التضحية في أمورجسام هي أعلى درجات التضحية في القاموس البشري فمنهم من يضحّي بماله أوبفلذات أكباده من أجل وطنه أو عرضه ومنهم من يبذل حياته من أجل قضية يؤمن بها. هذه التضحية تعتبر من أسمى درجات التضحيات في العلاقات البشرية التي تفصح عنها العاطفة والإنتماء لشئ ما. حيث أنّ النبي إبراهيم كان على وشك التضحية بإبنه لإثبات ولاءه لخالقه وهذه الحالة تعتبر من أعلى درجات الإيمان. أما الأمر يختلف كثيراً في قاموس الجمهورية الإسلامية في إيران لأنّ الجميع يجب عليه أن يضحّي للمرشد دون أن يضحّي هو بشئ للشعب ولمريديه.
هنالك الكثير من آيات الله وهم الزعماء الدينيين الكبارفي إيران ومنذ انتصار الثورة الخومينية في هذا البلد الى يومنا هذا وهم مستمرون في تضحياتهم بأبناءهم للنظام الذي يحكمه الولي الفقيه وبصورمختلفة إما من أجل النظام أو من أجل فتاواى أصدرها ولي فقيه الإيرانيين . فمنهم من دفع بابناءه لأتون الحرب التي كانت تدور رحاها بين إيران والعراق في ثمانينات القرن الماضي . ومنهم من وضع حبل المشنقة في عنق أفذاذ أكباده لمجرد أنهم عارضوا النظام وانتموا لمنظمات كانت تقاتل بشراسة نظام ولي الفقيه مثل منظمة "مجاهدي خلق". ومنهم من أدخل أبناءه السجن والتعذيب بسبب الخروج عن طاعة ولي الفقيه.
حيث تحوّل "أية الله محمد غلبايغاني" وهو أحد الزعماء الدينيين في إيران الى مثال يحتذى به في التضحية للنظام عندما أصدر أوامر إعدام ثلاثة من أبناءه بسبب إنتماءهم لمنظمة معادية عندما كان حاكماً للشرع أي بمثابة رئيس سلطة القضاء في إيران مطلع الثمانينات من القرن المنصرم.
فقد حثّت صحيفة كيهان الناطقة باسم المرشد الإيراني ، رفسنجاني عندما كان الجدل على أشده حول الإنتخابات الرئاسية والتي أيد فيها أبناء رفسنجاني الحركة الإحتجاجية عام 2009 , نصحت صحيفة المرشد رفسنجاني على أن يحذو حذو غلبايغاني في التضحية بأبناءه ليقدمهم للنظام دون رحمة بسبب خروجهم عن طاعة "ولي أمر المسلمين خامنئي."
كما هو الحال بالنسبة لرئيس مجلس صيانة الدستور"أية الله جنتي" الذي فقد أحد أبناءه عندما قُتل على يد الحرس الثوري وهو ينتمي الى مجاهدي خلق . وكانت قد نقلت الصحف الرسمية الإيرانية المقربة من النظام أن أية الله جنتي قد نَذَرَ آنذاك أن يصوم أربعين يوماً لو جيئ بخبرمقتل نجله.
قائمة طويلة بالاسماء من نذرأبناءه لنظام ولي الفقيه . نحن أمام هكذا نظام معقّد و قادة لا توجد في قلوبهم رحمة ولا شفقة على أبناءهم فكيف ترقّ القلوب على المجتمع الذي يعاني الأمرين من حكمهم . لا شك إنهم بحاجة لتنويم مغناطيسي لكي يعرف العالم ما يدورفي صدور قادة النظام في إيران.
السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل هذه التضحيات هو، في المقابل ؛ ماهي نوعية التضحية التي قدمها النظام لهؤلاء والولي الفقيه نفسه للوطن ولهؤلاء المضحين كي يقوموا بمثل هذه المبادرات الجسيمة ؟! لا بد من أنّ هنالك من يقول أنه منحهم مناصب عليا في الدولة . نقول أي منصب يمكنه أن يستحق التضحية بفلذات الأكباد . لو لا أنّ هذه هي إحدى القيم التي تحكم جمهورية الملالي في طهران منذ ثلاثة عقود ونصف ومعايير تقييمها لا زالت غير واضحة.
التعليقات (0)