تركيا...والدبلوماسية الناعمة
بقلم/ حسام الدجني
يبدو أن تركيا لم تقف عند عبقرية المكان والموقع الذي تتمتع به، والذي يشكل حلقة وصل بين قارة آسيا وأوروبا، بل دمجت عبقرية المكان مع عبقرية القائد رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
حقق حزب العدالة والتنمية قفزة نوعية في كل المجالات في تركيا، سواء كانت هذه المجالات سياسية أو اقتصادية أو إجتماعية، وحافظ على هامش من الحريات لم تكن الدولة الأتاتوركية العلمانية تمنحها من قبل للشعب التركي، مما دفع العديد من الأتراك الذين هاجروا الى أوروبا الى العودة الى بلدهم الام، وكذلك استطاع حزب العدالة والتنمية الحاكم من وقف نزيف هجرة العقول الى خارج تركيا، وكأن ماضي الدولة العثمانية التليد يعود من جديد.
لم تقف إنجازات تركيا عند هذا الحد، بل تعدت ذلك لتصل الى السياسة الخارجية، والتي نجحت تركيا بامتياز في ادارة سياساتها الخارجية، وفي تحديد الأوقات التي تمارس فيها تركيا الدبلوماسية الخشنة، وهذا ظهر جلياً في تعامل الأتراك مع تداعيات أزمة أسطول الحرية، عندما قامت دولة إسرائيل بعمليات القرصنة في المياه الدولية ضد سفينة مرمرة التركية والتي كانت تحمل مساعدات انسانية لشعب غزة المحاصر، و استشهد حينها تسع أتراك.
ونجحت تركيا من حشد تأييد دولي كبير ضد ممارسات اسرائيل، ومازالت تداعيات تلك الأزمة مستمرة حتى هذه اللحظة.
وتأتي العبقرية التركية من خلال رؤية ثاقبة لقضايا المنطقة، ومن هنا بدأت تركيا مؤخراً من الإنتقال من الدبلوماسية الخشنة إالى الدبلوماسية الناعمة، وفعلاً نجحت تركيا على ما يبدو من انتزاع موقف تاريخي قد يبنى عليه مستقبلاً، وهو ما أدلى به السيد ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا أمام البرلمان التركي في أنقرة عندما قال: "إن الوضع الإنساني الحالي في قطاع غزة هو أشبه ما يكون بمعسكر اعتقال وأنه يجب أن يتغير عبر السماح بحرية الحركة للسكان والمساعدات الإنسانية".
إن موقف السيد ديفيد كاميرون هو مؤشر سياسي هام على رفض أوروبي للسياسة الاسرائيلية تجاه قطاع غزة، وكنتيجة مباشرة لحجم الغليان الذي يشهده الشارع الإنجليزي ضد ممارسات اسرائيل في قطاع غزة، والتي تجلت في ارتفاع نسبة الاعتداءات ضد مؤسسات ومصالح صهيونية في بريطانيا، وأيضاً يأتي استخدام السيد كاميرون لمصطلح (معسكر اعتقال) رسالة سياسية الى الحكومة الاسرائيلية تذكرها بالماضي الأليم الذي عايشوه اليهود ابان معسكرات الإعتقال النازية عام 1933م.
ومن خلال استخدام تركيا للدبلوماسية الخشنة مع اسرائيل وانتقالها بعد ذلك الى الدبلوماسية الناعمة في مناورة سياسية تخدم الأهداف القومية التركية، أعتقد ان تركيا قد تحقق الهدف الاستراتيجي الأهم لها والمتمثل في دخولها منظومة الاتحاد الاوروبي، وهذا ما تحدث به رئيس وزراء بريطانيا عندما قال: " إنه سيحارب من أجل عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي وعبر عن غضبه لبطء تقدم المفاوضات التي تجريها أنقرة بهذا الشأن، وأضاف أن تركيا يمكن أن تصبح قوة أوروبية مهمة ويمكن أن تصبح همزة الوصل بين الشرق والغرب".
وهذا ما تطمح اليه تركيا وهو أن تحافظ على علاقات مع الشرق والغرب، وهذا يجعل من تركيا دولة محورية في المنطقة ذات مستقبل سياسي واقتصادي قد ينافس قوى دولية واقليمية في المنطقة.
إن نموذج المدرسة الأردوغانية هو نموذج صالح لأنظمتنا العربية والإسلامية، وهو نموذج ناجح لتجربة حركات الإسلام السياسي في الحكم، ولكن قد تختلف البيئة السياسية من منطقة الى منطقة كما تختلف الاهداف والرؤى والمصالح.
HOSSAM555@HOTMAIL.COM
التعليقات (0)