من المرتقب أن تمارس ضغوط قوية تهدد الإجماع الدولي حول السيادة الفعلية للمغرب على الأقاليم الجنوبية، وقد بدأت ملامح هذه الضغوط قوية، بإعلان الهيئة القضائية للبرلمان الأوربي أن اتفاق الصيد بين الاتحاد الأوربي والمغرب لا يفي بالقوانين الدولية وأن سكان الصحراء الغربية لا يستفيدون منه بالشكل الملائم. بعد أن قدم المحلفون أمام لجنة الصيد التابعة للبرلمان الأوربي تقريرا أبرزوا فيه ما وصفوه بمشكلات الاتفاق، وذكر التقرير أنه على الرغم من أن قوارب الاتحاد الأوربي تمارس الصيد في المياه المحيطة بالصحراء، إلا أن السكان لا يستفيدون من ذلك.
واعترف ممثلو الهيئة القضائية للبرلمان الأوربي بوجود مشاكل قانونية تعتري اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوربي والمغرب، واعتبروا أن تعليق الاتفاقية أصبح ملحا وضروريا بعد انتهاء صلاحية الاتفاقية في 28 فبراير من السنة القادمة.
وتزداد الضغوط حدة على المغرب حول اتفاقية الصيد البحري، غداة تقديم مجموعة من الأحزاب الإسبانية لمقترح قانون إلى البرلمان الإسباني يطالب بتعليق اتفاق الصيد بين المغرب والمجموعة الأوروبية، وربط التفاوض حول اتفاقية الصيد البحري بإيجاد "حل سلمي للنزاع في الصحراء الغربية، وبضرورة التأكيد أمام المنتظم الأوروبي على عدم شرعية تفاوض المغرب حول الموارد الصحراوية. وطالبت بتخصيص عائدات اتفاقية الصيد لمن يسمونهم بالشعب الصحراوي فقط.
كما تأتي هذه التطورات الجديدة في ملف اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوربي والمغرب أياما قليلة بعد توصل الاتحاد الأوربي برسالة من عدد من المنظمات الحقوقية الصحراوية، تدعوه إلى عدم توقيع أي اتفاقيات للصيد البحري مع ما أسماه الموقعون بـ (القوى المحتلة) في المياه الإقليمية (المستعمرة)، ما دامت الاتفاقية على حد قول الموقعين تتعارض مع إرادة ومصالح شعوب هذه البلدان، وأضافوا أنهم أبناء شعب الصحراء الغربية، خصوصا ونحن متأثرون أصلا بهذه السياسة الأوروبية، وسنتأثر بها لسنوات قادمة. وحتى هذه اللحظة، لا زلنا نعاني من التأثيرات السلبية الناتجة عن اتفاقيات الشراكة المغربية الأوربية لسنة 2006، والتي تم العمل بها منذ سنة 2007 .
ودعا بيان هذه الجمعيات الحقوقية الصحراوية الاتحاد الأوربي إلى ضرورة التحقيق أولا فيما إذا كان هذا الاستغلال يستجيب لإرادة ومصالح شعوب هذه البلدان المحتلة، واشترط أيضا وضع خطة واضحة وشفافة لضمان الاستشارة النزيهة لهذه الشعوب حتى تعطي موافقتها على الاتفاقيات، وخلص البيان إلى توصية الاتحاد الأوربي باستثناء المياه الإقليمية للصحراء الغربية من أي اتفاقيات مستقبلية للصيد البحري مع المغرب.
وتجدر الإشارة أن الموقعين على هذه الإرسالية المبعوثة للاتحاد الأوربي وقعها متزعمو ما يسميه المغرب بانفصالي الداخل ومنهم الناشطة السياسية أمينتو حيدار، الغالية دجيمي، المصطفى عبد الدايم، المامي أعمر سالم، وسيدي محمد ددش...
وتجدر الإشارة أن جبهة البوليساريو تنظم حملة واسعة النطاق حول اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوربي، تطلق عليها "اصطادوا بعيدا عن الصحراء الغربية اتفاقيات الصيد مع المغرب غير أخلاقية".
ويرى المراقبون أن قرار الهيئة القضائية للبرلمان الأوروبي في الوقت الراهن، إنما يتم بإيعاز من جبهة البوليساريو المدعومة جزائريا، والتي تتوفر على مجموعة ضغط، تمارس ضغوطات سياسية قوية على المغرب عبر تحريك الملف القانوني لاتفاقية الصيد البحري، كما تعمل بين الحين والآخر على إشهار الورقة الحقوقية في الأقاليم الصحراوية، بدعوى أن السلطات المغرب لا تحترم حقوق الإنسان خاصة في تعاملها مع الأفراد المطالبين باستقلال الإقليم.
ويبرر عدد من المتتبعين أن جبهة البوليساريو والجزائر اليوم توجه قوتها الضاغطة داخل الاتحاد الأوربي لاستصدار قرارات وضغوطات ضد المغرب تحرمه من صفة الوضع المتقدم، بل وتأمل إلى تعليق قمة الاتحاد الأوربي مع المغرب المزمع عقدها في السابع والثامن من شهر مارس المقبل بمدينة غرناطة الاسبانية.
وتجد هذه الضغوطات فعالياتها ضد المغرب اليوم بالتفاف عدد من الأحزاب الاسبانية الصغيرة وبحكم مرجعتها الانفصالية من جهة، أو بحكم عدائها للمغرب، وهو عداء مشفوع كشكل من أشكال الصراع الإقليمي في المنطقة، ذلك أن عددا من دول جوار المغرب كالجزائر واسبانيا، والتي باتت ترى في إحراز المغرب لصفة الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي تهديد للتوازن الاستراتيجي في المنطقة، ويستدلون على ذلك بالقوة التفاوضية التي أضحى يمتلكها المغرب مكنته من كسب ثقة الاتحاد الأوربي (حصوله على الوضع المتقدم)، وثقة الولايات المتحدة الأمريكية (حصوله على صفة الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة)، ورأوا في هذه المكاسب التي حققها المغرب ستضمن له شرعية دولية على إقليم الصحراء.
والحق أن المغرب كانت له جولات من المفاوضات الصعبة مع الاتحاد الأوربي بشأن اتفاقية الصيد البحري المشار إليها، ووصفت هذه المفاوضات حينها بالعسيرة، بعد تأخرها لمدة طويلة من الزمن لاختلاف وجهات نظر الطرفين حول التدبير القانوني لشواطئ الصحراء، ومن جهة أخرى فلأن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي كانت تدعو إلى استثناء شواطئ الصحراء الغربية من هذه الاتفاقيات، نظرا للحساسية السياسية والقانونية والأخلاقية للموضوع، وذلك إسوة باتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها الولايات المتحدة الأمريكية مع المغرب سنة 2004.
إلا المغرب ظل متمسكا بالمعالم الرمزية التي تؤكد سيادته التامة على إقليم الصحراء، رافضا الشروط القانونية الجديدة التي جاء بها الاتحاد الأوربي لكونها توحي بدلالات تحييد السيادة الفعلية للمغرب على أقاليم الصحراء، وظلت المفاوضات متعثرة بين الطرفين لمدة أطول إلى أن تمكن المغرب من إقناع دول الاتحاد الأوربي بتوقيع الاتفاقية لتشمل كل الشواطئ، فقبل الاتحاد الأوربي التوقيع على الاتفاقية بالاستناد إلى الرأي الأممي الاستشاري الصادر سنة 2002.
إلا أن هذا لم يمنع جبهة البوليساريو من مواصلة الضغط على المغرب من خلال الجمعيات الحقوقية الموالية، جعلت المغرب مضطرا لتقديم تنازلات مجانية للاتحاد الأوربي في اتفاقية الصيد البحري، ودعت هذه الجمعيات الاتحاد الأوربي حينها بوضع اتفاقيات الصيد البحري في سياق القانون الدولي على اعتبار أن الشواطئ الصحراوية محتلة، وطالبت الاتحاد الأوربي إلى اتخاذ جميع التدابير لمنع هذه الخطوة، عبر إجراء دراسة لتحديد ما إذا كانت هذه الأنشطة تحترم إرادة ومصالح شعب الإقليم.
ومعلوم أن البوليساريو والجزائر تشن حملات قوية على المستوى السياسي والحقوقي ضد المغرب عبر ترسانة دبلوماسية وإعلامية قوية، تشير عدة تحليلات أنها كادت أن تقوض كامل مكتسبات المغرب من تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة" التي أقامها المغرب لجبر الضرر ومعالجة الانتهاكات الجسيمة بالمغرب، وبالتالي تحسين صورة وضعه الحقوقي على المستوى الدولي، لكن البوليساريو والجزائر مافتئتا تعملان على إفشال مقتضيات خطاب العاهل المغربي محمد السادس في الذكرى 34 للمسيرة الخضراء، حين أعلن أن المغرب لم يعد بوسعه التساهل مع ما أسماهم بـ (الخونة)، وذلك بالتزامن مع اعتقال السلطات المغربية بداية شهر أكتوبر من السنة الماضية لـ 7 صحراويين قاموا بزيارة إلى مخيمات تندوف والجزائر، والتقوا مسؤولين عسكريين من الجانبين. وقدمتهم السلطات المغربية إلى العدالة بتهمة التخابر ضد المصالح العليا للأمة، فيما تؤكد البوليساريو أنهم ممثلو جمعيات حقوقية صحراوية اختطفتهم السلطات المغربية كعقاب لهم لزيارتهم لمخيمات اللاجئين الصحراويين بالجزائر.
وتواصل جبهة البوليساريو حملتها الإعلامية بالتركيز على الورقة الحقوقية، مستغلة الخطأ الجسيم الذي وقعت فيها الدبلوماسية المغربية الرسمية في كيفية التعاطي مع أزمة أميناتو حيدر، حتى أنها أصبحت مثالا حي على ما تقول البوليساريو أنها الأكمة التي تخفي غابة الحقوق المنتهكة في إقليم الصحراء.
وأفاد مراقبون دوليون أن المغرب لن يرضخ إلى ضغوطات الجمعيات والأحزاب الاسبانية الصغيرة خاصة أن مثل هذه المطالب كانت محط الجولات التفاوضية الكثيرة التي قادتها مفوضية الاتحاد الأوربي مع المغرب، قبل أن تقتنع بتوصية الاتحاد الأوربي بالتوقيع على الاتفاقية؛ استنادا على الرأي الاستشاري الأممي الصادر سنة 2002. إضافة إلى أنه لم تحصل أي مستجدات من شأنها أن تجعل هذا الرأي قويا لدى الأوساط الرسمية لعدة اعتبارات منها أن المغرب لا يزال يمارس كامل سيادته على الأقاليم الصحراوية، كما هو متعارف عليه لدى المنتظم الدولي، وأن المغرب يمتلك عدة أوراق لم يشهرها في وجه اسبانيا التي تقود جمعياتها وأحزابها حملات متوالية ضد المغرب منها نتائج التعاون الجيدة في محاربة الهجرة السرية بمستويات قياسية، وأن هذا المكسب لا يمكن لاسبانيا أن تضحي به.
كما أن المغرب يمتلك أوراقا ضاغطة قوية، ولها شرعيتها الكبيرة منها إمكانية تحريك ملف الغازات الكيماوية المحرمة دوليا والتي استعملتها اسبانيا ضد مغاربة الريف، إضافة إلى ملف سبتة ومليلية المحتلتين، وملف الموريسكيين والمطالبة برد الاعتبار لهم، وكذا إمكانية إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية التي يستفيد منها الإتحاد الأوربي ككل وليس فقط إسبانيا.
ويجمع المراقبون أن المغرب لا يمكنه البتة اللجوء إلى استعمال هذه الأوراق في الوقت الراهن لأن كل الظروف تسير في صالحه، وأن التشويشات التي تقوم بها بعض التيارات المعدودة لا يمكن التأثير في الاتجاهات الرسمية للاتحاد الأوربي لانتفاء أسباب موضوعية قوية التأثير.
محلل سياسي مهتم بالنزاع حول الصحراء
Elfathifattah@yahoo.fr
0663215880
التعليقات (0)