تتعامل البنوك المصرفية مع أدق المعاملات خطورة وحساسية وتعقيدا ، مما يتطلب دقة في العمل وسرعة في الانجاز وتغطية لاحتياجات الانجاز السريع لتلك المعاملات والخدمات المتنوعة والمتشعبة من الأيدي العاملة بالإضافة لاستخدام الوسائل التقنية الحديثة دونما إخلال بالجانب الربحي للبنك .
ألا وهي المعاملات المالية وخدمات العملاء المتنوعة .
وقد تطورت آليات العمل والانجاز السريع في البنوك السعودية المحلية خلال العشر سنوات الماضية .
إذ بدأت باستخدام شبكة الكمبيوتر فكان من السهل على العميل مراجعة أي فرع من فروع البنك حيثما يوجد .
ثم بدأت بنشر الخدمات المصرفية الآلية لتكون متاحة للعملاء في أي مكان وأي وقت على مدار الساعة .
ثم إتاحة خدمة الهاتف المصرفي .
وأخيرا الانترنت .
مما خفف من ضغط العمل داخل المصرف أثناء الدوام الرسمي للبنك ، وقلص من نفقات البنك التشغيلية ، وخفف بشكل كبير جدا من عبء مراجعة العميل للبنك وبخاصة العميل الموظف أثناء وقت عمله إذ باستطاعته إدارة عملياته الحسابية وهو على مكتبه في دقائق معدودة . الأمر الذي قضى على ظاهرة الازدحام أمام البنك وهي الظاهرة التي كانت مألوفة قبل استخدام الوسائل التقنية .
فهل اختلت إنتاجية البنك أم ازدادت دقة وسرعة في الانجاز ، وزاد المصرف من خدماته المجانية تقريبا لعملائه ؟
وهل ضاعف استخدام البنك لتلك الوسائل وزيادة خدماته لعملائه من كلفة التشغيل أم أنه وفر المزيد من المصروفات التشغيلية وتوسع في مقدار هامش الربح من خلال ما يقدمه لعملائه من تسهيلات تمويلية ومصرفية ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا .. وما أكثر الأسئلة حين تعدها :
هل ما تقدمه أغلب المؤسسات الحكومية الرسمية من خدمات للمواطنين .. هل هو اشد خطورة مما يقدمه البنك لعملائه من خدمات ومعاملات مالية وخدمات مصرفية ؟
هل يستحق كل ما تقدمه تلك المؤسسات الحكومية للمواطنين من خدمات كل هذا البطء في الانجاز والتأخير والتشبث بالورق والملفات الملونة والدواليب والأدراج والرفوف والتواقيع والأختام والمستندات والتثبتات والإثباتات ؟ وهل يستحق التنسيق بين الإدارات الحكومية والوزارات المزيد من الورق والمعاملات لتتحول المكاتب إلى مستودعات لكتل من الورق والملفات قد تنقل من وزارة لأخرى ومن مبنى إلى آخر ومن إدارة إلى أخرى ومن موظف لآخر كما لو كانت تلك الكتل من الورق والملفات محمولة على عربة تجرها سلحفاة " حامل " ؟!
أيهما أهم وأكثر حاجة لكل هذه الاحتياطات .. أموال الناس .. شركات وأفرادا لدى البنك أم معاملة مريض أو طالب خدمة حكومية سنها النظام كحق من حقوق المواطن ؟
ربما يقول قائل : أن المؤسسات الحكومية العاملة في مجال الخدمات العامة مؤسسات غير ربحية أي لا تهدف للربح والخدمات التي تقدمها للمواطنين هي خدمات مجانية !!
لهذا استطيع القول أن فكرة ( المجانية ) هنا فكرة ترسخت خطأ في الأذهان والتصورات ! فليس ثمة شيئا مجانيا !
فالخدمات العامة في الأساس هي على قسمين رئيسيين هما :
الأول : بنى أساسية أقيمت لبناء وخدمة وطن .. كيان .. دوله ، ومن المعروف أن الدولة هي الإطار العام للكيان القائم بعناصره الأساسية بما فيه السكان أو المواطنون أو الأفراد وهم المورد البشري الهام للوطن ، ولم تكن خدمة المواطن إلا جزءا من خدمة وبناء الوطن بأكمله .
وقد أسست وأقيمت المصالح العامة وعينت لها الكوادر الوظيفية والمهنية وشرعت لها الأنظمة ليكون استخدامها متاحا للمواطن عند حاجته لها وهي حاجة الوطن بالدرجة الأولى كالتعليم والصحة والإنتاج بكافة أنواعه الصناعي والتجاري والبحثي والثقافي والفكري والعلمي .
الثاني : الخدمات الأساسية التي تخدم القسم الأول مثل :
الماء - الكهرباء - السكن - الأمن وشبكات النقل والاتصال .
إذن ، أين هي المجانية التي ما تزال تبرر الاستسلام للبيروقراطية وإجراءاتها وخصائصها ، وما تزال توحي حتى لأصغر موظف في الهرم البيروقراطي أنه صاحب فضل على المواطن !
لماذا تدرج حاجة المواطن الطارئة وبعض المستديمة وهي بالأساس حاجة الوطن في خانة الهبات والعطايا والمكرمات والمنح والكفالات الاجتماعية والمعونات والمساعدات لتذهب ضمنا في أذهان البعض إلى صنوف أهدار المال العام ! فتركن إلى الإجراءات العقيمة والروتين الممل وإظهار الممارسات السلوكية السلبية لدى البعض لاستخدام السلطة ؟ الأمر الذي يدفع المواطن للتوسط بشخص يحب مساعدة الآخرين أو بصاحب مصلحة ، فضلا عن أساليب الاستجداء والاستعطاف كما لو كان المواطن متسولا ..
وأخيرا وليس آخرا .. لماذا فشل مشروع الحكومة الالكترونية ؟
ولماذا فشلت المجالس البلدية التي قيل أنها النواة الأولى
" لدمقرطة " بعض المؤسسات الاجتماعية .. ؟
باعتقادي أن أي حل أو ترقيع لإشكالية الوطن والمواطن
– تلك الإشكالية المعقدة و" المتجذرة " – لن يكون مجديا إلا ببناء ثقافة جديدة ، وصياغة عقلية جديدة :
تحطم لات وعزا كثير من الأنظمة ، وتضع الفساد تحت الشمس ،
والعمل تحت الشمس ،
وتقضي على دور الوظيفة العامة في تحقيق دوافع التسلط ،
وتخلص الحكومة الالكترونية من براثن البيروقراطية ،
و" تخصخص " المزيد من المؤسسات العامة ،
وتلغي العمل بمقولة " يوم الحكومة سنة " ليحل محلها العمل
بـ " يوم الحكومة دقيقة " ،
وتنمي وعي المواطن بحقوقه المشروعة باعتباره أهم أعمدة
الوطن ،
وتقضي على فردية القرار وعشوائيته ،
وتفعل العمل بصنع القرار على أساس النتائج العلمية والإحصائية
والبحثية والرأي العام لتقضي على الفردية والرغباتية والأهوائية والمصالحية وما أهل به لغير الوطن في صنع القرار ،
وتقضي على الاحتكار بكافة أشكاله وصوره .. التجاري ،
والفكري ،
وتقضي على ثقافة الأبوية والوصائية المتسلطة .
تركي الأكلبي
التعليقات (0)