هل نراكم المكتسبات أم أن المثل القائل: "اللي حرث الجمل دكو"، أضحى يعكس حقيقة واقعنا والحالة التي نحن عليها الآن؟!
قطاعان انكشف أمرهما بجلاء خلال هذه الأسابيع الأخيرة: الصحافة و المطالبة بالحق في الشغل.
مُنعت جريدة "أخبار اليوم" بشكل لا يمكن استساغته قانونيا ولا اجتماعيا و لا حتى أمنيا، وتناسلت تدابير تضييق الخناق على منابر أخرى محسوبة على الصحافة المستقلة من جهة، ومن جهة أخرى استمرار إمطار المعطلين حاملي الشهادات بالمزيد من "الهرمكة" في الساحات العمومية على امتداد ربوع البلاد وعلى مرأى العين وفي واضحة النهار..
هذان مشهدان ساهما مؤخرا في النيل، من صورة المغرب وسمعته خارجيا، في الصميم. كما دفعا الكثير من الجهات إلى إعادة النظر في جملة من تقييماتها الإيجابية التي سبق و أن أصدرتها بخصوص بلادنا، إذ كانت قد وصفتها بكونها حققت تقدما في مجموعة من المجالات جعلتها تحتل مرتبة رائدة و مشرفة بين الدول العربية.
لقد استعصى علي الفهم فيما كان وما سيصير الآن ببلادي، فماذا يُعتمل في كواليس دواليب صنع القرار؟ وما الغرض من كل ما يتم تسجيله من تراجعات على مكتسبات الكثيرين الذين يظنون أنها أضحت في "الجيب" وبدأوا يتطلعون إلى مكتسبات أخرى أكثر تقدما، على درب تجاوز واقع حال يولد الإحباط، ولا شيء سوى الإحباط المقرون بانسداد الأفق.
تأتي هذه التراجعات المدوية كانفجار على حين غرة، في وقت هلل البعض للخطوات التي تحققت في هذا المجال أو ذاك، متوهمين أن عجلة تغيير واقع الحال قد انطلقت لتجاوز أجواء اليأس وانسداد الأفق أمام أكثر من جيل، ولوضع حد لمرحلة ولد فيها جيل وكبر وحلم ، ثم شاخ وشاخت معه أحلامه دون تحقيق ولو النزر القليل منها.. جيل عاش دون أن يمارس حقوقه البسيطة و لم يحصد سوى الضياع!!!
ما هو السبيل لفك رموز هذا المشهد القاتم؟
إن ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة ليس مجرد حادثة سير غير متوقعة قد يتقبلها المرء و لو على مضض، أو نوازل عابرة في فضاءات مد وجزر الحياة اليومية، و إنما قد تكون مقدمات إشارات قوية لإعادة إحياء رؤى ظننا أن الواقع الملموس برهن ،بما فيه الكفاية وزيادة، عن عدم جدواها وفقدانها للفعالية، وعن بعدها، بعد السماء عن الأرض، عن كل ما من شأنه تمكين هذا البلد السعيد من ولوج دوائر التنمية الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الحقة.
خلال هذه الأسابيع الأخيرة، انكشفت في صمت رهيب بعض معالم محنتنا الحقيقية، استمرار ظن صناع القرار أنهم محاطون بمن يحمل التهديد إلى المغرب والمغاربة والنظام.
أهم ما يمكن استخلاصه مما حدث مؤخرا، هو أن المكتسبات التي توهمنا أنها تحققت لم تكن فعلا نتيجة قطيعة مع الماضي، وأنه مازال على السلطات مراجعة سلوكاتها وتصرفاتها وإجراءاتها ونهجها في التعاطي مع كل ما يقلقها، وأن مشكلة المغرب في واقع الأمر مشكلة رجاله، رجال أمسه ورجال يومه ورجال غده الذين مازالوا يضحون بصمت على سبيل التجربة ليس إلا.
وما دام الأمر كذلك سيظل من الصعب فك رموز ظلامية المشهد السائد والتي تزداد قتامة لا ينفع معها ضوء برق ينطفئ قبل ضياء العتمة الكثيفة.
إدريس ولدالقابلة
التعليقات (0)