مواضيع اليوم

تركيا " العربية"...

محمد مغوتي

2011-09-26 13:40:23

0

    تصاعد الدور الإقليمي لتركيا بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة. و قد بلغ الحضور التركي في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا مستوى كبيرا مع تنامي موجات الحراك الشعبي التي تعرفها عدد من دول المنطقة. و فرضت دولة العثمانيين الجدد نفسها كلاعب أساسي في صنع القرار السياسي في منطقة حساسة جدا تسيل لعاب كل الدول الكبرى في العالم و   تؤثر إلى حد بعيد في توجيه العلاقات الدولية.
    هذا الحضور التركي اللافت تجلى في مستويين: الأول يتعلق بتطورات موسم الثورات في " العالم العربي"، و الثاني يرتبط بالموقف من إسرائيل. و في الحالتين معا استطاع الأتراك أن يجعلوا من بلدهم رقما صعبا و مؤثرا في كل الأحداث التي تتسارع في المنطقة. و يبدو أن رئيس الوزراء التركي " رجب طيب أردوغان " أصبح في كل الدول العربية (و الإسلامية أيضا) أكثر شعبية من زعماء هذه البلدان أنفسهم. و قد لا ينافسه في هذه الشعبية الجارفة إلا زعيم " حزب الله" اللبناني " حسن نصر الله" الذي فقد الكثير من بريقه و مكانته بسبب موقفه المتواطئ مع نظام البعث في سوريا ضد الحراك الثوري هناك. و يدرك أردوغان جيدا أن استمالة قلوب الجماهير الشعبية في " العالم العربي" يرتبط أساسا بالموقف من إسرائيل، لذلك أقدم على خطوات تصعيدية كثيرة جعلت كل الأنظار و الآمال تلتفت إليه. و بذلك نجح رئيس الوزراء التركي في سحب البساط من تحت أقدام الرئيس الإيراني " أحمدي نجاد"، و اختطف منه صفة البطولة، حيث استفاق الشارع العربي على حقيقة أن إيران لا ترعى إلا مصلحتها القومية و المذهبية، و أن كل التهديدات التي يطلقها ساسة إيران ضد إسرائيل لا تعدو أن تكون شعارات للإستهلاك الإعلامي. و لأن الرأي العام في " العالم العربي" مشدود بقوة إلى "القضية الفلسطينية"، فإن أردوغان و باختياره لغة التصعيد في علاقات بلاده بإسرائيل، يكون قد لامس شغاف قلوب هذه الشعوب، و قام بخطوة لم يجرؤ أي من الحكام العرب الذين تربطهم علاقات ديبلوماسية بإسرائيل على القيام بها.
    إن الموقف التركي المعلن ليس مجرد نتيجة لتداعيات الهجوم الإسرائيلي خلال شهر ماي من السنة الماضية على " سفينة الحرية" في سياق مبادرات رفع الحصار عن غزة، فقد كان هذا الحادث فرصة سانحة مكنت الحكومة التركية من تنفيذ استراتيجية بدا أنها كانت معدة بإحكام. لكن توتر العلاقات بين تركيا و إسرائيل لم يكن وليد تلك اللحظة، بل سبقته إشارات متعددة كان أبرزها واقعة " دافوس " في يناير 2009 عندما و جه أردوغان نقدا لاذعا للرئيس الإسرائيلي " شيمون بيريز" على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة. حينها مجد الكثيرون موقف الرجل و اعتبروه بطلا و نصيرا كبيرا للقضايا العربية. و هو الموقف الذي ترسخ أكثر منذ بداية ما بات يصطلح عليه ب "الربيع العربي"، حيث كانت تركيا سباقة باستمرار إلى إعلان مساندتها الكاملة للثورات الشعبية في المنطقة، و كان دورها مهما في نجاح " الثورة الليبية "، و في فرض كثير من الضغوطات على النظام السوري الذي يواجه شعبه بالحديد و النار و في التفكير في مستقبل مصر بعد نهاية نظام مبارك... و المساندة التركية المعلنة لحراك الشعوب جعلتها تحظى بكثير من الإحترام و التقدير في المنطقة على عكس الدول الكبرى التي تتميز مواقفها بعدم الوضوح و الإنتظارية تبعا لمصالحها الخاصة. و هذا يعني أن الحكام الأتراك يستعدون بحضورهم السياسي الوازن في المنطقة إلى المساهمة بفعالية في بناء مستقبل الشرق الأوسط. و هم بذلك يقدمون بلدهم كفاعل أساسي في كل برنامج مستقبلي يعيد ترتيب العلاقات الدولية في هذه المنطقة التي تعرف توترا مزمنا. و في ذلك أكثر من رسالة إلى الأطراف المعنية من القوى العظمى في النظام العالمي الجديد.
    تركيا إذن تدرك جيدا أن رياح التغيير التي تهب على المنطقة ستؤدي إلى نتائج على مستويات مختلفة، وبغض النظر عن طبيعة تلك النتائج و مدى تأثيرها في العلاقات الإقليمية، فإن مواقف العثمانيين الجدد لا علاقة لها بلون عيون العرب، بل هي استراتيجية سياسية مدروسة تحقق لهم موطئ قدم كبير في صنع مستقبل المنطقة، كما تمثل ابتزازا سياسيا للغرب، و خصوصا الإتحاد الأوربي الذي مازال يمانع في تحقيق حلم الأتراك بالإنضمام إلى هذا المنتدى الإقتصادي العملاق. أما العرب الذين يراهنون على محاربة إسرائيل ببنادق تركية أو إيرانية، فإن رهانهم خاسر لا محالة.
        محمد مغوتي. 26/09/2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !