نشر موقع ويكيليكس المتخصص في تسريب الوثائق السرية على الشبكة العنكبوتية التقارير الأمريكية حول الحرب الدائرة في العراق,و يمكن وصف هذا النشر كأحد أكبر التسريبات التاريخية بحكم عدد الوثائق و التي ناهزت حوالي 400 ألف وثيقة عبارة عن رصد يومي للأحداث في مختلف أنحاء العراق منذ الغزو سنة 2003 .
في قراءة للعناوين العريضة التي احتوت عليها الوثائق يمكن القول أن لا جديد تحمله في رسم الصورة عن الوضع المتدهور في بلاد الرافدين و التدخلات الإقليمية لكن أهميتها تكمن في كونها أدلة مادية فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية و التطهير العرقي و انتهاكات حقوق الإنسان.
فلا جديد عن الدور الإيراني في دعمه للأحزاب الدينية الشيعية فالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية و حزب الدعوة و التيار الصدري و حزب الفضيلة تيارت لا تخفي ارتباطاتها الدينية و السياسية و أدوات في الأجندة الإيرانية لرسم شرق أوسط فارسي كبير يبدأ من العراق و يمر عبر اليمن و البحرين و الكويت و السعودية وصولا للبنان و هو أحد أهداف بدايات الثورة الخمينية في ربط شيعة العرب بنظرية الولي الفقيه انسجاما مع مفهوم المجال الحيوي الشيعي.هذا الدعم السياسي بالتأكيد لن يكون بمعزل عن دعم عسكري و مادي لأجنحتها العسكرية في إشعال الحرب الطائفية و الفتنة المذهبية و الفرز و القتل على الهوية فجرائم فيلق بدر و جيش المهدي و عصائب أهل الحق و كتائب حزب الله يعرفها الشارع العراقي خاصة السني و هي أفظع بكثير ما ذكرته الوثائق.أما عن الدور السوري في حرب الأحزمة الناسفة كمصدر رئيس و أساس فهو يعكس الطبيعة الجغرافية بين الحدود السورية العراقية و التي تتميز بشساعة الحدود و ضعف المراقبة الأمنية بيد أن تحديد المدة الزمنية و الممتدة بين 2006 إلى بداية 2008 يثير الكثير من الأسئلة و علامات الاستفهام فسنة 2008 كانت بمثابة بداية الانفراج السوري في علاقاته الدولية خاصة الأمريكية و الأوربية منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري و أزمة المشروع النووي السوري بعد تدمير منشأة دير الزور في 2007 .إن التساؤل ينبع من الإشارات و التلميحات عن الدور السوري في اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية و الذي تزامن مع العودة السورية للساحة الدولية فجاءت هذه الوثائق لتزيد من مشروعية هذه الإشارات خاصة أن الاتهام الأمريكي لدمشق في التدخل في العراق حسب الوثائق قد توقف مع بداية سنة 2008 و هي الفترة التي شهدت مقتل عماد مغنية.
ولعل أهم الملاحظات التي تثيرها تسريبات موقع ويكيليكس عن حرب العراق غياب دور دول الجوار كتركيا و خاصة الأردن و السعودية إن من جهة الدعم السياسي أو العسكري و تدخلها بشكل مباشر و فعال في الشؤون الداخلية و هذا يظهر غياب أي إستراتيجية عربية لما بعد عراق صدام و هو الفراغ الذي ملأه الدور الإيراني.
الأكيد أن وثائق ويكيليكس قد أماطت اللثام و أظهرت للعلن حجم المأساة العراقية من جهة التوثيق و عززت هول و فظاعات الاحتلال الأمريكي و الإيراني لكنها تبقى عاجزة عن حصر الأرقام الحقيقة و التي هي اكبر بكثير و كثير مما جاء في الوثائق.
التعليقات (0)