بالكثير المفرط من التهليل والتكبير استقبل مناصري ومريدي فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي, تصريحاته النافية لصدور الفتوى الشهيرة التي تتحدث عن جواز التعبد بالمذهب الجعفري ألاثني عشري والمنسوبة إلى العلامة المصري الكبير الشيخ شلتوت –رحمه الله-..ولتزيل كلماته شوكة شديدة الإيلام كانت مزروعة في حلق المناهضين لمبدأ التقارب والتعايش ما بين السنة والشيعة.
وخصوصاً التزامن المثير للحفيظة -و الريبة -مع خطابات وتقارير إعلامية ورسمية تتحدث عن وحدة الهوية الدينية والمذهبية لدول المنطقة, مما يخرج أعدادا لا يستهان بها من خانة المواطنة دون أن تشفع لهم موالاتهم للنظام القائم أو احترامهم للقوانين السائدة.. والتعاطي معهم كجالية أجنبية أو مقيمين من دول أخرى....بل حرمانهم من كل حقوقهم المدنية بالمرة تحت بند اعتناقهم واعتقادهم بمذهب مغاير لمذهب السلطان..
والهوية المذهبية هنا هي تقسيم العالم إلى قسمين في وضع التضاد والتناقض..القسم الأول وهو الجمع المؤمن أتباع الدين الحق والسائرين على المحجة البيضاء والذين هم بالمصادفة البحتة وغير المقصودة يمثلون المذهب الذي يعتنقه السلطان..والقسم الثاني هم الآخرون..
والوحدة المذهبية هنا لا تدعو إلى تراتبية استحواذية على مقدرات وخيرات ومفاصل الأمة ومراكز قرارها..والتعتيم والإقصاء الشامل للاغيار من المذاهب الأخرى فحسب..بل تهميش و تهشيم وإلغاء الانتماء والمواطنة للطرف الآخر وحرمانه من حقوقه السياسية والمدنية..
وكانت درة تاج النقد عزو الفتوى إلى قرار سياسي رسمي مصدره الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وبتأثير من زوجته السيدة الفاضلة تحية كاظم ذات الأصول الإيرانية المفترضة. كما ذكرت ذلك مجلة المشاهد السياسي، في عددها رقم 36، وتاريخ 17- 23 نوفمبر1996.
لا تعتبر الاختلافات الدينية أو المذهبية اختراع إسلامي وليس من المستبعد حصولها في الحضارات الأخرى ، ولكن المستغرب أن يحتل الاختلاف صدارة حياة المسلمين والمرتبة الأولى في أولوياتهم.
كتب جورج اورويل في رائعته 1984 عن وزارة الحقيقة التي يقوم منتسبيها بمراجعة الإخبار والتقارير الصحفية السابقة وتغييرها لتواكب المستجدات في طروحات الحزب الحاكم والحكومة ..حيث يقوم الموظفون بحذف ما لم يتحقق من شعارات واستبدالها بكتابات تحمل نفس استباقي للحاضر تكريسا لمفهوم تنظيم الماضي بصورة توحي بالإجماع الوطني وإضفاء صفة الترابطية التاريخية على الأهداف المرحلية المتفاوتة للسلطة الحاكمة..أي التزييف المتعمد للتاريخ خدمة للحاضر أو ما يراد له أن يبدو كحاضر مبني على التواصل مع الماضي..وهذا بالضبط ما قام به فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي.
التعليقات (0)