مواضيع اليوم

ترسيم الأمازيغية: التأجيل الممنهج.

محمد مغوتي

2013-11-23 01:38:56

3

      بعد مرور أكثر من سنتين على إقرار الدستور الجديد، مازال سؤال التنزيل - أو ما يسمى بالتأويل الديموقراطي للدستور- مطروحا بقوة، ويأتي ملف ترسيم الأمازيغية على رأس الملفات التي مازالت قيد التجميد بسبب التأخر في سن القوانين التشريعية المنظمة لهذا الورش "الهوياتي" المهم. ومع اقتراب انقضاء السنة الثانية من عمر حكومة بنكيران، يبدو أن موضوع الأمازيغية لن يعرف طريقه إلى الحل في المدى القريب على الأقل. لكن الأمر لا يتعلق بمجرد تخبط حكومي أو غياب رؤية مدروسة لتنزيل المقتضيات الدستورية في هذا الشأن، ذلك أن هذا الوضع المعلق الذي تعيشه الأمازيغية ليس من قبيل الصدف، وإنما هو أمر مدبر ومخطط له. ولمن هو في حاجة إلى إثبات، يكفي أن يقرأ دلالات الخطوة التي أقدم عليها الفريق البرلماني للتجمع الوطني للأحرار بالغرفة الأولى، عندما سحب مقترحا بشأن القانون التنظيمي للأمازيغية كان قد تقدم به في وقت سابق للجنة المختصة من أجل دراسته ومناقشته.

   حزب الحمامة برر خطوته تلك بحرصه على تنفيذ "التوجيهات الملكية" التي تؤكد على ضرورة "التوافق والتشارك في إعداد وإخراج القوانين التنظيمية باعتبارها نصوصا مكملة للدستور.". والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق هي: ما الأطراف المعنية بهذا التوافق؟. وكيف يمكن أن يتحقق التشارك إذا كانت الحكومة نفسها غير مهتمة بملف التنزيل الدستوري حتى الآن؟. وإلى متى ستظل الأمازيغية ضحية لغياب تفعيل هذا المطلب التشاركي والجماعي في إعداد القوانين؟. اللافت للإنتباه أن الفريق النيابي للتجمعيين وفي معرض التوضيحات التي قدمها بشأن قرار سحب المقترح المذكور شدد على أن "عملية سحب هذا المقترح هو مجرد إجراء شكلي لا يمس بإيمانه الراسخ بضرورة التعجيل بإخراج هذا القانون التنظيمي الهام إلى حيز الوجود ". ولسنا في حاجة إلى كثير من النباهة لنستنتج التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال فيما يرتبط بهذه القضية، فالحزب يتحدث عن حرصه على ضرورة تسريع وتيرة ترسيم الأمازيغية، لكنه في المقابل يساهم عمليا في تأخير هذا المطلب من خلال خطوة سحب مقترح القانون التنظيمي الخاص بها. وهو ما يعني مزيدا من التأجيل والتسويف...

  هذا القرار يلقي بظلال من الشك على جدية تعاطي الحكومة مع ملف الأمازيغية، خصوصا وأن حزب الحمامة أصبح فاعلا أساسيا في الفريق الحكومي بعد التعديل. ومعلوم أن سحب المقترح جاء بعد رفض الحكومة لمقترح قانون تنظيمي آخر يتعلق بلجان تقصي الحقائق تم عرضه بمجلس النواب، وذلك بدعوى أن القوانين التنظيمية المكملة للنص الدستوري ينبغي أن تمر عبر المجلس الوزاري. وذلك استنادا إلى الفصل 49 من الدستور الذي يضع "مشاريع القوانين التنظيمية" ضمن النقط التي يتداول فيها المجلس الوزاري. لكن الفصل 78 من الوثيقة الدستورية يمنح " لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح قوانين". وهذا يعني أن من حق الفرق البرلمانية سواء كانت تنتمي إلى الأغلبية أو المعارضة أن تتقدم بمقترحات قوانين، غير أنها لا تكتسي صفة مشاريع قوانين تنظيمية إلا إذا تم تداولها في المجلس الوزاري. لذلك فإن إعداد مقترحات في هذا الشأن من طرف الفرق البرلمانية هو الذي يحقق مطلب التشارك والتوافق في إخراج النصوص التشريعية المكملة للوثيقة الدستورية. وبما أن الفريق البرلماني التجمعي ( هو الوحيد، حتى الآن، الذي أعد مقترح قانون يتعلق بالأمازيغية) يعتبر جزءا من الأغلبية الحكومية، فإن ذلك يعني أن قرار السحب يراد منه إقبار ملف ترسيم الأمازيغية مع سبق الإصرار والترصد، بل وأكثر من ذلك أيضا، يبدو واضحا أن الحكومة لا تنظر إلى التنزيل الدستوري بشكل عام كأولوية راهنة.

   إن تجميد ورش الترسيم الفعلي للأمازيغية بعد مضي أكثر من سنتين على إقرارها دستوريا، يثبت غياب إرادة سياسية حقيقية في التعاطي مع هذا الملف. ويدل على استخفاف واضح بالمغاربة الذين اختاروا الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية في استفتاء فاتح يوليوز 2011. واستمرار مسلسل التأجيل يعني أن منطوق الفصل الخامس من الدستور: " يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية "، يعني إذن أن هذا المنطوق سيظل حبرا على ورق إلى أجل غير مسمى.

             محمد مغوتي. 23 – 11 – 2013.




التعليقات (3)

1 - اللغة والهوية

رشيد - 2013-12-03 11:46:50

لو اردنا ان نعرف ما هية اللغة هي وسيلة تواصل وتعارف في كل مكان من العالم حيث يتنقل فيه الإنسان أو يقيم لوجدنا عبر التاريخ هناك لغات قد انقرضت وحلت محلها لغات أخرى لازالت بقايا أثار اللغة المسمارية والهروغليفة تدل عليها في النقوش الحجرية او اللغات القديمة مثل الونانية واللاتينية التي شهدت تدوين الكتابة أرقى الحضارات في ذلك الزمن من خلال فلاسفتها وحكمائها من بينها اقدم لغة لازالت حتى الأن ساهمت في شتى العلوم تعتبر من اللغات الحية انها العربية بينما بعضها امتزجت بلغات عديدة كما امتزجت أجناس ببعضها من البشر اذكر منها اللغة الأمازغية التي يصر أهلها على تدريسها تشبثا بالهوية الأمازغية لغة اهل الأرض كما يقولون اما باقي المغاربة ليسوا من اهلها مجرد دخلاء منذ بداية الفتوحات العربية الى هجرة الأندلسيين هذا ظلم في حق الإنسان قبل ان يكون ظلم في حق الأمازيغ لما نذكر امتزاج اللغات والأجناس منذ اجيال من التاريخ يرى المتتبع ان اللغة تتطور والأجناس تتغير وتتنوع شيئا ما بحكم المصاهرة من الطبيعي أن تتغير ملامح الجنس البشري سيما العنصر الأمازيغي في بعض المناطق المغاربية كأن يتحدث عنصر من أصل افريقي او عربي باللسان الأمازيغي والعكس الأمازيغي يتحدث باللسان العربي الا في في بعض القرى النائية والمنعزلة البعيدة عن المدن التي احتفظت بلسانها الأمازغي بعد ان دخل الكثير من المفردات العربية في قاموسها اللغوي كيف تصير لغة أمازغية يقول بعضهم العربية نفسها مركبة من عديد الكلمات الأجنبية طيب فلتكن ولتكن الأمازغية لغة تدرس الى جانب العربية لكن ليس لغة دارجة .

2 - رد على تعليق رشيد

محمد مغوتي - 2013-12-05 22:42:18

شكرا على المشاركة بالتعليق. صحيح أن اللغة قابلة للتطور والتغير نتيجة التلاقح الثقافي المفتوح بين الشعوب والحضارات المختلفة. لكنها تظل معبرا عن عراقة هوية الشعوب. وذلك هو حال الأمازيغية المظلومة في بلدها. أجرأة ترسيم الأمازيغية لم يعد مطلبا لفئة دون آخرى، فالدستور المغربي يعترف بها لغة رسمية إلى جانب العربية. لكن نفوذ المحسوبين على العروبة هم الذين يقفون في وجه هذا الترسيم. مع تحياتي.

3 - سؤال

أحمد - 2013-12-07 19:09:01

لماذا خدمة التعليقات تتعطل أحياناً

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !