يتراكمُ في صدريّ ركمنا السالف , ذكرياتنا , كيفَ كنا نتسامر , وكيفَ كنا نتخاصم لنلتقي مرّة أخرى في اليوم التالي !
إن التراكم الأشد هذا اليوم هو تراكم قرارنا بالهرب من كل شيء لأن الظروف تبدو غير مواتيه لنا , مع كل شيء نملكه , كل الجاه , كل الشرف , وكل النبل الذي ولد معنا الأشياء التي
تجعلنا علامات فارقة _ إلاّ أن وبكل بساطة نفترق كباقي الكائنات ونلتقي مرّة واحدة كل عام كما الطيور الموسمية نلتقي وكلانا باحث بعد هذه الرحلة عن غذاءًا لجسده والروح حينَ يحط
ليكون لقاؤنا مشطوب من على وجه الأيام والسنين, ليكونَ في ظل هذه الوجوه وجهًا أخر لا يعرفُ أحد أي علامات الحنين سكنته .
كنت أفهم سالفًا أن النقاء يمنع قلبي من التراكم , لأراه هو المسبب الأول , فأنا الذي لا يحتاج لأي مخلوق , أحتاج رغبة كوني وفيًا لكل الأشياء الغادرة والغير جيدة والتي ترحل بغير إذن
و بغير الطرق الرسمية كهاربٍ برداءه الرث يتسلل للقطار وربما واجه الموت تاركًا جنته خلفه ليعيش بعد ذلك على فتات ما تتركه الأيام على الأزقة و الطرقات الخالية من القلوب والإنسان هكذا يفعل من يختار الجهل على المعرفة ومن يبيعُ الحقيقة
ثمنًا لتلطيخ إسمه بالتراب و أبقى أنا أنا لا مجال لهبوطي كما يفعلون هم لكني أعلوا وأسموا كثيرًا حتى يحس كل كائن بقربي بالإختناق فيستعير جهاز أوكسجين أو ينتظر في قائمة الأموات في قلبي
إني الأن أرى أوراقنا وكأنها رغيف يقضمه فقير لم يذق طعمًا لأي شيء غير فقره لثلاث أيام متتالية , هناك شيء غير صالح للإستعمال يكون وسيلة للحياة عند البعض , فكما كانت ذكرياتنا شكلاً من أشكالِ الوفاة تكون النجاة لهذا الإنسان الذي ما ذاقَ شيئًا
قبلَ كل شيء صار بيننا لينتهي في خلال زمن أقل من الدقيقة, وليتغذى هو من حيثُ لا يدري على الحزن الأعظم, لكن الجوع يمنعه أن يحس إلا بالنجاح والإمتنان .
و عندما تتراكمُ في صدري تساؤلات الكائنات التي قطنت فيه و لأي سبب من الأسباب رحلت , أو ما رحلت لكنها تبدو محنطة و صماء لا تفهم ما يقالُ لها - لا تفهم إلا أن تتغذى و تتغذى فقط _ على حزني الذي يتولد من ذلك , ليس على نفسي ولكن عليها , فتبدو بصحة جيدة لأهجرها ثم ما أن أتفقد الأحوال لأجدهم على حافة الموتِ فأتقاسم فؤادي وهم ليستعيدوا الحياة, لكن وللحظة نقاش عابر يبدون راغبين جدًا بالرحيل لإختلافنا في وجهات النظر , وهم حين يعيشون بعد ذلك لا أكون منفصلاً عن ذكرياتهم التي بنيت قاعدتها على صورتي , ولا عن أجسادهم التي يسري بها دمي .
ثم أرى بعد ذلك الخلايا التي تنفصل عن منشأها الأم, ثم تسيرُ لحل مشكلاتها بعد ذلك لأتفائل وأقول أن الرحيل ناتج عن التشبع من كل شيء, فالكمالُ الذي نصل له هو الذي يجعلُ الرحيل سبيلاً ليعيش الإنسان حياةً ناقصة يرى فيها الخطأ و يقومه , و الصواب و يقتدي به وينشده .
هذه بدايتي مع الإنسان وهذه نهايتها , و ها أنا أخالطُ الأذى أولاً فالكائن خلفه , وها أنا أقرءُ الحزن في عيني كل مارٍ على هذا الطريق الذي لا يقلُ أحزان عنهم
وها أنا أنسى بعد ذلك , لماذا أكونُ عميقًا جدًا في حبي دون أن أعرفَ الأسباب , وكيفَ ومع كل العظمة التي تعرفني أرحل ويرحلون , و أحتسي صمت المدينة برهةً لأعرفَ منها الكلام, كيفَ أتحدثُ وأنتظرُ ثم أمضي بلا حديث , كيف يأتي في طردٍ واحد جواب حياتي و النهاية .
التعليقات (0)