلا الزّوجين عن العقد, ولا بدّ فيهما من الإشتمال على الإيجاب والقبول... ويكون القصد فيهما على نحو الإنشاء لا الإخبار, وألفاظ الإيجاب في عقد المتعة ثلاثا هي: متّعت وزوّجت وأنكحت... أيّهما حصل وقع الإيجاب به ولا ينعقد بغيرها... وكثيرا ما تعتمد كلمة: زوّجتك نفسي في الدّائم, ومتّعتك نفسي في المنقطع... ويكون القبول في كلا الحالتين من الزّوج...
تسمية المهر وذكره مقدّرا قدر معلوم, فلو ترك ذكره بطل العقد... وهو مستحقّ في كلّ من الدّائم والمنقطع, وله ضوابطه المتطابقة في كلا الحالتين...
ذكر الأجل, فلو ترك ذكره بطل العقد على قول وانقلب دائما على قول آخر...
عقد الزّواج, والشّهود إن أمكن... ولا يعتبر الإشهاد على العقد, بل يستحبّ ولا يُعتبر إذن الوليّ...
لا يجوز تمتّع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه, ولا يجوز التّمتّع بغير المسلمة والكتابيّة, كما لا يجوز التّمتّع بالزّانية, ولا بالمرتدّة, ولا بالنّاصبة المعلنة بالعداوة كالخارجيّة...
وذهب بعض الفقهاء إلى جواز التّمتع بالزّانية, ولكن على كراهيّة, خصوصا أذا كانت من العواهر المشهورات بالزّنا... وإن فُعِلَ فليمنعها من الفجور والزّنا والعهر...
ويُستحبّ أن تكون المُتمتّع بها, مؤمنة عفيفة نظيفة, صادقة طاهرة الفكر والقول والعمل, وغير منافقة... كذلك يُستحبّ السّؤال عن حالها وصحّتها, للإطمئنان, قبل الزّواج المنقطع بها...
وصيغة هذا الزّواج, بعد تبادل الرّضا بين طرفي الزّواج تنص على ما يلي:
تقول الزّوجة: زوّجتك أو أنكحتك أو متّعتك نفسي بمهر (وقدره...) يوما أو يومين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين على وجه المثال...
ويقول الزّوج: قبلت هذا الزّواج...
وفي صيغة أخرى عن أحد المجتهدين... يقول الزّوج: أتزوجّك متعة على كتاب الله وسنّة نبيّه, لا وارثة ولا موروثة, ويُسمّى الأجل وما يتراضيا عليه قليلا أو كثيرا... فإذا قالت الزّوجة: نعم رضيت... فهي إمرأتك وأنت أولى النّاس بها...
وبتمام العقد, يأخذ الزّواج شرعيّته, ويستمر قائما حتّى ينتهي الأجل المسمّى في العقد...
أمّا ما يترتّب على هذا الزّواج فهو ما يلي:
إنّ إنتهاء مدّة العقد, أي الزّواج, يعني الطّلاق أو الفراق بين الزّوجين, دون أن يكون هناك تلفّظ به... ويجوز للزّوج أن يهب زوجته المدّة, أي يفارقها قبل نهاية المدّة المتّفق عليها, أو أن يمد في الأجل المتّفق عليه, وذلك برضى الزّوجة... ويجب على الزّوجة أن تعتدّ بعد الفراق كما هو الحال للمطلّقة أو الأرملة... وإذا حدث أن أنجبت الزّوجة, فإنّ الولد ينسب لأبيه ويحمل كافّة حقوقه الشّرعيّة في النّسل والحضانة والولاية والميراث والمساواة وانطباق الحرمة كما ورد في كتاب الله... ولا يوجب نكاح المتعة توارث بين الزوجين, إلاّ إذا نصّ على ذلك في عقد الزّواج... ويجب على الزّوجة أن تكون خالية من الموانع الشّرعيّة, من عدّة ونسب ورضاع كما هو حال الزّواج الدّائم, فلا يجوز زواج الأخوات من الرّضاع أو زواج المعتدّة, أو المحرمات بصلة القرابة كالعمّة أو الخالة أو ما نكح الآباء وغير ذلك من المحرّمات التي نصّ عليها القرآن...
وتنطبق شروط هذا الزّواج أي المنقطع أو ما يسمّى بالمؤقّت أو المتعة على: الأعزب الذي لا يملك القدرة على الزّواج الدّائم... الأعزب المقطوع المسافر أو طالب العلم أو المحارب... المرأة الأرمل, أو المطلّقة, أو العانس التي لا أبّ لها ولا جدّ من جهة أبيها... المتزوّج المعزول عن زوجته لسبب قاهر: كالمرض للزوجة والسّفر والحرب...
وموارد الإفتراق بين الزّواج الدّائم والمؤقّت تتلخّص بما يلي:
وهي عدم ذكر الأجل في الزّواج الدّائم, ولكن لا بدّ منه في عقد المتعة... والعدّة في الدّائم أربعة, وفي المنقطع إلى ما شاء... والمستمتع بها لا طلاق لها بل لزوجها أن يهبها المدّة المتبقيّة, وعند انتهاء المدّة تنقطع العلاقة الزّوجيّة بين الطّرفين... بينما يكون الطّلاق من مختصّات الزّوجة الدّائمة... والنّفقة تكون للزّوجة الدّائمة, أمّا المستمتع بها فلا نفقة لها مهما كانت المدّة التي قدّر لها الزّوجي فيها... وفي المواقعة والمضاجعة, ليس للمتعة ليلة أو حقّ في المطالبة في المواقعة, بل يعود أمر ذلك إلى الزّوج, إن شاء أقدم وإلاّ ليس لها إلاّ السّكوت... أمّا الدّائمة فلها الحقّ في ليلة من أربع مضاجعة ومرّة في المواقعة في ضمن كلّ أربعة أشهر... وفي الميراث, فإنّ الزّوجة الدّائمة تشارك بقيّة الورثة في أخذ نصيبها الشّرعي من الحقّ المفروض لها... أمّا المتمتّع بها فلا ميراث لها...
والمتعة ليست كما يتصوّر البعض... من الجهلة, أو المتفلسفين, والمتذاكيين, أو من في علمهم نقص, أو من في وعيهم قصور, أو من لا يفقهون من السّنن والشّرع, إلاّ ما يتوافق وطبائعهم القبليّة, وأمزجتهم العشائريّة, ونفوسهم الأمّارة بما به يتنافخون ويشتهون... فالمتعة ليست من قبيل قضاء الحاجة أو النّزوة, كما يحلو للبعض, أن يجتهدوا بغير علم ووعي وعرفان وإدراك, والثّرثرة بما لا يفقهون, واللقلقة بما لا يعون... فالمتعة تخضع إلى تبعات الزّواج الشّرعي وسننه وضوابطه, وليست المرأة, كما يوسوس الشّيطان, للنفوس الضّعيفة الفقيرة, المريضة المهينة, لعبة بيد الرّجل, تستقبل في كلّ ساعة ضيفا جديدا, يُشبع بين أحضانها رغباته الجنسيّة... وعلى المستمتع بها أن تلتزم العدّة المشروعة لها, كي تستبريء ممّا علق بها من الزّواج المنقطع, وتستبين من وضعها, قبل أن تضطّرّ لإجراء عقدٍ منقطع جديد... وإلاّ وقعت في المحظور, وارتكبت المحرّم من حيث لم تنتبه أو تدري... والمسؤوليّة الأخلاقيّة والشّرعيّة والأدبيّة, أوّلا وآخرا, تقع على عاتق المرأة المستمتع بها, في حال حرّرت ذاتها من ضوابط وتبعات ومقوّمات الزّواج الشّرعي, دائما كان أو منقطعا, ولا يجوز لها إشباع رغباتها الجنسيّة, إلاّ وفق ما سنّ الله لها وشرّع, وإلاّ فهي مومس ساقطة, تمارس الرّذيلة والفحش والعهر والزّنا, وتُفسد في المجتمع, وجب إقامة الحدّ عليها, رجما حتّى الموت...
وهناك إختلافا في وجهات النّظر لدى الفقهاء في أصل الزّواج من البكر, إذا كان منقطعا أو دائما... فبعض الفقهاء, يشترط إذن الأبّ في صِحّةِ زواج البكر, سواء كان الزّواج دائما أو منقطعا... والبعض يقول إنّها إذا كانت رشيدة بالغة, فهي تملك كامل الحرّيّة في الزّواج, إذا كان دائما أو منقطعا... وهناك من يفصل بين الزّواج الدّائم والزّواج المنقطع, فبقول بإشتراط إذن الأبّ في الزّواج الدّائم, وعدم إشتراطه في الزّواج المنقطع, وبعضهم يعكس, وبعضهم يقول: إذن الأبّ شرط في الزّواج دائما كان أو منقطعا... فيما ذهب البعض إلى القول: أنّه لا بدّ من إذن الأب إذا كان حيّا أو الجدّ في حالِ وفاة الأب, فيما إذا كان الزّواج دائما أو منقطعا... وإذا كانت البكر ليس لها أبّ, يعني أبوها ميّت وجدّها لأبيها ميّت, فهي حينئذ حرّة...
إنّ زواج المتعة وإن كان أصلا لم يُشرّع للبكر وإنّما شُرّع للثّيّب ولمواجهة حالة إجتماعيّة قائمة وطارئة تتمثّل في كثرة الثّيّبات من الأرامل والمطلّقات في مواجهة كثرة الرّجال الذين لا يملكون الباءة على القيام بأعباء الزّواج... إلاّ أنّه وفق إجتهادات الكثير من الفقهاء, شمل كافّة أوضاع البكر, ووضع لها الشّروط والضّوابط, وفق السّنن والشّرائع...
التعليقات (0)