قطع الرئيس الإيراني السابق البحار وعبر المحيطات والفيافي القفار في إطار الترويج لفكرته ((حوار الحضارات )) والتي بدائها في العام 1997 من خلال كلمة ألقاها من على منبر الأمم المتحدة من خلال اعتقاده ان الإمبراطورية الفارسية القديمة ومن بعدها الدولة الإسلامية من الدول العريقة في الحضارة و ما إضافته وقدمته للإنسانية الشيء الكثير ,
وهي لا تقل شانا عن باقي الدول الحديثة والمتطورة حضاريا ..لم تلقى فكرته آذانا صاغيا في الغرب فتركها راحلا تجاه الشرق الأقصى نحو الصين واليابان ..
لم يكن الرئيس الإيراني محمد خاتمي هو أول من دعا إلى حوار الحضارات للرد على محاولة من القوي لفرض رأيه وثقافته, ونظرته إلى الكون والناس والأشياء
بل سبقه الكثيرين لعل اشهرهم الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي المسيحي الذي اعتنق الإسلام في ما بعد وألف كتابا اسمه(الإسلام هو دين المستقبل ) يرى فيه ان الإسلام هو الدين الأكثر شمولية وقدرة على استيعاب الأديان والأفكار الأخرى والناس المؤمنون بالتوحيد تحديدا ثم قدم نظريته في حوار الحضارات للجمع بين الثقافات المختلفة من خلال إيجاد أرضية مشتركة للحوار والتفاهم بين الثقافات والشعوب المختلفة لان الإنسان وبالأول والأخير هو أخ الإنسان وكلهم من اصل واحد .
هذه الدعوة لحوار الحضارات يرى فيها الدكتور محمد سليم العوا: -
ما هي الا دعوة للرد على صيحات ترددت في أرجاء الكون الثقافية والسياسية صيحة الكاتب الأميركي صموئيل هنتنغتون عن " صراع الحضارات " أو " صدامها " كان البديل, العاقل المحتمل, لها هو الحديث عن حوار الحضارات, والدعوة إليه, والعمل على إنجاحه, لتجنب البشرية ويلات الصراع, وللتحاشي أثار الصدام المؤلمة أو المدمرة.
وحوار الحضارات مطلب إسلامي عبّر عنه كثير من المفكرين الإسلاميين, بل ردوا به على تحليلات صموئيل هنتنغتون الخطيرة والمخيفة. وكان من أبرز هؤلاء رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران السيد محمد خاتمي في مقالاته الشهيرة وجولاته ومحاضراته الكثيرة عن هذا الموضوع.
فكرة الرئيس الإيراني ونظريته في حوار الحضارات قوبلت بالرفض القاطع من قبل الدول الاستعمارية الكبرى مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا ومن خلال جولته تلك كانت وسائل الإعلام الغربية تغامزه تارة وتلمزه تارة أخرى لترد عليه دوائر الغرب وبصريح العبارة:-
((لايوجد شي اسمه حوار الحضارات بين الشرق والغرب, وبين القديم والحديث, لان كل ما في الأمر هو لا توجد شيء اسمه حضارات في بلاد الشرق الأوسط تحديدا وإنما يوجد شعوب وأمم متسيدة-الغرب- وأمم وشعوب مستعبدة- منها بلاد الشرق الأوسط- وهي حقيقة ثابتة وستبقى مدى الزمن !!!))
من هي هذه الأمم المتسيدة ؟؟ ومن هي هذه الشعوب والأمم المستبعدة ؟وكان أمرا جبريا او قدريا مفروض عليها من الخلق الى الزوال !!!
الكثير من فلاسفة الغرب في العصور الحديثة تبنوا هذه الفكرة في التقسيم ولعل اشهرهم الفريديك نيتشه بل وصل به التطرف الى فكرة تمجيد القوة !!لان العالم هو عبارة عن صراع بين شعوب متخلفة وشعوب متحضرة حسب رأيه ومن هذه الأفكار تحديد اخذ النازيون نظريتهم في فكرة الجنس الخارق ((الجنس الآري ))وذهبو تجاه سحق باقي الشعوب في حربهم الكونية الثانية والتي إلى اليوم لم تزال رواسب هذه الفكرة من عقولهم.
حتى ان مستشار المانيا الاتحادية الأسبق هلموت كول لا زال يروج لها حين قال:-
(( من قال ان الحرب العالمية الثانية انتهت !!))
وفلت لسانه في إحدى المنتديات الاقتصادية والعسكرية الأوربية وقال مخاطبا منتقدي سياسات بلده العسكرية :_
((ليطمئن الجميع انه لا يوجد بألمانيا اليوم من يفكر بسحق الآخرين بجزمته ))
إن غربت شمس الاستعمار في ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية وإمبراطورية الضباب وغيرهم .فأنها أشرقت في الضفة الأخرى للأطلسي في بلاد العم السام الذي اذاق العالم مرارة وهوان ..من خمسينات القرن الماضي والى اليوم
هذه الأفكار في الاستبداد والسيطرة والتفوق رد عليها قبل قرن ونصف القرن من سيطرة هذه الفرضية على التفكير الإنساني والسياسي منذ كتابة أول كتاب لدوارون (أصل الأنواع )origin of species وكتاب آخر له لم يلقى نفس الاهتمام وهو انحدار الإنسان Descent of Manوالذي صدر في العام 1871والذي يشير فيه إلى عالم تحدث فيه صراعات ونزاعات بين الأدنى والأعلى ويمكن ان تتلاشى هذه الصراعات بنمو الفضيلة والإحسان والإيثار في العالم وان العواطف والحب يمكن ان تتغلب على المصالح والإطماع البشرية من هذا نجد الخلفية الأخلاقية والإنسانية لدارون والتي جعلت منه بالإضافة إلى كونه عالم طبيعي كذلك ذو خصال إنسانية وأخلاقية راقية فعلا.
لقد قلب كتاب اصل الأنواع الطاولة على الكثير من الأفكار والمفاهيم الاستعمارية واستبعاد الشعوب وتسلط أناس على ناس بحجج شتى مثل فرضيات الجنس الراقي ولسوبرمان ووصل الأمر بأحد الزعماء وهو ادولف هتلر الى تصنيف الشعوب الى أجناس راقية متطورة وأخرى اقل رقيا الى سلم تنازلي ينتهي الى مرتبة فوق القردة وما ترتب على تلك الأفكار من حروب وصراعات ونهب ثروات شعوب وأمم وإبادة أجناس بشرية وعرقية وسياسات تعقيم الإجباري وخصي لمجاميع بشرية وصفت بانها ذات خصال ضعيفة وغير جيدة .
أصبحت اليوم نظرية التطور من هذه الأيام حقيقة واقعة وعلم منفصل عن علوم الحياة ولكن الفكر كان بعيدا عن صالح العقائد والنزوات في منتصف القرن التاسع عشر ومع أن الفكرة كانت تتقاذفها الرياح لبعض الوقت..
من الطريف في الأمر وجد دارون نفسه فجاءه في خلاف حاد مع الكنسية !!
ان المناظرات التي أجريت آنذاك بين توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley وأسقف أكسفورد دكتور صموئيل وايبر فورس Samuel Wiber foerce (( والذي اكتسب لدماثة أخلاقه لقب سام الصابوني ))
كانت مثال رائع على موقف تلك الدول الاستعمارية وراعيتها الكنيسة من حرية الانسان واصله واخوة الانسان للانسان ..!!
لقد سال الأسقف – في مناظرة عامة – هكسلي اذا كان تتبع انحداره من القردة سواء من نسله لامه أم لأبيه ؟
أجاب هكسلي :انه يفضل انحداره من القردة على أن يكون انحداره من إنسان ذكي يستخدم موهبته في التشكيك وتحطيم الباحثين المتواضعين عن الحقيقة
بمعزل عن هذه العواطف فقد اجتازت نظرية دارون امتحان اليوم ومع بعض التحويرات العلمية أصبحت اليوم مقبولة رغم وجود حلقة مفقودة فيها...
واخيرا من طرائف السياسة الغربية ومناورتها بين الفضيلة والانسانية ووتفضيل المصلحة العليا وجعلها فوق كل اعتبار ..
بعد ان نحي شارل ديغول عن سدة الحكم بسبب مواقفه من المستعمرات الفرنسية في الخارج والخروج من الجزائروغيرها من امور السياسة التي البت عليه مظاهرات تطالبه بصلاحات فشل في تحقيقها واستقال بعدها ...
قال له رئيس الوزراء البريطاني ويلسون آنذاك ساخرا عبر الصحف :-شارل ديغول رجل عسكري جيد لكنه لا يفهم شيء من أمور السياسة وكان عليه ان يعلم ان السياسة أمر خطير والتي عليه إن يتركها لأهل السياسة الموهوبين ..
فرد عليه شارل ديغول :- فعلا السياسة أمر خطير لدرجة انه لا يمكن تركها بيد مجموعة من السياسيين المحترفين أمثال هارولد ويلسون !!
التعليقات (0)