تصريحات ملك الأردن بخصوص سوريا هل هي أردنية ؟ . للكاتب / إبراهيم أبو عواد . جريدة القدس العربي اللندنية 18/11/2011
لا يمكن اعتبار مطالبة الملك عبد الله الثاني بتنحي الرئيس السوري زلةَ لسان أو موقف عفوي عابر . بل هو سياسة رسمية مبنية على معطيات مفادها أن الرئيس السوري صار ورقةً محروقة ، وأنه أضحى جزءاً من المشكلة وليس الحل . وهذه التصريحات التي تأتي من رأس النظام الأردني تُعبِّر _ ضمنياً _ عن موقف دول الجوار ، كما تُعبِّر عن موقف دول الخليج غير المعلَن خوفاً من انتقام محتمل للنظام السوري ضد هذه الدول ، تقوم به إيران نيابةً عن حُكام دمشق ، وذلك بإثارة النعرات الطائفية ، وتحريك الشيعة في منطقة الخليج ، وإيقاظ الخلايا النائمة التي قد تُسبِّب مشكلات أمنية واجتماعية لدول الخليج التي تفتقد للقدرات الأمنية الفائقة . والدول العربية صارت تدرك أن وجود نظام دموي في دمشق يُشكِّل عبئاً عليها ، وقد يُغرق المنطقة بأسرها . وهذا يُفسِّر القرارَ القوي لجامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا في هيئات الجامعة العربية ، والذي يعتبره الكثيرون تمهيداً لتدويل الأزمة السورية ، وفتح المجال لتدخل غربي بمختلف الأشكال .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة : لماذا صَمَتَ الأردن الرسمي على مدار أشهر عديدة ولم يُعلِّق على أحداث الثورة السورية ثم انفتحت شهيته _ فجأةً _ للإدلاء بدَلْوه في الموضوع تلميحاً وتصريحاً ؟! . والجواب هو أن الدول تعتمد على مراقبة الأزمات ، وتترك كرةَ النار تتدحرج أمامها دون استبقاء الأحداث ، وفي ضوء المواقف الدولية تأتي الردود العربية . فالعربُ لا يَقدرون على اتخاذ فعل حقيقي بسبب ضعف تأثيرهم الإقليمي والعالمي ، لذلك ينتظرون الأفعال الأمريكية والأوروبية ، ثم تأتي المواقف العربية كرد فعل تابع لمواقف القوى الكبرى . ولأن الغرب قد رفع الغطاء والشرعية عن الرئيس السوري ، فقد صارت المواقف العربية أكثر تحرراً وانطلاقاً . فقامت دول الخليج بسحب سفرائها من دمشق ، ثم رفعت جامعة الدول العربية الغطاءَ عن النظام السوري ، وقامت بحشره في الزاوية ، وتجريده من الاحتضان العربي ، وتعريته من عُمقه العربي . وبعدها جاءت تصريحات العاهل الأردني غير المسبوقة بضرورة تنحي بشار الأسد ، وقبل ذلك تمهيد انتقال السُّلطة بشكل سلمي وسلس .
ومن الجدير بالذِّكر أن التصريحات الملكية قد جاءت بعد قيام أحد المسؤولين الأمريكيين بزيارة المنطقة للتأكد من أن الأردن ولبنان يُطبِّقان خطة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على سوريا . وهذا يُعطينا مؤشراً مهماً على أن الأردن _ بما يملكه من حدود طويلة مع سوريا وعلاقات اقتصادية ومشاريع مشتركة _ قد صار رأسَ الحربة العربية في مشروع إسقاط النظام السوري . ومن الدلائل على ذلك أيضاً احتضان المعارِضين السوريين في الأردن ومنحهم حرية الحركة والتحدث مع وسائل الإعلام المختلفة ومهاجمة نظام بشار الأسد بشكل علني . كما أن المظاهرات المناوئة لنظام بشار تجري أمام السفارة السورية في عَمان على مرآى ومسمع من القوى الأمنية دون نكير ، بل إن الرئيس السوري يُشتَم في هذه المظاهرات التي تعرضها كافة وسائل الإعلام . كما كثر الحديث عن إقامة مناطق عازلة بين سوريا ودول الجوار لتسهيل انشقاقات الجيش السوري وتوفير الحماية لهم لكي يصبحوا شوكةً في خاصرة النظام السوري . ولا تخفى أهمية الحدود الأردنية مع سوريا في مثل هذه الخطة .
وبالتالي فإن الأيام القادمة حُبلى بالمفاجآت غير السارة لنظام بشار ، إذ إن مستقبله السياسي صار وراء ظهره ، ولا يمكن لعقارب الساعة أن تعود إلى الوراء . لذلك فإن السؤال لم يعد حول إمكانية سقوط الرئيس السوري ، فقد صار السؤال : ماذا بعد بشار ؟ .
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
التعليقات (0)