أكدت مصادر تركية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» أمس أن «نقلة نوعية» في الأداء التركي حيال الأزمة السورية سوف تظهر تباشيرها مع انتهاء الانتخابات التركية وتشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن تبددت آمال القيادة التركية في «تغيير فعلي» في المقاربة السورية لملف الاحتجاجات والإصرار على ما سمته المصادر استخدام «القمع بديلا عن الحوار».
وقالت المصادر لقد «أعطيناه (الرئيس السوري بشار الأسد) كتيبا كبيرا يتضمن كل خبرتنا في مجال تأسيس الأحزاب والجمعيات وحل القضايا بالحوار، وكان رحب الصدر دائما، لكننا لم نجد ترجمة فعلية لهذه الإيجابية». وأوضحت المصادر أنه من المفترض بالأسد أن «يضحي بأقرب الناس إليه من أجل المصلحة العامة»، مكررة أسماء مثل اسم شقيق الرئيس الأسد ماهر، ورجل الأعمال رامي مخلوف، وغيرهما، مشيرة في المقابل إلى وجود أسماء «مقبولة من الناس يمكن استمرارها مثل نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، وبعض القيادات العسكرية السورية التي لم تتلوث بالقمع»، على حد تعبير المصادر.
وقد نفى وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، مجددا أن تكون هناك نية لدى تركيا «حاليا» لإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية للحد من تدفق اللاجئين الفارين من أعمال العنف في بلادهم، من دون أن يفصح عن الخيارات المستقبلية لبلاده التي قالت مصادر في وزارة خارجيتها أمس إنها «تستعد لاستقبال نحو 10 آلاف شخص، وهو الحد الأقصى لاستطاعتها»، وإذ أشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تركيا استقبلت في الماضي نحو 500 ألف لاجئ عراقي، فإنها تحتاج دعما دوليا في هذا المجال، وهو ما بدأت أنقرة فعله، مع ارتفاع عدد اللاجئين إليها إلى أكثر من 5000 شخص. فيما قالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن هناك نحو 6000 شخص آخر كانوا ينتظرون في الجانب السوري من الحدود الفرصة لعبورها.
وأكد أوغلو في تصريح له عقب إدلائه بصوته في الانتخابات البرلمانية بمدينة قونيا بوسط تركيا، التي يخوض الانتخابات فيها مرشحا عن حزب العدالة والتنمية، أن تركيا ستستضيف بقدر المستطاع كل من يمكنها استضافتهم من المواطنين السوريين حتى عودة الأوضاع في بلادهم إلى طبيعتها. وقال «أبوابنا مفتوحة أمام إخواننا السوريين حتى تتحسن الأوضاع في بلادهم وتعود لطبيعتها»، مشيرا إلى أن «90% من الفارين من سوريا من الأطفال والنساء والشيوخ».
وأفادت وكالة أنباء «الأناضول» التركية بأن أكثر من 400 سوري عبروا الحدود التركية ليل السبت - الأحد، مما يرفع عدد اللاجئين الذين غادروا سوريا للعيش في مخيمات في جنوب تركيا إلى 5051 شخصا. وأشار التلفزيون الحكومي التركي إلى أن «اللاجئين السوريين أتوا من مدينة جسر الشغور، الواقعة على بعد نحو 40 كم من تركيا.
وينزل اللاجئون السوريون في مخيمين في أنطاكيا جهزهما الهلال الأحمر التركي، في وقت يتم فيه تجهيز مخيمين آخرين في هذه المنطقة. ويتولى الدركيون الأتراك الاهتمام بهؤلاء اللاجئين ونقلهم إلى المخيمات أو المستشفيات. وكان نحو ستين شخصا نقلوا إلى المستشفى أول من أمس للمعالجة من إصابات مختلفة، وفق ما أفادت به مصادر تركية. كما أنشأت السلطات التركية مستشفى ميدانيا صغيرا في ياغلادادي، وهو الأول والأكبر في هذه المخيمات لتأمين العناية الطبية الطارئة للجرحى.
وأفاد مسعف سوري مصاب (29 عاما) وصل إلى تركيا هربا من العنف بأنه رأى عشرات القتلى ومئات الجرحى، وذكر أنه شاهد «رجلا ميتا انقسمت جمجمته إلى قسمين بعد إصابته برصاص متفجر». كما توفي مواطن متأثرا بجروحه فور وصوله الحدود مع تركيا، وشيع جنازته عشرات النازحين في منطقة الشريط الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا، حيث تحولت جنازته إلى مظاهرة طالب خلالها المشيعون المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري من أجل وقف آلة القمع والقتل ضد المواطنين العزل.
وبدأت المعلومات الأولى عن دخول الجيش السوري إلى جسر الشغور شمال غربي سوريا في الوصول إلى اللاجئين عند الحدود التركية. ويقول علي، اللاجئ السوري (27 عاما)، إن لديه معلومات عن أشخاص هربوا من المدينة في اليوم نفسه ووصلوا إلى الحدود «قبل ساعة». ويضيف الشاب «ثمة الآن انشقاق في صفوف الجيش، وهناك مجموعة تحاول حماية الناس؛ لقد دمرت جسرين في جسر الشغور»، حسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.
وهذا اللاجئ الذي جرى اللقاء معه على الجانب التركي من الحدود حيث كان يبحث عن طعام لذويه، يروي أن آخر سكان قرى المنطقة يحاولون حاليا التوجه نحو الحدود. ويؤكد أن «الذين بقوا في منازلهم بدأوا في المغادرة مع اقتراب الجيش. إذا ما اقترب الجنود أكثر، سيدخلون إلى تركيا».
ويقول محمد (24 عاما) «من الصعب الآن الاقتراب من الحدود؛ فالجنود والشرطيون بلباس مدني يمنعون سيارات اللاجئين من العبور. يجب التحايل عليهم سرا». ويضيف الشاب السوري «في هذه اللحظة، النظام يسلح كل العائلات العلوية؛ إنه يعطي سلاحا لكل رجل يفوق عمره 15 عاما». إلا أن دركيا تركيا مكلفا بمنع اللاجئين من اجتياز الحدود غير الخاضعة للسلطات التركية، قاطع الشاب السوري. وهذا الدركي الذي بدا في البداية سريع الغضب، بدأ يلين خلال الحديث، وظل غير مبال عندما عبر طفلان سوريان يحملان أكياسا ممتلئة بالخبز أمام ناظريه في اتجاه سوريا.
ويقول الدركي «إذا كان ثمة خطر، سندخل الجميع إلى تركيا». ويتدارك «إلا أن (الرئيس السوري بشار) الأسد لن يجرؤ يوما على إرسال جيشه إلى هنا. هنا يوجد الجيش التركي». ويؤكد أن الجيش السوري غائب تماما عن المنطقة الحدودية حتى الساعة. ويقول «خلال 14 شهرا، لم أر جنديا واحدا من الجانب الآخر».
ومن جهته، فر باسم، وهو عامل بناء، إلى تركيا بعد أن أطبقت القوات السورية على مسقط رأسه. وعرض باسم مشاهد التقطها بكاميرا هاتفه الجوال لشاب قتيل عمره بين 18 و25 عاما، وقد أصيب برصاصة في ساقه بينما خلفت رصاصة فتحة خروج كبيرة في بطنه، وقد رقد على الأرض غارقا في دمائه. وعرض صورة ثانية لقتيل مصاب برصاصة في الرأس. وقال باسم إن الرجلين قتلا على أطراف جسر الشغور على أيدي قوات يقودها ماهر الأسد. وقال «لم يبق سوى عدد قليل من الناس. فررت على دراجتي النارية عبر طرق موحلة عبر التلال». وأضاف أن القوات الحكومية أحرقت حقول القمح في ثلاث قرى بالقرب من جسر الشغور في اتباع لسياسة الأرض المحروقة التي تستهدف كسر إرادة سكان هذه المنطقة الجبلية الاستراتيجية الذين شاركوا في احتجاجات ضخمة ضد حكم الأسد
جريدة الشرق الأوسط
التعليقات (0)