تركيا الحالمة عودي للصواب
تركيا أوردغان منذ أن وصل حزبه لسدة الحكم تواصل تقاربها مع العالم الإسلامي وتقوم بفتح أبواب أغلقها العسكر الذين حكموا تركيا منذ عهد أتاتورك، ، تقارب تركيا ذلك لايدخل ضمن التعاون مع الدول والأمة الواحدة بل يدخل ضمن الأرث التاريخي للدولة العثمانية فحزب العدالة والتنمية التركي يرى في نفسه أنه الوريث الشرعي للخلافة العثمانية وعلى هذا الأساس يتعامل مع الدول بعقلية الوريث الشرعي للتاج العثماني وبعقلية المستعمر القادم , فحكومة أوردغان التي هايطت في بداية الثورة السورية تدعم الأحزاب ذات الخلفيات والتوجهات الأدلوجية المؤمنة بعودة الخلافة من جديد , فمع سقوط الاخوان بمصر سياسياً تحاول تركيا لملمت أدوارها خاصة عندما اشتدت تصريحات أردوغان ضد إرادة الشعب المصري , فقد رفض مهاتفة نائب الرئيس المصري المؤقت البرادعي معتبراً أياه شريك في الانقلاب على نظام حكم مرسي وجماعة الاخوان , ونسي أوردغان أن الشرعية التي تشدق بها هي التي انتخبت الحكومة السابقة وهي التي خرجت في المدن والقرى رافضة الظلم والاستبداد وهي التي نزعت غطاء الشرعية عن مرسي الحاكم وجماعته التي حاولت وما تزال تحاول التغلغل بمؤسسات الدولة المصرية , وصف أوردغان ماجرى بمصر إنقلاب توصيف ليس بمحله لأن الحكومة المصرية الانتقالية جاءت بمدنيين عكس ما كانت تقوم به الحركات الإنقلابية الثلاث بتركيا ! لكن السيد أوردغان لا يقرأ واقع بلاده جيداً , فهو عارض إرادة الشعب المصري لأنه يخشى من ردة فعل العسكر الذين تم تحييدهم من قبل , فتركيا وإن بدأت بلا جنرالات حتى هذه اللحظة تعيش في قلق مستمر خاصة بعد حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع التركي ويخشى أوردغان عودة الامال للعسكر والانحياز لصوت الشعب ,فتظاهرات الأسابيع الماضية في المدن التركية وإعلانه اللجوء للجيش في حال اتساع رقعة الاحتجاجات تجعله تحت مجهر اختبار حقيقي فكل تصرفاته إذا لم تهدأ وتخف حالة الاحتقان تنذر بنقض شرعية حكومته المنتخبة , لان الحكمة ستغيب والحوار فقد والانحياز لمطالب الجماهير مات بمطرقة الحاكم المستبد هذا ما فهمناه من تصريحاته السابقة , ملفات الشارع الداخلي التركي المعقدة كثيرة حتى وإن بدأ هناك نوعاً من الرخاء الاقتصادي والتنمية الحضرية , ملف الاقليات خاصة الاكراد , وملف الاصلاح السياسي والمشاركة بالحكم وهذا الملف مرتبط ارتباط وثيق بملف الاقليات فجميع الملفات معقدة وبحاجة لتعقل وليس لضرب بالطائرات لمعاقل الحركات المناضلة والمعارضة مثل حزب العمال الكردستاني , وليس في حاجة للتهديد والوعيد كالتهديدات التي أطلقها على خلفية التظاهرات الأخيرة .
رسمت تركيا صورة مغايرة عن الواقع فبعد أن حكمت جماعة الأخوان المسلمين بمصر أنتعشت أحلام أوردغان العثماني الصغير فحلم بعودة الخلافة الإسلامية التي تبدأ من تركيا وتمر بمصر وبلاد المغرب وتنتهي ببلاد فارس , حلم يصطدم مع الواقع جملة وتفصيلاً , فالمستعمرات العثمانية القديمة أصبحت دول ذات كيانات وسيادة ولن يقبل أي عاقل أن يكون تحت وصاية أحد مهما كان شعاره , ولو حلمت تركيا بحزام إسلامي مكون من دول إقليمية تكون مواجهة للقوى العظمى لكان ذلك التفكير قابلاً للنقاش والأخذ والرد والتطوير فالجميع يحلم بكيان إسلامي قوي على غرار الاتحاد الأوربي وليس الجميع يحلم بعودة استعمار جديد تحت مسمى الخلافة , الحالمون قله قرأت التاريخ خطاءً وتحاول العودة للوراء بكل ما أوتيت من قوة .
البيت التركي ليس متماسكاً فسياسة تركيا الخارجية وأقصد هنا السياسة الخارجية السرية المبنية على التحالفات السرية لأجل الهدف الحقيقي وهو الخلافة الجديدة لا تنسجم مع سياستها الداخلية , فالازدهار الاقتصادي الذي تعيشه تركيا مرتبط ومرتهن بالامن وبالملفات العالقة , وحضورها على المسرح الدولي وتقديم نفسها على أنها دولة إسلامية معتدلة تقدم نموذج معتدل سلمي يؤمن بالديمقراطية وبالتداول السلمي للسلطة , يناقض مع ما تمارسه بالداخل من تعامل عنيف مع الأقليات وما تقوم به من ممارسات تدل على أنها تسعى لأن تكون الوصي الجديد على العالم العربي والاسلامي عبر تأييد بعض الأنظمة وبعض الأحزاب وعبر بث ثقافة الأتراك الجدد للشارع بوسائل متعددة , تركيا قتلت عشرات الآلاف من أكراد وأرمن وغيرهم لأسباب سياسية وعرقية بحته , لكن دماء أهل الأرض هانت عند أوردغان وزمرته الحاكمة , ولن نغفل استنكار أوردغان للمساعدات المقدمة من دول الخليج لمصر , فدول الخليج قامت بدورها تجاه مصر وتجاه تركيا فتركيا ليست بمأمن عن المساعدات الخليجية التي تكون عبر مشاريع مشتركة , ومساعدات مصر جزء من الالتزام الدولي وجزء من مفاهيم السياسة الناعمة لكن العقل التركي الحاكم لا يجيد فن السياسة التي هي فن الممكن , فلو أنه يجيد ذلك الفن لما أستنكر ما أٌعطي لغيره وهو يأخذه ؟ ولما غضب من الدعم الذي هو جزء أصيل من مسؤوليات كل بلد تجاه البلدان الأخرى , فعلى سبيل المثال لا الحصر , أمريكا الدائن الأكبر في العالم بمعنى أن أمريكيا أكبر دولة مديونه في العالم تقدم مساعدات للدول ومعونات لأسباب سياسية بحته وإنسانية وهي قليل , وذلك لا يعيب الدول بقدر ما يعيب من ينتقده ويحاول أن يجد طرف خيط للامساك به؟
تركيا دولة وشعب لها كل الحب والأحترام ، ونتمنى أن تكون دولة تتعامل مع الجميع بمساواة وباحترام دون أدنى مشاعر للوصاية أو الاحلام القديمة , فتركيا وإن كانت وريث للعثمانيين فليس من من حقها محاولة إيقاظ ذلك الحلم مهما كانت المبررات, أتمنى أن تعود تركيا الحالمة للصواب وتحلحل ملفاتها العالقة وتتعاون مع محيطها بحكمة وتعقل على أسس مبنية على المصالح المشتركة , فعلاقات الدول تٌبنى على المصالح وليس على العقلية الاستعمارية , فهل يعي أوردغان تلك الحقيقة ؟
التعليقات (0)