تصاعـد وتيرة إرتـــــدادات المجـزرة
مصعب المشرّف
6 يونيو 2019
على خلفية تورط مستشاري إدريس ديبي في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة. سارعت تشاد تستنجد بعشيقتها فرنسا لتغطيته .... وفي ظل إنشعال بريطانيا بعض الشيء بترتيبات خلافة تريزا ماي .. فقد تصدرت ألمانيا المشهد بوصفها الدولة الأوروبية الأكثر تضرراً من مهاجري القوارب الأفارقة .... وبدأت بوادر ازمة داخل الاتحاد الاوروبي بين فرنسا من جهة والمانيا من جهة . ففرنسا ترى الإكتفاء بمناشدة الأطراف العودة إلى طاولة المفاوضات والحوار وأن يبقى الحال على ما هو عليه دون التطرق إلى مجزرة الجنجويد التشاديين ...... ولاشك أن مزيد من الضغوط الألمانية وفي معيتها عاصمة الإتحاد الأوروبي بروكسل سيتم ممارستها في العمق الأفريقي × للخروج بقرارات أفريقية حاسمة عادلة.
والسيسي المصري غاضب ومذهول ومحتار. ولايكاد يصدق أنه (المنتمي إلى شعب طالما أشاع عن نفسه أنه أذكى شعوب العالم وفهلوي وآخر حداقة) يضحك عليه ويبيعه التورماي في عقر داره ؛ راعي إبل خريج كتاتيب وتاجر حمير سوادني سابق؛ ويتسبب له بهذا الحرج الكبير على المستوى الأفريقي . لاسيما وأن الرأي العام في أفريقيا يميل إلى أن قرار فض الإعتصام ما كان ليمضي فيه المجلس الإنتقالي العسكري بهذا العنف لولا أنه كان بموافقة الجارة اللصيقة المصرية ، وأن هذه الموافقة جاءت على إثر زيارة البرهان للقاهرة والحفاوة التي إستقبله بها السيسي رئيس الدورة الحالية للإتحاد الأفريقي ..... ومن واقع أن البرهان ليس سوى الوجه الآخر لعملة حميدتي.
ورغم كل ما يشاع عن غض الطرف الأمريكي وهوان الأمم المتحدة . فقد رشح أن القرار الأفريقي لم يكن ببعيد عن مباركة الولايات المتحدة وحرص الأمين العام للأمم المتحدة ، بعد أن ضافت الدنيا ذرعا بظاهرة إمتهان العسكر والمليشيات لمقدرات الشعوب دون أن يترتب على ذلك القمع وإنتهاك حقوق الإنسان مساءلة...
لأجل كل هذا جاء القرار الأفريقي (مجلس السلم والأمن الأفريقي) بتعليق العضوية في موعده المحدد (شهرين) المضروب ... وشفعه مناقشة مشروع إيقاع عقوبات شخصية على المتورطين وبقيادات وربما أعضاء المجلس العسكري الإنتقالي . وذلك على العكس مما كان تلجأ إليه دول الغرب من إثقاع العقوبات بالبلدان والشعوب...... وبالطبع فإن المتوقع أن يحمل العالم الديموقراطي الحـر وسكرتير الأمم المتحدة هذه القرارات الأفريقية كوثيقة إلى مجلس الأمن ، وبما يحرج روسيا والصين.
اعداد الضحايا الشهداء في مجزرة فض اعتصام القيادة لم يتوقف عند حاجز العشرات . ولكن تعداها إلى المئات .. والرقم الحقيقي سيصيب العالم المتحضر بالذهول عندما تتكشف الامور لاحقا .... والمتوقع ان يحاول الكل التملص من تهمة المشاركة في الكارثة كيما يتحملها المجلس العسكري الانتقالي وحده ... لاجل ذلك سارع بعض اعضائه الى انكار علمهم بقرار فض الاعتصام او المشاركة في اتخاذه . وقدم والي الخرطوم استقالته..
عــدّاد الــدم يواصل الإرتفاع في بورصة الحدث الكارثي الأفريقي .. وحجم الكارثة يظل ولا ينفك أكبر من حميدتي ومليشياته الجنجويد .. وأكبر من المجلس العسكري ... وأعظم من الحجم الدبلوماسي لكل من شارك فيه ويدافع عنه من دول المنطقة .....
تخطيط كل من البرهان وحميدتي أن يخلع الأول البدلة العسكرية ويلبس البدلة الملكية ، ويرشح نفسه بعد 9 شهور لرئاسة الجمهورية. ويفوز بنسبة 93.6% وتصبح الحكومة بذلك مدنية . ويتولى الآخر منصب النائب الأول ووزير الدفاع .. هذا التخطيط لن يكون بالإمكان تنفيذه بعد أن تلطخت أيديهما بدماء أبناء الشعب والمعتصمين أمام بوابة القيادة العامة ... مستقبل البرهان وحميدتي في المشهد السايسي الحالي والقادم أصبح صـفـر كبير ... ومن المحال أن يقبل الشعب والعالم بأحدهما أو كلاهما في قمة هرم السلطة بالسودان تحت سماوات العالم الأفريقي العريض... بل أن المحكمة الجنائية الدولية ربما تكون هي المـآل الطبيعي ...
والذي لا يدركه حميدتي وكثيرون أن السودان مثلما هو مشكوك في عروبته لدى معظم العرب . فإنه مشكوك في عروبته لدى الغرب الأوروبي ولدى الولايات المتحدة بذات المقدار ... أو كمال قال الجنرال كولن باور وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بعد زيارته للسودان للبحث في أزمة دارفور بوصفها عرقية بين عرب وأفارقة :- (لم أرى عرباً في السودان ... كلهم أفارقة)...... ولكن تتبقى الحقيقة التي لا مرد لها تتمثل في أن أفريقية السودان ليست مجال شك في نفوس وثقافة الأفارقة.
دقس من كان يظن أن السودان مثلها مثل أي دولة أفريقية أخرى عربية بيضاء تطل بوجها نحو مياه البحر الأبيض المتوسط .. وأن نموذج السيسي في مشارف دلتا مصر بالإمكان نسخه ولصقه في أعماق سافنا وأدغال أفريقيا السمراء ... والشاهد أنه لا علاقة ولا تشابه ولا وجه مقارنة بين حالتي السيسي وحميدتي .. فالذين قتلهم السيسي في إعتصام رابعة العدوية غير الذين قتلهم حميدتي في إعتصام القيادة العامة العسكرية.
من خلال ما رشح أمس وأول أمس من أخبار إتصالات أمريكية وغربية بقيادات في المنطقة . وعلى ضوء قرار الإتحاد الأفريقي بتعليق عضوية السودان. فإن في زيارة الرئيس الأثيوبي المرتقبة العاجلة للخرطوم ما يدل على أن الحل الذي سيفرض نفسه هو أفريقي....... وأغلب الطن أنه لا ثاني إثنين في حل يؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية وحل المليشيات وجهاز الأمن والمجلس العسكري الإنتقالي. .... وأن يكون الضامن إما القوات المسلحة السودانية أو قوات أفريقية. وإلى حين إجراء إنتخابات حرة نزيهة غير قابلة لممارسة التزوير.
تعليق عضوية السودان لن يكون هو القرار الأممي الأفريقي الوحيد . بل سيعقبه فرض عقوبات على قادة المجلس العسكري الإنتقالي إذا لم يسارع بحل نفسه ... وستطال العقوبات الشخصية أسماء قيادات أخرى تلطحت أيديها بدماء مجزرة القرن تجاه إعتصام أعزل . وإستباحة مجتمع أعزل على شاكلة "قانون" سكسونيا ووالنمروذ وجنكيزخان وهولاكو في زمانْ غير زمانهم.
حتماً سينتصر الشعب السوداني كما عـوّد نفسه دائما .. ولعل صبره على شيق ونزق الكيزان طول 30 عام هو الذي أغرى به الغرباء والرعاء ؟ وظنوا على غباء أنه سبهللي وأهبل من البلهاء.
الحديث عن مستقبل توجهات السودان بعد التعافي المؤكد ربما يكون سابقاً لأوانه . وربما ليس هذا وقته ولا أوانه ..... ومن الأفضل الإنشغال الآن بقضايا تحرر البلاد من قبضة المليشيات وبناء الدولة المدنية ... وعندها سيكون لكل مقام مقال .... ورغم كل شيء فإن الإسلام هو دين معظم هذا الشعب ولن ينازع الشعب دينه أحد .... وستكون أفريقيا هي المجال الحيوي والعمق الطبيعي والحضن الآمـن الأميــن ؛ حتى لو كنا ننطق ونكتب على الأوراق أحداث يومنا وآمالنا وطموحاتنا بلسان عربي مبين.
التعليقات (0)