مواضيع اليوم

تسليم مقاليد السلط للخونة وأبنائهم ومن والاهم على طبق من ذهب

إدريس ولد القابلة

2009-08-16 12:42:37

0

ماذا جرى بعد استقلال المغرب؟
تسليم مقاليد السلط للخونة وأبنائهم ومن والاهم على طبق من ذهب

 

مؤلفات إدريس ولدالقابلة أنقر على الرابط

http://www.arabicebook.com/publishers/publisherbooks.aspx

حلت في الأيام الأخيرة ذكرى استقلال المغرب، وهي مناسبة لاستعادة ولو اليسير مما مضى لتحيين العبر الواجب استخلاصها خصوصا، أن فهم ما يجري اليوم تكمن أسبابه الأولى فيما حدث خلالها فجر الاستقلال.
لقد استعاد المغرب استقلاله سنة 1956، بعد 4 عقود ونيف من الاحتلالين الفرنسي والإسباني. وبعد أن استقرت الملكية في عهد الملك محمد الخامس، جاء عهد ا لحسن الثاني فيما بين 1961 و 1999 الذي طبعت حكمه بسنوات الجمر والرصاص، وعلى امتداد هذه المرحلة تحكم الخونة وأبناؤهم ومن والاهم من القادة السياسيين الانتهازيين المحسوبين على الحركة الوطنية في دواليب الدولة.
إن قراءة وإعادة قراءة التاريخ أضحت ضرورة ملحة منذ مدة بالمغرب لفهم ما جرى وكيف ولما؟ وذلك لتحديد مكمن الداء وأصل الانحراف للتمكن من وعي الحاضر و التوجه نحو المستقبل، إذ لازال هذا الأمر ملحا باعتبار أن أجزاء هامة من تاريخنا المعاصر تعرضت للتشويه وطالها التزييف ونالت منها الأغاليط والأكاذيب وتخللها التزوير.
لقد علمونا في الكتب المدرسية “المفبركة” أن الحكومات التي توالت على بلادنا وصانعي قراراتها كانوا وطنيين، وما كانوا كلهم كذلك، فحاولوا بذلك أن يزرعوا فينا عقلية الخنوع للخونة وأبنائهم ومن والاهم، الذين أضاعوا الإرادة الحرة والتفكير السليم لتحقيق آمال الاستقلال والانعتاق من براتين الاستعمار. ولازال المغاربة يعيشون حرقة تصرفات هؤلاء وعمالتهم لولي نعمتهم، وبذلك ضيعوا على المغرب مواعيده مع التاريخ.
إن الذاكرة الحية للشعب المغربي لن تنمحي والمصالحة الحقيقية أول ما تقتضيه، الاعتراف بالأخطاء والسعي الحثيث إلى الحد أو التقليل من انعكاساتها. سيما وأنها لازالت فاعلة على امتداد أكثر من 5 عقود خلت. وقد تخللت تاريخ المغرب المعاصر جرائم عدة، منها ما تجمعت فيها كل الشروط اللازمة لترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ومنبع كل هذه الانحرافات واحد، إنه تمكين الخونة وأبنائهم السياسيين والانتهازيين من مقاليد السلطة وتهميش المقاومين الفعليين المناهضين للاستعمار والاستعمار الجديد منذ فجر الاستقلال، هنا تكمن عقدة المغرب التاريخية. وبذلك ظلت لوبيات عائلية – تناسلت بفعل إحداث روابط قرابة وغيرها بين خونة الأمس وانتهازيي فجر الاستقلال- تتحكم في كل شاردة وواردة في جهاز الدولة.


إجهاض الاستقلال في مفاوضات الاستقلال


مازالت تساؤلات ملحة شاخصة إلى حد الآن أمام أعيننا، وهي أسئلة من قبيل هل حصلنا على استقلال فعلي؟ وهل مكننا هذا الاستقلال من حرية الإرادة وحرية الاختيار وحق تقرير المصير حينئذ؟
هناك من المغاربة من أجابوا بكل شجاعة على هاذين السؤالين الملحين، ضمنهم مصطفى شكري وقبله عزيز بلال وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وغيرهم، إذ أجمعوا أن المقصود بـ “الاستقلال” في المغرب هو خروج فرنسا وإسبانيا من النافذة بعد أن تركتا أبناءهما من بني جلدتنا يحرصون على استمرار اشتغال آليات الاستغلال الاستعماري بما فيه من مهانة ومذلة واغتيال طموحات المغاربة. وفي هذا المضمار تألق الخونة وأبناؤهم ومن والاهم من وطنيي الأمس، داخل دوائر صناعة القرار والسطو على مختلف منابع الخيرات والثروات الوطنية، وبموازاة مع ذلك العمل على تهميش من جاهد حقا وناضل بقناعة وإخلاص لينال المغرب استقلاله والمغاربة حريتهم. لقد قطف الخونة وأبناؤهم ومن والاهم كل الثمار، وحملوا بهتانا وزورا ألقاب النضال والكفاح والتضحية لتفتح أمامهم أبواب الريع على مصاريعها، في حين أزيح المخلصون وغُيّب المجاهدون والمقاومون الحقيقيون في أماكن مثل “دار بريشة” ومعتقل” الساتيام” (وهي “تازمامارت الخمسينات وبداية الستينات)، وأقصى ما ناله بعض المحظوظين من المقاومين المخلصين مجرد فتات وألقاب خاوية - شكلية واستدعاء دائم لحضور مناسبات رسمية لتأثيث الفضاء والقيام بدور”الكومبارس” ليس إلا.
فعندما حان وقت مفاوضات “إيكس ليبان” بفرنسا أٌبعد المخلصون الحاملون لآمال الشعب وطموحاته، وبدأ التفاوض مع الخونة وعملاء الاستعمار، وبذلك كانت النتيجة “مائدة القسمة الضيزى”. منذئذ تناسلت فئات الطفيليين والانتهازيين بالمغرب، الذين تنافسوا لتفويت الفرص على الشعب لتحقيق ولو جزء من أحلامه المرتبطة بالاستقلال. لقد ظلوا يسبحون بحمد فرنسا وبعدها بحمد العم سام، يتوددون للكيان الصهيوني من تحت الطاولة، علما أنه من “مغرب الأحرار” انطلقت فكرة “واجب العرب، كل العرب، اعتبار القضية الفلسطينية، قضية وطنية”.
وبكلمة، باسم الاستقلال والوطنية اقتفى هؤلاء أثر الاستعمار حذو النعل بالنعل. ولاستكمال الدائرة تحكم الخونة وأبناؤهم ومن والاهم من القادة السياسيين الانتهازيين – بعد أن تمكنوا من مناصبهم السامية- في البلاد ورقاب العباد حيث أثثوا لبرلمان، أغلب عناصره أميون أو أنصاف أميين، ظل دورهم الأساسي المصادقة على كل شيء عبر إحماء أيديهم بالتصفيق كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
يرى الكثير من المؤرخين والمحلليين أن مسار استقلال المغرب أجهض في نهاية 1955 وبداية 1956، إذ لم تنتقل السلطة إلى المقاومين وقوى الشعب الحية، وإنما سلمت على طبق من ذهب للخونة وأبنائهم ومن والاهم من المحسوبين على الحركة الوطنية. وقد كان من السهل بمكان إنجاز هذه العملية لأن الاستعمار وحلفاءه الداخليين أخذوا الوقت الكافي لتكوين وإعداد الخلف في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والثقافية والإعلامية لتسير الأمور في اتجاه يخدم مصالح المستعمر، وبالتالي ضمان تحقيق الاستمرارية تلافيا لإحداث القطيعة كما حصل بخصوص جميع حركات التحرير في العالم بأسره.
إن العسكريين الذين شكلوا نواة الجيش الملكي، أغلب عناصرها خدموا ضمن جيوش الاحتلال الفرنسي والاسباني وخاضوا حروبا ضارية لنصرة رايتها في الهند الصينية وألمانيا وإيطاليا والفتنام، وكذلك ضباط سهرت باريس على تكوينهم بمدارسها، وبذلك نصبوا أنفهم قائمين على المصالح الفرنسية بعد أن اضطر المستعمرون لمغادرة الأراضي المغربية.
فهناك محطات تاريخية تبين بجلاء الانحراف الواضح عن المسار الطبيعي الذي حكم كل الحركات الوطنية التحريرية، ومن بين هذه المحطات ما ارتبط بصفقة التفاوض على الاستقلال وبإشكاليات الدستور وطبيعة النظام السياسي وتوزيع السلط وتقسيم الثروات والمشاركة في صناعة القرار.
ففي الفترات الأولى من الاستقلال، سيما فيما بين 1955 و 1963، تحمل الخونة وأبناؤهم ومن والاهم من القادة السياسيين كل المسؤوليات بالبلاد، يحذوهم الأمل في خلق “مغرب مستقل” على مقاس ما أراده المستعمر تحت ظل نظام ملكي قوي ونظام اقتصادي يستجيب لمتطلبات السوق الخارجية والمصالح الأجنبية على حساب مصالح الشعب المغربي ويوفر إطارا للتحكم الحديدي في المغاربة التواقين إلى الحرية ومسك زمام أمورهم بأيديهم.
والحالة التي نعيشها في مختلف المجالات راهنا ليست سوى نتاجا طبيعيا لما حدث من تغييرات، لطموحات المغاربة على يد الخونة وأبنائهم ومن والاهم من القادة السياسيين، وذلك في فترة قبيل وبعيد الاستقلال، حيث تشكلت معالم التوجيهات الإستراتيجية وتبلورت الأهداف والمطامع، وتمخض كل ذلك عن واقع مازلنا نعيش مخلفاته في الوقت الحاضر.
وقد ساهم الخونة وأبناؤهم ومن والاهم من القادة السياسيين بدور رئيسي في تشكيل ملامح المغرب المعاصر من خلال مواقفهم في صنع الأحداث. علما أن كل المنجزات الإيجابية تحققت في ظل الحكومة “التقدمية” (وهي نغمة نشاز لم تدم إلا شهورا معدودة) التي ترأسها عبد الله إبراهيم، والتي سرعان ما سقطت بفعل الحرب التي أعلنها الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) عليها. ثم إن حزب الاستقلال قد عمل إلى جانب شخصيات كان يرفض التعامل معها في السابق، إذ اتهمها بالخيانة، وقتئذ كان قاداته يبحثون عن الوصول، بأي ثمن، إلى مناصب وازنة وليس من أجل تطبيق برنامج أو مشروع مجتمعي محدد والدفاع عليه، ومنذئذ قبل الاستقلاليون المساهمة في الحكومات بدون أدنى شرط إلى أن فرضت عليهم الظروف فرضا الالتحاق بصفوف المعارضة.
وقد تأسست الحكومة الائتلافية الأولى بالمغرب المستقل يوم 7 دجنبر 1955 برئاسة امبارك البكاي الهبيل (باشا مدينة صفرو وأحد ضباط الجيش الفرنسي)، وكان لحزب الاستقلال، فيها حصة الأسد مع الاستيلاء على المناصب الوزارية الحساسة، وإسناد 6 حقائب وزارية لحزب الشورى والاستقلال، جلها تقنية، و 5 مقاعد لحزب الأحرار الذي كان يترأسه وقتئذ محمد رشيد ملين، ومنها الكرسي الذي حظي به أحمد رضا كديرة.
وبمجرد الإعلان عن تأسيس هذه الحكومة بدأت المناورات والدسائس تحاك في كل جهة ضد الوطنيين الحقيقيين،ومن هنا بدأت قصة استيلاء الخونة وأبنائهم والموالين لهم من القادة السياسيين الانتهازيين، وبذلك اقترفت أول جريمة في حق الشعب المغربي في إطار مغرب الاستقلال.


الخونة وأبناؤهم من الاستعمار إلى الاستعمار الجديد


كانت أولى البشارات دالة على أن الخونة وأبناءهم سيتحكمون في حاضر المغرب وغده عندما رافق محمد أفقير الملك محمد الخامس خلال رحلة عودته من المنفى سنة 1955، ولما وصلت الطائرة إلى مطار الرباط – سلا وجد الملك عند سلم الهبوط الباشا التهامي الكلاوي، وبمجرد أن وطأت قدمه أرض الوطن ارتمى عليها باشا مراكش لتقبيلها ملتمسا العفو والصفح. ومنذ هذه اللحظة تحدد مآل المغرب السياسي وطينة من سيتحكمون فيه!.
هكذا اتضحت الصورة منذ الساعات الأولى لمفاوضات “إيكس ليبان”، وتأكد هذا المنحى أكثر بعد أن تمكن الخونة وأبناؤهم من التسرب إلى أهم الأحزاب السياسية الأكثر جماهيرية والسيطرة على أجهزتها القيادية بالتحالف مع من انحرفوا من القادة السياسيين المحسوبين على الحركة الوطنية، لهذا السبب ولأسباب أخرى ظل أكثرهم ينعتون استقلال المغرب بــ”الاستقلال الشكلي”.
فقبل انطلاق مفاوضات “إيكس ليبان” عملت فرنسا الاستعمارية وقتئذ على تجنيد الخونة وأبنائهم لضمان استمرارية الارتباط عبر تعويض الاستعمار القديم المباشر باستعمار جديد غير مرئي تحت يافطة الاستقلال بنفحة انتصار مفبرك، حيث أقدمت الإدارة الفرنسية على تأسيس عدد من الجمعيات الثقافية والاقتصادية لتقوم بدور الوسيط بين المغاربة والفرنسيين الراغبين في وقف اتساع دوائر الكفاح التحرري الرامي إلى إحداث تغيير جذري بالمغرب لفائدة الشعب. فلم تجد باريس أحسن من الخونة وأبنائهم للعب هذا الدور. ومن أهم الجمعيات التي تألقت بهذا الخصوص وقامت بترسيخ الدعامات الأولى للاستعمار الجديد وإفراغ الاستقلال من فحواه كما كان ينتظره المغاربة، جمعية “صداقات مغربية” التي كان يترأسها “فيليكس ناطاف، وقد تحمل المسؤولية في المجلسين التجاري والاقتصادي بعد أن أحرز على الجنسية الفرنسية وأعلن عن اعتناقه المسيحية وتخليه عن الديانة اليهودية حسب ما أقره المؤرخ المشهور “جوليان”. ومن بين المغاربة المنضوين تحت لواء هذه الجمعية محمد الزموري وعبد العزيز الفيلالي وأحمد رزق والبشير بن العباس وامحمد بوستة (حين كان محاميا متدربا) وامحمد دادي والحاج عمر السبتي ومحمد بن الجيلالي بناني ومحمد كريم العمراني وامحمد الزغاري ومحمد العلمي والمهدي بنكيران، وجملة أخرى من هؤلاء الذين كانوا محسوبين على حزب الاستقلال. وقد أعلن أعضاء جمعية”صداقات مغربية” عن رفضهم المطلق لحركة المقاومة المكافحة من أجل الاستقلال، تبرأ هؤلاء من المقاومة باسم الوطنية، وقد تأكد استعدادهم المبكر للتعامل مع النظام الرأسمالي الاستعماري في حلته الجديدة. و من الجمعيات التي سارت على درب جمعية “صداقات مغربية” جمعية “مركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية والعائلية”، وكان ضمن أعضائها امحمد الدويري وامحمد الزغاري وعمر السلاوي وغيرهم، وهذه الأسماء وغيرها، ظل المغاربة يصادفونها في مختلف مواقع المسؤولية، إضافة إلى الأسماء التي ارتبطت بالخيانة المفضوحة، والواردة في النسخة الأولى لمرسوم مصادرة أملاك الخونة وحرمانهم من الحقوق الوطنية، وقد كتب لها جميعا أن تفوز بمواقع المسؤولية الكبرى عبر الأبناء أو أحد أفراد العائلة، بل منها من سارت في درب الوطنية والمعارضة أحيانا قصد التوصل إلى “المنصب”، وإلى جانب هؤلاء ضباط الجيش الفرنسي من أمثال امبارك البكاي وأحرضان وأفقير وغيرهم.
ولعل أحسن نموذج لطينة من تحملوا المسؤولية منذ فجر الاستقلال أحمد رضا كديرة الذي تصدر اسمه قائمة الخونة التي أعدها الاستقلاليون وذلك اعتبارا لمواقفه المؤيدة للحماية الفرنسية وتصريحاته ضد الملك إلى جانب عبد القادر الشنا، صهر الجنرال محمد أفقير، علما أن محمد الخامس أمر بإبعاد كديرة عن القصر فور رجوعه، إلا أن ابنه الحسن الثاني أعاد تقريبه، بل جعله من أقرب المقربين إليه حتى أنه نصّبه وزير للدفاع حسب ما أقره عبد الكريم الفيلالي، القيم على المكتبة الملكية، في عهد الملك الراحل محمد الخامس.


إدانة الخونة ومصادرة أملاكهم


بعد إدانة شكلية ومصادرة بعض الأملاك، سرعان ما عاد الخونة وأبناؤهم إلى احتلال المناصب الوازنة في واضحة النهار.
بعد اتفاقية “إيكس ليبان” سلمت فرنسا السلطة للسلطان، لكنها ظلت تتحكم في مختلف الخيوط من وراء الستار، وعلى الصعيد العسكري تركت ضباطا مكونين بفرنسا خدموا رايتها، أما مصالح الأمن فعمل بها الخونة والعملاء الذين احتلوا المواقع الأمنية الحساسة معوضين الفرنسيين.
بينما كان الخونة وأبناؤهم يحتلون المواقع الحيوية في دوائر صناعة القرار و كانت الأحزاب الوطنية تحاول معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، لكنها في نفس الوقت كانت تتطاحن على السلطة، ونتج عن ذلك أن أصاب الشعب المغربي نوع غير مفهوم من العقم والجمود. آنذاك كان القادة السياسيون يظهرون للرأي العام وحدة الصف حول محمد الخامس، في حين كان الخونة وأبناؤهم يؤسسون لقاعدة تمكين الاستعمار الجديد من تعزيز مكانته وترسيخ توابته ببلادنا.
وكانت البداية بالاستحواذ على ما تركه الاستعماران الفرنسي والاسباني من ممتلكات، ووظائف في القطاع العام والخاص، وضيعات وإقامات وعمارات ومؤسسات صناعية وزراعية وأبناك وتأمينات ووسائل النقل.. فعرف الخونة وأبناؤهم وبعض المحسوبين على الحركة الوطنية ثراء فاحشا بعد أن زاغوا عن الدفاع عن طموحات وانتظارات المغاربة.
وهؤلاء هم الذين ظلوا يوجهون الحكم إلى نظام رأسمالي ازداد نموا وسيطرة، إذ سرعان ما تقوت طبقتهم فأضحت تطمح بشراهة إلى الاحتفاظ على مواقعها ضمن السلطة.
بعد الإعلان عن الاستقلال تم إحداث لجنة للنظر في أمر المتعاونين مع الاستعمار وعملائه ترأسها الفقيه المختار السوسي من حزب الاستقلال، إلا أن اللائحة التي أعدتها لم تحمل إلا 179 خائنا، علما أن عدد هؤلاء من القواد والأعيان وملاكي الأراضي والموظفين وكبار التجار الذين ساهموا في مؤامرة إبعاد الملك محمد الخامس تجاوز الألفي شخص، وذلك بفعل تدخل عدة جهات لسحب أسماء من اللائحة مثل القاضي ع. الفاسي (الذي عمل بالناظور والقنيطرة) أخ عباس الفاسي وأحمد جسوس (المسؤول عن بنك المغرب) الذي تربطه قرابة عائلية مع أحمد بلا فريج وغيرهما كثير.
وفي آخر المطاف اقتصرت اللائحة النهائية على إدانة ونزع أملاك 69 متعاونا مع الاستعمار فقط وتجريدهم من الحقوق المدنية لمدة 15 سنة، ولم يقدم خائن واحد من كبار الخونة والمتعاملين مع الاستعمار للمحاكمة أو المساءلة الجماهيرية علنية كانت أو سرية.
آنذاك كان قادة حزب الاستقلال التقليديون حريصين على التموقع في دوائر السلطة، غير أن القصر عزم على التخلي عن الاعتماد على البرجوازية التجارية (الوطنية) وفضل اللجوء إلى عملاء الاستعمار الذين صدر عليهم العفو كافة وتم رفع الحجز عن أملاكهم، كما رجع الهاربون منهم إلى أرض الوطن لكن سرعان ما صفى هؤلاء أملاكهم وهرّبوا أموالهم إلى الخارج ثم عادوا إلى منفاهم الاختياري للعيش في أحضان أسيادهم المستعمرين (برفع الميم الأول وكسر الميم الثاني).
في ذلك الوقت كانت أجهزة الإدارة قد أصبحت تحت تصرف الخونة وأبنائهم المتخرجين من المدارس والمعاهد الفرنسية والإسبانية، وقتئذ قال أحد زعماء الحركة الوطنية بأن الاستعمار الجديد انبعث بالمغرب بعد أن استولى الخونة والعملاء على مراكز المسؤولية في الدولة، وقد أجمع آنذاك كل من علال الفاسي والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد على أن أحمد رضا كديرة هو الذي أضحى مهيمنا على مقاليد الحكم، رغم أنه ظل معروفا بصلاته الموثوقة بمنابع التعليمات الاستعمارية حتى بعد مغادرة الفرنسيين المغرب. وبعد مرور فترة قصيرة جعل الملك الحسن الثاني من “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” (الفديك) برئاسة أحمد رضا كديرة أول قوة سياسية في ا لبلاد، إذ برز هذا الحزب المفبرك وفاز بالأغلبية البرلمانية في 17 مايو 1963 بعد مرور أقل من شهرين على تأسيسه، ونال كديرة وزارتي الداخلية والفلاحة بالنيابة ومديرية الديوان الملكي.
وفي هذا الصدد جاء على لسان أحد موظفي الداخلية الكبار بالدار البيضاء، (متقاعد حاليا)، أنه منذ الاعلان عن ترشيح كديرة ومن معه، وجه عامل الدار البيضاء، العقيد إدريس بن عمر، توجيهات واضحة وصارمة إلى جميع معاونيه والموظفين معه للعمل على فوز مرشحي “سيدنا”، إذ قال لهم ما معناه، إذا لم ينجح كديرة وأصحابه سأنسحب وسأتخلى عن بذلتي العسكرية. وهكذا سقطت خلال انتخابات مايو 1963 كل الوجوه البارزة وقتئذ وعلى رأسهم عبد الرحمن اليوسفي، بينما نجح مرشحو “الفديك”.
وقد استعمل خلال هذه الانتخابات دقيق وزيت “مريكان” المخصص لمساعدة المحتاجين واليتامى ونزلاء المؤسسات الخيرية، تحت إمرة إدارة التعاون الوطني، لإمالة الكفة لصالح “الفديك” بالقوة.
تعددت الآراء في فجر الاستقلال بخصوص التناحر في صفوف المقاومين والفدائيين وأعضاء جيش التحرير والقادة السياسيين، سيما حينما بدأت الملاحقات تطال من حملوا السلاح ضد المستعمر وتألقوا في مقاومته ومحاربته، فالبعض اعتبر أن حزب الاستقلال رغب في السيطرة على سياسة البلاد بعد ذهاب الفرنسيين. والبعض الآخر ذهب إلى اتهام الملك الراحل الحسن الثاني بالسعي إلى إبعاد قادة المقاومة والحركة الوطنية المخلصين عن الحكم بغية الاستئثار به. كما تعددت الاتهامات المتبادلة بين رفاق الأمس، وذلك في ظرف امتاز بالغموض السياسي وبالعلاقات المتوترة بين القصروالأحزاب السياسية المحسوبة على الحركة الوطنية، وقتئذ كان الخونة قد بدأوا يرسخون قاعدة تحكمهم في المغرب.


“شرعية الأمر الواقع”


   من حكم المغرب بعد الاستقلال؟ هل هم من قاوموا وضحوا من أجل حريته واستقلاله وانعتاقه من براثين الاستعمار أم أن الأمر لم يتغير في جوهره، إذ ظل الخونة وعملاء الاستعمار وأبناؤهم يتحكمون في دواليب الدولة، قبل الاستقلال وبعده؟
هي تساؤلات شغلت بال الكثيرين وأضحى سؤال: من يحكم المغرب؟ يشكل جوهر الأطروحات السياسية لمعارضي الملك الحسن الثاني بمختلف تلاوينهم. وظل هذا التساؤل مطروحا بحدة، ولم تنخفض حدته إلا في منتصف التسعينات مع التحول الذي عرفه المشهد السياسي، سيما بعد أن انتقل الاتحاديون إلى موقع إدارة تدبير الشأن العام مع الإقرار بوصفة “التناوب التوافقي” بقيادة عبد الرحمن اليوسفي الذي كان من أصحاب الرأي القائل إن المغرب يحكمه الخونة وأبناؤهم.
لقد حوّل هؤلاء نصاعة بياض الأيام الأولى من الاستقلال إلى أيام حالكة الظلام، اجتماعيا وسياسيا. ففي سنة 1956 تم الاستنجاد بالخونة وأبنائهم ومن والاهم لاستبعاد وتهميش من ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحرية والانعتاق من الاحتلال المباشر. وبذلك ظل الخونة وأبناؤهم يحتلون مواقع حساسة وهامة في دواليب الدولة والحكومة باستمرار، وهكذا تكرّس ما ينعته المؤرخون “بــ” الشرعية الموروثة”، وربما الأصح نعتها بــ “شرعية الأمر الواقع”.
فكل المسؤولين الكبار، منذ منتصف الخمسينات وعلى امتداد سنوات الجمر والرصاص، علموا علم اليقين بكل ما يجري ويدور بالبلاد، بل وساهموا في إقراره، لكنهم اتفقوا على الصمت، كما فعل آباؤهم من قبل مع الاستعمار، وخدموا الحسن الثاني ونظامه في مراحله الاستبدادية.
يقول سعيد بونعيلات (محمد أجار): “سيطر الخونة على مقاليد البلاد حين حصل المغرب على الاستقلال.. آنذاك كان أغلب المقاومين وأعضاء جيش التحرير (حتى القادة منهم) غير متمدرسين ومتعلمين.. وقتئذ كان الخونة وأبناؤهم هم الذين درسوا وحصّلوا العلم و نالوا الشواهد، وهم الذين استولوا أيضا على السلطة ومقاليدها [...] إنها لمفارقة غريبة حقا أن يكون المقاومون الذين ضحوا بكل شيء من أجل الاستقلال، في قفص الاتهام، في حين يسيطر الخونة، عملاء الاستعمار، على دواليب الدولة”.
هناك رجال آمنوا بقدرة الشعب المغربي على كسر شوكة المستعمر، فحملوا السلاح وضحوا بالغالي والنفيس وتقدموا صفوف المقاومين والفدائيين، لكن بلدهم، الذي ساهموا في تحريره، صفاهم أو سجنهم أو أهملهم، علما أن الكثير من هؤلاء لم يطلبوا جزاءا ولا شكورا مفضلين الصمت، وبذلك يكونوا قد مهدوا الطريق وعبدوها للخونة وأبنائهم للتحكم في البلاد والعباد، لكي يعثوا فسادا فيه بمباركة القيم الأول على البلاد آنذاك وبمساندته ودعمه. وإلى جانب هؤلاء الخونة وأبنائهم، كان الذين لم يسبق أن حملوا سلاحا أو ساهموا في مقاومة، لكنهم ظلوا يحلمون بامتلاك المغرب كله، أصحاب “المغرب لنا، لا لغيرنا”، وهو الشعار الذي حاولوا إشاعته في كواليس اتصالات “إيكس ليبان” و إقامة الملك محمد الخامس في “سان جرمان آن لي” بباريس، وفي آخر المطاف لم يفعلوا سوى تسهيل مأمورية الخونة وأبنائهم في السيطرة على دواليب الدولة.


وماذا بعد…؟


يبدو أن ما سبق وأن قاله المحامي الفرنسي لوكران (Legrand) يلخص مأساة المغاربة بخصوص الاستفادة من ثمار الاستقلال: “لم يكن السياسيون، ولا المفكرون ولا الخبراء في فنون الألاعيب السياسية والزيارات هم الذين أرجعوا محمد بن يوسف إلى عرشه ليصبح لقبه “جلالة محمد الخامس”. تلك القوى (السياسيون والمفكرون)، وجودها ضروري، لكنها كانت في مأمن. لكن الذين جعلوا من السلطان محمد بن يوسف جلالة محمد الخامس، هم العامل والإسكافي، والخباز وبائع الثياب البالية وبائع النعناع، هؤلاء المتواضعون هم الذين غادروا ذات يوم عملهم وأسرهم ونذروا أنفسهم للقتال في سبيل وطنهم وملكهم”.
لقد جاهد هؤلاء ممن كان حب الوطن حافزهم وجاء بعدهم من استحوذ على الألقاب والمناصب والغنائم واقتسمها مع أهله وعشيرته بدعوى المقاومة، وتهمّش بل أُغتيل الصادقون الحاملون لهمّ الشعب وأحلامه وطموحاته في الاستقلال!.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات