من البديهيات أن يرتكب المجرم جريمته ليظل بعدها يراقب عن بعد ردود الأفعال وسير تحقيقات الشرطة حول جريمته . فأذا ما وجد هذا المجرم أن ظباط الشرطة يخرجون بتفسيرات ضبابية للجريمة ، وتصريحات متناقضة للصحافة حولها ، فسيعرف حينها بأن يد العدالة بعيدة عنه . وعندها سيكون مستعدا ليرتكب جريمته التالية دون أدنى خوف من العقاب .
في كل مرة يضرب فيها الأرهاب بعنف بالغ في العراق يسارع المسؤولون الأمنيون والحكوميون الى أتهام هذا الطرف أو ذاك بأرتكاب الجريمة بعد ساعة أو ساعتين بل وبعد دقائق أحيانا .
فمثلا،وعند متابعتي لأحداث يوم الثلاثاء الدامي الأخيرة وجدت الناطق بأسم عمليات بغداد "قاسم عطا " يصرح بعد ساعتين تقريبا لأحدى القنواة العراقية بأن الصداميين والبعثيين هم من أرتكب هذه المجازر ! . ولا نعرف كيف أستطاع الناطق بأسم عمليات بغداد أن يحدد هوية الجاني بهذه السرعة الضوئية .
أما التناقضات بين أقوال المسؤولين حول مرتكبي مجازر الأحد والثلاثاء والأربعاء ! ، الدامية فحدث ولا حرج.
فبعد أن أكد قاسم عطا أن البعثيين والصداميين هم من أرتكب جريمة الثلاثاء ، وبعد تأكيد رئيس الوزراء نوري المالكي في اليوم التالي لكلام "عطا" ومحملا سوريا مسؤولية الجريمة قائلا . أن الادلة التي قدمها العراق الى الامم المتحدة «دامغة»، معتبرا ان انكار سورية هي «سياسة طبيعية» . فوجئنا بتنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته عن الجريمة وسط صمت رسمي عن هذا الموضوع . وكأن القاعدة لا يمكن أن ترتكب مثل هذا الجرم .
ثم جائت الطامة الكبرى يوم أمس حين صرح وزير الخرجية "هوشيار زيباري" الى صحيفة الحياة اللندنية بأن «الحكومة العراقية لا تزال متمسكة بموقفها ، وهو أننا لا نتهم سورية بتفجيرات بغداد» . وأن كان قد أردف بالقول « ولكننا نتهم عناصر بعثية متورطة في الإرهاب وهي موجودة وعاملة في سورية، وتتحرك في شكل منظم ضد مصالح العراق» .
فكيف اذا نحن لا نتهم الحكومة السورية بينما البعثيين يعيشون ويتدربون ويخططون وينطلقون من أراضيها ؟. أو لا يعتبر هذا الكلام الصادر من السيد الوزير نفيا تاما لكلام رئيسه المباشر السيد نوري المالكي ، وتكذيبا واضحا لأقواله .
كما أن فوضى عارمة من التصريحات الوزارية والأمنية والبرلمانية تخرج علينا كل يوم تتهم أيران والسعودية وتركيا لتجعل من المشهد أكثر ضبابية ، مما يزيد في حيرة ويأس الشارع العراقي لمعرفة هوية قاتله .
هذه الفوضى أعترف بها زيباري في حديثه الى الحياة قائلا «بأن هذه التصريحات تسبب إحراجاً له في عمله» موضحاً انها «نتيجة للإفرازات السياسية الجديدة، وعدم وجود سياسة مركزية أو إعلام مركزي، بل هناك تعدد إعلامي كبير».
وأضاف «ولذلك لم أستطع تلبية طلب وزير الخارجية السوري وليد المعلم بوقف الحملات الإعلامية بين البلدين، وقلت له بصراحة: أنا لا أستطيع فعل ذلك ضمن النظام العراقي السياسي الجديد» ؟! .
ولم يترك وزير الخارجية السوري وليد المعلم هذه الفرصة لتفلت منه دون أن يسخر من فوضى التصريحات هذه مستدلا بها على ضعف الأدلة العراقية المقدمة الى الأمم المتحدة لفتح تحقيق أممي عن مسؤولية بلاده في قضايا الأرهاب اللذي يضرب العراق .
حيث قال في تصريح له يوم أمس أن «العراق لم يستطع أن يقدم أي دليل علي اتهاماته لسوريا بالتورط في التفجيرات التي شهدتها بغداد»، مشيرا إلي «وجود تضارب بين تصريحات المسؤولين العراقيين وحالة من الفوضي في هذا الصدد» . وأضاف مستهزئا « أعانهم الله على هذا الوضع».
أن أعداء العراق واللذين يتدخلون في شؤونه الداخلية أكثر من أصابع اليدين والرجلين أيضا . وهذا ما أكده وزير الخارجية يوم أمس في ذات الحديث حيث قال . «أن التنافس على مستقبل العراق يأتي من دولتين غير عربيتين هما إيران وتركيا» . وبأمكاننا أن نظيف الأحتلال الأمريكي الصهيوني اللذي سيكون سعيدا بهذه الفوضى اللتي خطط لها الصهاينة واليمين المتطرف لتقسيم العراق منذ سنوات . أضافة الى عشرات المخابرات العاملة على ارضنا لتثبيت أوضاع تضمن مصالح دولها مستقبلا .
أن فوضى التصريحات هذه ، ورمي الأتهامات يمينا وشمالا دون أي تحديد للفاعل الحقيقي بالأدلة القابلة للتصديق "وليس بالتمثيليات والأعترافات التلفزيونية " ، هي غاية ما يريده المجرم الحقيقي اللذي سيعلم من خلال هذا التخبط التصريحي "أن صح التعبير" بأنه بعيد عن يد العدالة . وبذلك تنقلب هذه التصريحات الفوضوية الى تصريحا لقتل الأبرياء من شعبنا .
لذا فأن القول بأن البعثيين أوسوريا أو أيران أو العرب أو أو أو .. بهذه الطريقة الأعتباطية لا يطمأن العراقيين ولا يشفي غليل أسر الضحايا . فنحن بحاجة لنعرف مَن مِن البعثيين ومَن مِن السوريين بالأسماء والأدلة والصور لكي يعلم المجرم بأننا عرفناه بالأسم . وحينها لن يستطيع أن يعيد الكرة مرة أخرى .
وألا فأكفونا شر تصريحاتكم هذه أيها المسؤولين لأنكم بها تقتلوننا كل يوم .
http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/87005
http://www.azzaman.com/indexq.asp?fname=20091212-1599.htm&storytitle=
التعليقات (0)