يحكى أن في زمن الديكتاتوريات تخبو النعرات لأن من يشعل نيرانها هم الأقوياء كالأنظمة الحاكمة ومتشابهاتها، وقيل أن في زمن الثورات تطفح النعرات لأن مستودعات مجاريها امتلأت بزيادة بسبب تكدسها في زمن الديكتاتور. وقيل أيضاً أنه خلال الثورات تعلوا الصيحات فلا يعرف مما قيل كان صحيحاً أو خاطئاً ولكن بكل الأحوال يزداد غاز الأمونيا في الساحات والميادين بكثرة، فتتجمع مقومات التفجر بهفوة ولا يبقى إلا عود ثقاب الديكتاتور كي يشعله... فيختلط الحابل بالنابل وينقسم الشعب "شعبان" وتتدمر البلاد ما بين مؤيد ومعارض للنظام.
ثورات شبابية.. ولا أدري لما أطلق عليها ذلك؟!! قد يكون مسمى "ثورات شعبية" هو الأفضل لأن أي ثورة لا تكون ضمن فئة عمرية واحدة، وإن بدأت هكذا، ولكن خلال مسيرة الثورة وفي مرحلة النضوج ترى أن التيار الهادر من البشر المسير في الشوارع والميادين هم فئات متعددة، عمرياً وثقافياً وجنساً أيضاً. ولو قرأنا ما كتبه التاريخ في الثورات السابقة لعلمنا أن الوقود المسير للثورة هم الشباب بالفعل ولكن المنظم لها هم أصحاب الخبرة في الحياة والسياسة ومن هم منتفعون منها ومن كان مهمشاً من الأحزاب في حقبة الديكتاتور من جهة، والأخرى بكل صراحة وجرأة هم أجهزة المخابرات الاقليمية والعالمية والموسادية وكل من له أجندة تدميرية بهدف تفتيت المفتت أو تجزئة المجزأ.
الشباب بكل تأكيد ناقمين على الأوضاع المقيتة التي وصلوا إليها في ظل أنظمتهم التي ولدوا وكبروا ولم يعرفوا غيرها، ولكن هل يتوقعون أن بتلك الثورات واسقاط الأنظمة الحاكمة سوف تكون الحل السحري لمستقبل أفضل؟! لا أعتقد ذلك... والسبب واضح وجليّ. فما حصل في مصر وتونس هذا مثال حيّ وما يحدث في ليبيا واليمن وسورية هو مثال آخر، وعلى الثورجية الاختيار بين العلقمين إن فكروا بإيقاد أي نار ثورة قادمة. فإما حكم العسكر وإما حرب أهلية وفي الحالتين هما دمار للبلاد! والسؤال هل نبقى راضخين لحكم الديكتاتور للأبد؟؟ والتصحيح هنا أن الحكام ليسوا بديكتاتوريين ولكنهم يمتلكون بطانة من حولهم ترتع بالفساد مما يوحي للشعوب على أنهم ديكتاتوريين. فالحاكم لا يرى ولا يسمع إلا ما تطلعه عليه البطانة عن أحوال الشعب ومطالبهم... إذن العلة هي في البطانة لا بالحاكم ولكن بكل تأكيد تلقى على الحاكم مسؤولية تلبية طموحات الشعب ورؤاه بالنزول إلى الشارع وجس نبض مشاكل الشعب عن قرب.
لذلك، فبديل اسقاط النظام هو اسقاط البطانة من حوله وهذا لا يتم بشكل آني ومستعجل بالطبع أو التشبث بالمطالب بقالب متحجر وعقول لا ترى في التفاوض مع الحاكم أي سبيل. لقد قلنا اسقاط البطانة هو الأفضل لذلك فإن المظاهرات والمسيرات هي وسيلة ضغط ليس إلا... لكي يعي الحاكم حقيقة زيف المعلومات التي تزوده بها البطانة وأن أحوال الشعب ليست كما صورت له. وهنا تكون هذه أولى الخطوات للفت نظر الحاكم لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الداخلية إن لم يكتشف حقيقة ما يدور من حوله. بكل تأكيد يسبق ما قلته النصيحة للحاكم... هذا إن سمحت البطانة الفاسدة من وصول حكماء الشعب له. وفي المرحلة الثالثة، وهذه إن لم يتيقن الحاكم من خطورة التحرك الشعبي في الشارع، يعمل الشعب على الاعتصام والتدرج فيه إلى إعلان العصيان المدني، وهذا الأمر يجب أن يأخذ مدى زمني كبير لأن الهدف من ذلك هو إيقاظ الحاكم لا الدخول معه في مواجهة وذلك حفظاً للبلاد.
وإن فشلت جميع تلك المراحل فلا يفكر الشعب باللجوء والاستعانة بالخارج ولكن عليه أن يبقي الأمل متقداً كي يهدي الله هذا الحاكم إلى الحق وإن لم تفلح محاولات ما سبق فلا نجعل البلاد عرضة للخراب ونوكل أمر العباد لربهم، فلا نيرون بقى حاكماً ولا روما بقيت سليمة واحترق الأخضر مع اليابس وهام العباد على وجوههم فلا أمن ولا أمان والسلام عليكم.
هذه ترهات يأس مغلفة بالأمل لعلها تنجي عقول البشر من حجر ثورات الغضب،،،،،،
التعليقات (0)